ينتاب كثير من الناس في الوقت الحالي حالة نفسية مضطربة, فبعد المشاعر الفياضةالمليئة بالفرحة والنصر والأحاسيس الغامرة بالأمل التي غمرت النفوس مع نجاح ثورة25 يناير, بدأت بعض المشاعر السلبية تتسلل إلي النفوس وتتباين بالشعور بالقلق والضيق النفسي يصل إلي إحساس بالإحباط واليأس مصحوب بمشاعر من الترقب وخوف شديد من المستقبل. وفي رصد وتحليل نفسي لهذه الحالة النفسية المضطربة, يؤكد الدكتور أحمد عمارة استشاري الطب النفسي أن هذه المشاعر رغم كونها سلبية, إلا أنها طبيعية في هذا الوقت لأسباب متعددة, من أهمها أن معظم الناس كانت في الماضي تقاد, فتعودت أن هناك من يحدد لها مصيرها وهناك من يملي عليها ماذا تفعل, وفجأة فوجئت بأن مصيرها أصبح بيدها, لذا فمن الطبيعي أن يشعروا بخوف من المستقبل المجهول, ولكن هذا الخوف صحي لأنهم الآن في تجربة, ومن الطبيعي أن يحدث فيها بعض الفشل لأنها أول مرة, وهذا الفشل هو الذي سيقود إلي زيادة الوعي وتنامي الخبرات التي تقود إلي مستقبل أكثر إشراقا. أما مشاعر الإحباط واليأس, فترجع برأيه إلي عدم فهم طبيعة الثورات وكيف أنها تأخذ وقتا حتي تؤتي ثمارها, وبالتالي أصبح لدي غالبية الناس اعتقاد وتوقع إيجابي عال جدا وهو أنه بمجرد إسقاط النظام سوف تكون مصر من أفضل البلدان في العالم, ونسوا أن هدم النظام كان سهلا, لكن بناء بلد ديمقراطي حر يحتاج إلي وقت وجهد كل فرد, وعندما فوجئ المواطنون بأن التغييرات تسير ببطء أصابهم بعض الإحباط واليأس والخوف مما قد يحدث في المستقبل, لأن التوقع الإيجابي يؤدي أحيانا إلي إحباط لو حدثت نتيجة أقل من التوقع بقليل. ويضيف الدكتور عمارة أن الإحساس بالقلق في الوقت الحالي مؤقت بسبب التركيز علي غياب بعض مظاهر الأمن, وهذه الحالة طبيعية في كل الثورات وسرعان ما تنتهي بتكاتف أبناء الشعب, وهناك قاعدة نفسية تقول إن التركيز علي المشكلة يفاقم المشكلة, لكن التركيز علي الهدف وتجاهل المشاكل يسرع خطوات الإنسان للوصول إلي هذا الهدف, وحتي نتخلص من مشاعرنا السلبية يؤكد أنه لابد وأن يبدأ كل شخص بالتغيير الداخلي لنفسه علي كل المستويات سواء الروحاني, المهني, الاجتماعي, المادي و الأخلاقي, وذلك بأن يضع لنفسه نموذجا إيجابيا في كل جانب ويبدأ فورا بالسعي للوصول إليه, وكما التفت الشعب بطاقة إيجابية لإسقاط النظام الفاسد, فلابد أن يلتفتوا للإصلاح من أنفسهم لزيادة نسبة الأشخاص الصالحين في المجتمع والذين سيؤثرون بقوة في أن يكون الرئيس القادم صالحا, وليعلموا أن قانون الطاقة الفيزيائي لابد وأنه سيحدث, فمحصلة طاقاتهم ستنعكس علي سمات شخصية وطاقة الرئيس القادم لمصر, وهذا أشار إليه نبينا الكريم بقوله مثلما تكونوا يولي عليكم. ويضيف أن الطاقة النفسية للإنسان تتحدد سواء إيجابية أو سلبية علي حسب نوعية التفكير, فلو نظر الشخص إلي العيوب والسلبيات سيصاب بالحزن والاكتئاب وغيرها من المشاعر السلبية وبالتالي ستكون طاقته سلبية وستتحول الظروف من حوله تدريجيا إلي ظروف غاية في السوء, أما إذا نظر الشخص إلي الظروف من حوله بمنظور إيجابي وتفنن كيف يستفيد منها لجعل مستقبله أفضل وستكون مشاعره حماسية يملؤها الإصرار والتحدي والقوة وهذه كلها مشاعر ذات طاقة إيجابية تجعل حياته مشرقة. من جانبه, يري الدكتور يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة أن مشاعر الإحباط واليأس ترجع إلي اختفاء الشباب صناع الثورة من علي الساحة والتي كانت تبث في نفوسنا الأمل والشجاعة, مع ظهور نفس الأشخاص القدامي ونفس الإيديولوجيات مما يشعر الناس بعدم قدوم عهد جديد, هذا بالإضافة إلي أن التباطؤ في التغييرات وعدم استبعاد العناصر الفاسدة والتأخير في تنفيذ الأحكام علي الفاسدين يعطي شعورا بحزن دفين نتيجة خوف من ضياع الثورة وكأننا سنفقد شيئا عزيزا وغاليا جدا لدينا. ويؤكد الدكتور يسري أهمية السرعة في التغيير والإصلاح, لأنه كلما ارتفع منحني التغيير ارتفعت الحالة المعنوية للناس وزاد الحماس للعمل والإنتاج, مقترحا تكوين جهاز إعلامي من شباب الثورة يتولي متابعة ورصد ما حققته الثورة من إنجازات وعرضها بشكل متتال بالتعاون مع جهات الإعلام, حتي يشعر الناس بتغيير وأمل في المستقبل.