بتلك الجملة انتهي مسلسل الجماعة الذي كتبه البارع وحيد حامد, وكان الناطق بها هو المرشد الأول للإخوان المسلمين حسن البنا حين قالها كنقد ذاتي ضاع اوانه. لم يفت وحيد حامد ان يقدم من خلال المسلسل سوء إدارة الحزب الوطني ورجالاته لمصر, سواء كسمسرة الاراضي, أو تجارة المناصب أو سرقة احلام الشباب. وظلت عبارة لذلك خلق الله الندم تظهر في افكاري كتساؤل عن الميعاد الذي يجب ان يتوقف فيه الانسان عن التوغل في ارض الخطأ والخطايا, ليقوم بتقويم نفسه بالنقد الذاتي فتتطور حياته مستفيدا من اخطائه. وتساءلت متي ينطق الرئيس السابق او حبيب العادلي بكلمات الندم, وقفز تساؤلي هذا حين رأيت علي شاشة التليفزيون فيلما تم تصويره لام تصرخ بعد ان سقط وحيدها برصاصة قناص في الاسكندرية ايام الثورة التي حفر نهرها دماء ابرياء لم ينالوا من الحياة اية فرصة لائقة, ولكنهم دفعوا الدم مقابل ان يبدأ غيرهم ممن في نفس عمرهم حق تنفيذ حلم الحياة اللائقة للأجيال الشابة, لكن احدا لم ينطق بالندم علي مقتل هذا الشباب الصغير وعشرات المئات من امثاله إلي ان نطق الرئيس السابق للمحقق بجملة ربنا كبير.. افعلوا بي ما شئتم إلا اولادي وكان في ندائه للسماء نبرة ندم هائلة خوفا علي ابنيه الموجودين بالحبس علي ذمة القضايا المتعددة. ودارت في الذاكرة لحظات ندم نطق بها القادة الكبار في التاريخ المصري, فقد قرأت في مقتبل سنوات العمر كيف كان ارتعشت يد الملك فاروق اثناء التوقيع علي وثيقة التنازل عن العرش وهو غارق في الندم علي ما فعله بالمصريين, بمناخ من الرشوة والفساد والمحسوبية وتعذيب الابرياء. وتمر السنوات لاشهد رحلات ثورة يوليو لبناء مجتمع مختلف عن ما قبل ثورة يوليو, ولكن ما ان اطل يناير من عام1959 حتي رأيت العديد من كبار كتاب وصحفيي مؤسسة روز اليوسف حيث كنت اتدرب وهم يساقون إلي المعتقل لتعيش عائلاتهم في كروب هائلة, وحين خرجوا والتقيت بواحد ممن كانوا يقتربون من عمري هو الروائي رءوف مسعد, فسألته ضاحكا, ما الذي جعلك تتحمل التعذيب دون ان تنطق بكل ما تعرف؟ اجابني مبتسما الخجل من ان تدل الشرطة علي صديق لك, وصادف يوم تساؤلي هذا نبأ اعتقال صديق مفكر مصري نادر هو وسيم خالد الذي تنبأ بسقوط المعسكر الاشتراكي بكل عنفوانه لان الدول التي ادعت الاشتراكية غرقت في الاسلوب البوليسي, مع تعذيب صاحب اي رأي مخالف, واثبت وسيم خالد حقائق رؤيته تلك في كتاب عميق الرؤية بعنوان الاشتراكية الشيوعية الأوروبية, وشاء بكتابه هذا ان يعتذر عن منهجه السابق القائم علي العنف والاغتيال. وجاءت لنا الايام من بعد ذلك بلحظات ندم صارخ ظهر فيها جمال عبدالناصر بكل ما كان يمثله من احلام وقدرات, ليعترف انه يتحمل وحده نتيجة الهزيمة العسكرية في يونيو1967 ولعل ايام السادات لم تشهد سوي ندم اساسي وجوهري هو عدم نجاح الانفتاح بطريقة السداح مداح كاسلوب للتنمية الجادة, وجاء ذلك مصاحبا لهرج سياسي باسم تكوين منابر ثم احزاب لم تسمح لها اجهزة الأمن بالتواصل مع الشارع فتقزمت في شكل صحف معارضة, وهي تحاول الآن الخروج من قوقعة التقزم. ثم جاء اغتيال السادات من الجماعات الإسلامية التي اذن لها بالوجود وامدها بقوة اعوانه, علي الرغم مما انجزه من مواصلة اعداد القوات المسلحة لتحقيق نصر اكتوبر وليفتح هو ابواب سلام الشرق الأوسط. اما ندم ايام مبارك فلم تظهر له ادني بادرة من هؤلاء الذين كانوا يتصرفون في الوطن بمنطق انهم السادة وبقية الشعب من العبيد, وبدأت تلك القلة في امتصاص لقدرات مجتمع تم اهداره تحت اقدامهم كمستغلين جدد, إلي ان طفح كيل الاجيال الشابة خوفا من سرقة احلامها, فجاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي لولا ايمان القوات المسلحة بانها تدافع عن وطن لاعن شخص لسال الدم في الشوارع انهارا. وجاء ندم الرئيس لسابق وهو ينطق امام المحقق ربنا كبير افعلوا بي ما شئتم إلا اولادي. ولذلك فعلينا ان نقبل القضاء الطبيعي لكل من اتهم بالاجرام في حق المصريين, وعلينا ايضا ان نؤسس واقعا نمارس فيه النقد الذاتي لتقييم كل ما نفعل, حتي لا تستبد بنا الاخطاء والخطايا فنصل إلي دموع الندم. المزيد من مقالات منير عامر