كيف يمكن أن ندخل مرحلة صياغة عالم جديد وهو التحدي الرئيسي الذي يواجه مصر بعد تغيبها منذ معاهدة كامب ديفيد8791 والذي أدخلنا, دولة وشعبا في دوامة العجز؟ المهم أن ندرك ما هي اللحظة التاريخية التي نحياها الآن؟ ما هي مكانة هذه اللحظة من مسيرة التاريخ علي مصر. وهنا أعود بالذاكرة الي مقال نادر للبروفيسور جيد مارتن, الأستاذ الشاب بإحدي جامعات كندا, كما نشره الملحق التعليم العالي لجريدة تايمز في عدده المؤرخ5 نوفمبر3791 وكنت قد نشرت أجزاء منه علي صفحات المصور في نوفمبر.3991 العنوان يتساءل عن موقعنا من الزمان بعبارة لافتة: الساعة كام, يا مستر وولف؟ يقول الاستاذ: يتبادران الي المؤرخين, يهدفان الي مساعدة عالم متحفظ أن يفهم وجهة المستقبل السؤال الأول هو: ما هو هذا الذي نطلق عليه أنه طبيعي؟. كلنا يملك أفكارا واضحة عما نطلق عليه أنه طبيعي فالدول القومية هي النمط الطبيعي, والدول القومية الناجحة هي الديمقراطية. إن معظم الناس يعيشون في المدن, وكانوا حتي أمد قريب يعملون في المصانع ثم من الطبيعي أن الغرب وقيمه تسود المعمورة وكذا وبطبيعة الأمر, فالجميع يتحدث الانجليزية. فلنعد معا الي الوراء مائتين وخمسين عاما الي حقبة ال0471 وفجأة تهب أمامنا صورة مغايرة ذلك أن معظم البلدان الأوروبية كانت تحكمها الملوك وكان من الصعب أن يطلق عليها دول قومية اللهم بشكل عرضي أو بالمصادفة كانت ألمانيا مجزأة الي الفي مقاطعة ولم توجد آنذاك الولاياتالمتحدة وقد انشئت هاليفاكس المدينة الأولي في كندا عام9471, لم يكن العالم يعرف الا القليل عن استراليا ومنطقة المحيط الهادي, أما في جنوب إفريقيا, فلم يحدث أول صدام بين جماعة من الفلاحين الهولنديين المستوطنين وأهل البلد شوسا إلا بعد ثلاثين عاما( أي عام0771) لم يكن لبريطانيا الا بعض الساحات التجارية في الهند أما الصين, فكانت تعتبر أن كل ما عداها من البرابرة. كان الشعب البريطاني في حقبة ال0471 فاجرا أكثر منه آمنا: وكما جاء في النشيد الوطني فلتحكم بريطانيا عام4471 كان هدفه الرئيسي ألا يصبح شعبا من العبيد وكذا نري بعد ثلاثين عاما موسوعة كبري تعترف أن اللغة الانجليزية كانت آنذاك أقل انتشارا في جميع البلاد عن أي لغة أخري في أوروبا. وفوق هذا وذاك كان العالم عالما ريفيا, وكانت المدن صغيرة اللهم الا مدينة لندن, ولم يسكن المعمورة الا نحو عشر سكانها الآن ورغم هذا, لم تكن بريطانيا آمنة أو مصحة. والحق أن معظم ما نطلق عليه أنه طبيعي يعود الي زمن أقرب إلينا بكثير فمثلا متي أصبحت بريطانيا ديمقراطية؟ المؤرخون يتصارعون حول ثلاث علامات تاريخية 5881, أو1191, أو8291 ولكن هل تري يمثل أي من هذه الحدود ما يمكن أن نسميه ب الزمن الطويل؟. لعل هذا المدخل غير معتاد في مجال الكتابات عن السياسة الدولية, وقد جرت العادة أن نتعامل مع ما يسمي الموقف الدولي وكأنه ظاهرة ليس لها جذور ولا أصول ولا صياغة تاريخية. وإذ نتناول ساحة تغيير العالم وصياغة العالم الجديد فإننا نتناول ساحة التغيير أي الحراك التاريخي, وليس مجرد الوصف, ومعني هذا: أن العالم كما هو قائم اليوم لم يكن العالم الذي كان عبر مختلف مراحل تطوره التاريخي أي أن أصحاب القوة وكذا الهيمنة في العالم اليوم لم يحتلوا هذه المكانة في الماضي الماضي البعيد بطبيعة الأمر, بدلا الماضي القريب منذ نهاية القرن السادس عشر وهي المرحلة التي شهدت انزواء إمبراطورية المينج في الصين وصعود حملات الإكتشافات البحرية وتراكم الثروات في مواني الغرب أنها علي وجه التحديد تمثل المرحلة الفاصلة بين تقدم الشرق الحضاري وبداية انزوائه ثم انحساره, بينما تقدم غرب البورجواري في دول أوروبا الرأسمالية الجديدة. إن العالم كما هو قائم اليوم لن يستمر علي النمط الذي نشهده اليوم في المستقبل بل وإن تغير العالم الذي بدأ في المرحلة التي حددناها بأنها من9491 الي3791 من تحرير الصين, خمس المعمورة, الي تحرير فيتنام وحرب أكتوبر( فتح ساحات صياغة عدد جديد علي امتداد أسيا وأمريكا اللاتينية أي القطاع الأوسع من ساحة الجنوب, بينما تشهد ساحة الشمال عودة دول كبري في روسياوألمانيا والتأزم المطرد لقوة أمريكا الأقتصادية من جراء حروبها العدوانية في العراق وأفغانستان وذلك رغم احتفاظها بتفوق قواتها المسلحة. أين تكمن تري أهمية هذا المنهج الذي كان دوما منهجنا في هذه الساحة, وذلك في الظروف التي تجتازها مصر دولة وشعبا منذ وثبة يناير؟ المشهد الذي يندرج أمامنا لايكاد يعني بما يدور في العالم حولنا من تقلبات وفتوحات وموجات تغير وكأن العالم انحصر في ساحة من الدول العربية المجاورة لمصرنا التي نريد لها التقدم والتجديد. قال صاحبي الساعة كام يا محمدين؟ سؤال يتبادر الي أذهان المصريين وهم يدركون, فجأة, أن ساعة إعادة بناء المجتمع تنادينا, بعد أن أعلن الشعب إرادته في التعبير وبناء مصر الجديدة أليس كذلك؟ المزيد من مقالات د.أنور عبد الملك