يتوافر الأمن الغذائي إذا ما توافرت أربعة متطلبات أساسية وهي الإتاحة للغذاء سواء من الإنتاج المحلي أو الاستيراد, وإمكانية الوصول إليه في جميع الأوقات ولجميع الأفراد. ثم الاستفادة بكون الغذاء آمنا وصحيا, وأخيرا الاستقرار وعدم وجود مخاطر للوصول إلي الغذاء. ويتوقع تقرير مستقبل الأمن الغذائي العربي الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة هذا الشهر وتقرير المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء بأن تزيد واردات مصر من الحبوب خلال العشرين عاما المقبلة حتي عام2030 بنسبة138%, وهو أعلي معدل زيادة بين الدول العربية كما ستزيد نسب استهلاك واستيراد الألبان واللحوم بنسب تتراوح بين84% و104% في جميع الدول العربية وأن واردات الدول العربية من الحبوب سترتفع إلي73 مليون طن بدلا من47 مليون طن حاليا. لهذا كان هناك تسارع من جميع الدول العربية وصل إلي حد الهرولة للاستثمار الزراعي في السودان ودول حوض النيل أملا في تأمين مستقبل الغذاء, وتقلص الفجوة الغذائية العربية العميقة متخذا اشكالا مختلفة مثل الاستثمار الحكومي المباشر دولة الإمارات أو استثمار المؤسسات المالية متعددة الجنسية الهيئة العربية للاستثمار والتنمية الزراعية أو عن طريق شركات القطاع الخاص( السعودية والكويت وقطرومصر). وتري المنظمات الاقتصادية أنه من الأفضل لبعض الدول العربية, خاصة مصر ان تكون هناك شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص, حيث يقوم القطاع الحكومي بتحمل وتأمين المخاطر, ويقوم القطاع الخاص بتعظيم المكاسب لكن من أهم عيوب هذه الشراكة أنه يمكن أن يشجع الاستثمار المتهور وعدم حساب المخاطر طالما أن الحكومة ضامنة لرؤوس الأموال. وأبدت المنظمات الدولية قلقها من تنامي شراء العديد من الدول الغنية والعربية لمساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في الدول الإفريقية الفقيرة ذات الوفرة الزراعية بهدف الاستثمار الزراعي لمصلحة تأمين غذاء الدول الغنية وليس لشعوب الدول الإفريقية الفقيرة, مؤكدة ضرورة أن يأخذ هذا الاستثمار شكل شراكة زراعية واقتصادية وليس استغلال أو استنزاف زراعي ومراعاة إمداد الدول المضيفة لحصص من إنتاجية أراضيها من الغذاء, وحذرت من كون الاستثمار في دول يجوع فيها الناس يمكن أن يواجه مشكلات سحب المحصول من المزارعين وتسليمه إلي الدول الغنية, وما يسببه من غضب شعبي وصدي سياسي بما أدي مثلا إلي تراجع مدغشقر عن استثمار كوري لمساحة1.3 مليون هكتار بسبب سخط الشعب ضد ما سموه بالاستعمار الجديد. يضاف إلي ذلك ما أورده تقرير كلية دبي للإدارة الحكومية عام2008 بشأن البطء البيروقراطي الكبير في الدول الفقيرة المتلقية للاستثمار الزراعي بما يمثل عائقا كبيرا أمام تصدير الإنتاج الغذائي منها فتصدير حاوية سلع غذائية من باكستان يتطلب إجراءات وموافقات تستغرق24 يوما, وفي السودان35 يوما, و89 يوما في كازاخستان, وبشأن أن السوادن وحدها يمكن أن تكون سلة لغذاء العرب نود أن نشير إلي أن السودان تستورد30% من احتياجاتها من الحبوب, وأن88% من الزراعة فيها مطرية متدنية الإنتاجية مقارنة بالإنتاجية العالية في الزراعات المروية العربية أو العالمية, والأمر يتطلب انفاق استثمارات هائلة في البنية الأساسية في الطرق والنقل والتسويق والترع والمصارف حتي يتم النهوض بالقطاع الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي أولا من الحبوب, ويمكن أن تتحول السودان بعد ذلك إلي دولة مصدرة للحبوب لكن ليس إلي الحد الذي يؤدي إلي الاكتفاء الذاتي الكامل للدول العربية من الغذاء. ويشكك تقرير مستقبل الأمن الغذائي العربي الصادر من الأممالمتحدة في أن الزراعة في أراضي الغير قد يوفر حماية من تقلبات ومخاطر السوق, لكن بتكلفة كبيرة. فالاعتماد علي الأسواق العالمية للحصول علي كميات كبيرة من الغذاء أمر يكتنفه الشك وعدم التيقن, والاستثمار في أراضي الغير يتطلب تحمل مخاطر تقلبات الطقس, والمخاطر السياسية والأمنية. كما ان الأموال المحبوسة في شراء الأراضي الزراعية أو ايجارها لا يمكن الإفراج عنها بسهولة لشراء الغذاء إذا ما ساء الطقس أو زادت التقلبات الأمنية والسياسية, وعلي ذلك فهناك من يري أن الشراء من الأسواق العالمية يتضمن مرونة أكبر مما هو متوافر في الاستثمار لدي الغير. وتتضمن الفرض البديلة توازن وتوزيع الاستثمار الزراعي في الدول الأجنبية والعربية والإفريقية خاصة في الدول التي تمتلك قوانين لحماية الملكية أو التي تمتلك بنية أساسية قوية في الزراعة والمواني والطرق والنقل والاتصالات وسرعة التصدير, وأن يتم زيادة الاستثمار في البحوث الزراعية المحلية والاقليمية لزيادة الإنتاجية من وحدة المساحة ووحده المياه تحت ظروف تغيرات المناخ المحلية والإقليمية, وكذلك الاستثمار في البنية الاساسية المستخدمة في إنتاج وتخزين ونقل المواد الغذائية من الخارج( صوامع مواني تصنيع وتجميد تطوير وسائل النقل والطرق) ودراسة سبل ووسائل التخفيف من مخاطر الأسعار المرتفعة لأسواق وبورصات الحبوب, وإعداد محفظة متنوعة لإدارة المخاطر بشلك أفضل مع الاعتماد علي التعاقدات المستقبلية في وقت انخفاض الأسعار لضمان الإمداد المستقبلي بالغذاء. للاسباب السابقة كانت استثمارات الصين وكوريا والهند والبرازيل في السودان, ودول حوض النيل في زراعة حاصلات الوقود الحيوي غير الغذائية, كما كانت استثمارات إسرائيل في زراعة الزهور وتصديرها لأنهم جميعا كانوا من الذكاء والفطنة التي لم نفهمها في حينها, وهي أن زراعة حاصلات الغذاء في بلاد الفجوات الغذائية العميقة ليس من الحكمة لأن الأمر يتطلب إمداد هذه الشعوب بالغذاء أولا, وتحقيق الاكتفاء الذاتي لهم ثم سحب الغذاء بعد ذلك من الأيدي غير الجوعانة لتصديره إلي البلاد الغنية بدلا من المغامرة بقيام الثورات الشعبية ضد استنزاف الفقراء وأخذ ما ينتجونه من الغذاء في أراضيهم وبمياههم دونا عن ارادتهم, كما حدث في زيمبابوي. فإذا كان الأمر يتطلب الاستثمار في الزراعة فيجب أن يأخذ شكل شراكة مع هذه الدول لاقتسام الناتج الزراعي وفق تعاقدات ثابتة, لكن الاجدي أن يتم الاستثمار في قطاعات تربية الماشية( السودان وإثيوبيا وتنزانيا) وتصنيع الأخشاب من الغابات( الكونغو), وصناعة السكر من القصب ثم قطاع الكهرباء والطاقة التي تعاني هذه البلدان من نقص خطير فيها ثم الصناعة بكل أنواعها وأخيرا الاستثمار التجاري والعقاري للنهوض باقتصاديات هذه الدول, وربطها باقتصاداتنا, وكذلك توفير العائد النقدي من هذه الاستثمارات الذي يوفر لهم السيولة اللازمة لاستيراد الغذاء, والشراكة الزراعية المستقبلية, وبما يعطي ضمانا للشراكة الزراعية بيننا وبينهم وليس للاستثمار الزراعي في وسط الظروف الحالية.