الخيارات الإثيوبية مع كل الاحترام والتقدير للحوار المجتمعي الذي تشهده البلاد حاليا حول قضية مياه النيل وما صاحبه من فكرة الوفود الدبلوماسية, إلا أنه يجب الانباه إلي أن المشكلة ليست في الداخل المصري وأنه لا يوجد مواطن واحد لا يدرك أهمية مياه النيل وأنها بالفعل قضية حياة أو موت, وبالتالي لن تكون هناك آراء متنافرة أو رافضة لحتمية الدفاع عن المصالح المصرية في هذه القضية الحيوية علي وجه الخصوص, وتبقي الخطوات الأهم من جانب الدولة المصرية التي ينبغي أن توظف كل إمكاناها وطاقاتها لمعالجة هذه المشكلة عبر العواصم الإفريقية المعنية وأيضا عواصم القارة الكبري والمؤثرة فضلا عن الأشقاء العرب سواء بعمل جماعي عن طريق جامعة الدول العربية أو بشكل منفرد عبر القوي العربية المؤثرة, ولمزيد من الإيضاح فإن ما تحتاجه إثيوبيا ودول حوض النيل الإفريقية ليست دبلوماسية معسولة ولا كلاما عاطفيا, هي تسعي بالفعل لتنمية اقتصادية حقيقية, ونهر النيل من أهم الموارد التي يمكن الاعتماد عليها في تحقيق ذلك, وبدون أدني شك هناك حقائق جغرافية وتاريخية لا يجوز تغييرها بين يوم وليلة ولا يصح الأقدام علي مشروعات أو ممارسات تلحق الكثير من الضرر بشعوب أو دول أخري ولكن ليس من المنطقي الاعتماد طول الوقت علي مثل تلك الحقائق واعتبارها ثوابت مقدسة, وليس من المنطق أيضا حرمان دول أخري من حقها في تنمية شعوبها وتحقيق مستوي أفضل من المعيشة, ومن هذا المنطلق يبقي التعاون المشترك والجاد والتفاوض المستمر لتعظيم استفادة كل الأطراف بالموارد المتاحة هي الأهم, وأغلب الظن أن إثيوبيا ودول حوض النيل علي أتم استعداد لتحقيق المطالب المصرية لو أنها وجدت أمامها الخيارات التي تحقق لها طموحاتها. ولا يصح الحديث هنا عن استثمارات مصرية بقيمة500 مليون دولار, بينما الاستثمارات المنهمرة علي إثيوبيا تقدر بعشرات وربما مئات المليارات من الدولارات وهو ما تعجز مصر منفردة عن تحقيقه بالقطع, ويبقي بذلك ما يسمي بالعمل العربي المشترك, فبدلا من تحولها جثة هامدة يجب أن تتحرك الجامعة العربية ببلورة موقف في هذا الشأن, وبديلا من تحركها المتأخر لتقديم مليارات الدولارات لأنقاذ نظم عربية متهاوية فإن في مقدور دول عربية إنقاذ الموقف وتحقيق المصالح المشتركة, ومجرد نموذج علي سبيل المثال, إذا كانت إثيوبيا تسعي لإنتاج خمسة آلاف ميجاوات من الكهرباء من سد الألفية العظيم, فلماذا لا تقدم الدول العربية علي مشروع ضخم لاقامة محطات حرارية توفر لإثيوبيا هذا الإنتاج من الكهرباء؟ وربما لو وجدت إثيوبيا أمامها مقترحات وبدائل عملية للتنمية, لكان ذلك أفضل من الحوار المجتمعي الداخلي الذي هو بالفعل مجرد تحصيل حاصل. المزيد من أعمدة عماد عريان