تصاعدت حدة التوتر في الآونة الأخيرة بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي علي خلفية الموقف المتشدد الذي اتخذته إيران تجاه الأحداث التي تشهدها البحرين, فضلا عن إعلان السلطات الكويتية الكشف عن شبكة تجسس تعمل لصالح إيران. وفي الواقع, فإن هذا التوتر لم يكن مفاجئا لأن تطورات الواقع الإقليمي التي سبقته مهدت الأرضية المناسبة له. فقد دخلت إيران في صراع سياسي محموم مع السعودية حول عدد من الملفات الإقليمية وعلي رأسها الملف العراقي واللبناني والفلسطيني, ووجهت إيران اتهامات للسعودية بتعضيد الجهود الدولية الرامية إلي فرض عقوبات وعزلة عليها بسبب أزمة ملفها النووي. كما ارتفعت وتيرة الاحتقان في العلاقات مع الإمارات سواء بسبب أزمة الجزر الإماراتية الثلاث, أو بسبب الاستياء الإيراني من التزام الإمارات بتطبيق العقوبات الدولية المفروضة عليها لاسيما في مجال التعاملات المالية. فيما تعرضت العلاقات مع الكويت لحالات من الصعود والهبوط بسبب المخاوف التي تنتاب الأخيرة نتيجة التداعيات المحتملة للبرنامج النووي الإيراني خصوصا في حالة حدوث تسرب إشعاعي أو تدهور الوضع لدرجة نشوب مواجهة عسكرية جديدة سوف تكون دول المجلس أول المتأثرين بها. أما في البحرين فثمة حساسية خاصة تكتسي العلاقات بين الدولتين, بسبب المزاعم التاريخية التي ما زالت تنشط بين الحين والآخر لاسيما في حالة حدوث خلافات في وجهات النظر تجاه بعض القضايا الإقليمية. المهم في ذلك كله هو أنه رغم وجود هذا الإرث الثقيل من الخلافات, إلا أن الملاحظ أن الطرفين كانا حريصين في الماضي علي تحييده في التفاعلات القائمة بينهما بأكبر قدر ممكن. إذ أن دول مجلس التعاون لم تكن في وارد الدخول في مناوشات أو مواجهات مكشوفة مع إيران لأن ذلك كان من شأنه تصعيد التوتر في المنطقة وربما إيصاله إلي مرحلة خطرة, خصوصا أن الظروف المناسبة لذلك كانت متوافرة. وبعبارة أخري, فإن دول مجلس التعاون الخليجي رأت أن الوسيلة المثلي للتفاعل مع إيران هي احتواءها بأكبر قدر ممكن من خلال تطوير العلاقات والدخول معها في شراكات علي المستويين الاقتصادي والأمني, حيث وقعت عدد من هذه الدول اتفاقات اقتصادية وأمنية ثنائية مع إيران. كذلك فإن إيران لم تكن راغبة في التصعيد مع دول المجلس, لأن ذلك كان من شأنه تدعيم الجهود الأمريكية لفرض عزلة إقليمية عليها تتلاقح مع العقوبات الدولية التي تتعرض لها لكبح طموحاتها الإقليمية والنووية. لكن الأحداث الداخلية التي شهدتها البحرين, وما زالت, كانت أشبه بإلقاء حجر في مياه آسنة, فقد حركت التوتر من جديد بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي, ودفعت الأخيرة أولا إلي إرسال قوات من درع الجزيرة إلي البحرين بهدف حماية المنشآت الحيوية, وثانيا إلي توجيه اتهامات لإيران بتهديد الأمن الوطني الخليجي, وذلك خلال الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول المجلس الذي عقد بالرياض في3 أبريل الحالي. هذا الاتهام الخليجي لإيران كان مبعثه الموقف المتشدد الذي اتخذته الأخيرة تجاه التطورات الداخلية في البحرين. فقد أسقطت من البداية بعدا طائفيا عليها من خلال تصويرها علي أنها مواجهة بين أغلبية شيعية تطالب بحقوق سياسية واقتصادية وأقلية سنية تسيطر علي مقاليد السلطة, ووجهت تحذيرات علي لسان وزير خارجيتها علي أكبر صالحي بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما يحدث في البحرين, وطالبت بانسحاب قوات درع الجزيرة من البحرين. وهنا يجب الأخذ في الاعتبار حقيقتين: الأولي, أنه رغم الإجراءات التي اتخذتها دول المجلس في مواجهة إيران, إلا أن ذلك لا يؤشر إلي وجود استراتيجية خليجية موحدة للتعاطي مع التهديدات الخارجية سواء جاءت من إيران أو غيرها, نتيجة اختلاف ما يسمي ب مدركات التهديد بين هذه الدول. والثانية, أن هذا الموقف الذي اتخذته إيران تجاه التطورات في البحرين لا يضفي وجاهة خاصة علي سياسة إيران الخارجية أو علي رؤيتها تجاه مطالب الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي التي تشهدها العديد من الدول العربية. إذ أن ثمة إشكاليتين تواجهان إيران في هذا السياق: أولاهما, أن إيران نفسها تعاني في الداخل من مشكلة شرعية أنتجتها الأزمة السياسية التي خلفتها نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام2009, وأسفرت عن احتفاظ الرئيس محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية. فرغم نجاح النظام الإيراني إلي حد ما في احتواء هذه الأزمة, من خلال فرض قيود شديدة علي قادة وأنصار حركة الاعتراض علي نتائج الانتخابات, إلا أن ذلك لا ينفي أن الأزمة ما زالت موجودة وأنها نجحت في إحداث شرخ داخل النظام ما زال عاجزا عن مداواته, بدليل إصرار المعارضة علي استثمار أية فرصة لتأكيد حضورها, مثلما حدث عندما أشاد قادة النظام بالثورات التي حدثت في مصر وتونس, حيث حاولت المعارضة إحراج النظام من خلال توجيه طلب للسلطات لتنظيم مظاهرات. ورغم أن هذا التوجه كان عنوانه الرئيسي هو تأييد الثورات العربية علي غرار ما فعل النظام الإيراني, إلا أن هدفه الأساسي كان توجيه رسالة إلي النظام بأن الحركة ما زالت موجودة رغم كل الإجراءات التي اتخذها ضدها, بما يعني أن أجندتها كانت داخلية صرفة وأن مطالبها وطنية بامتياز بدليل أن شعار لا غزة ولا لبنان.. روحي فداء إيران كان أحد الشعارات التي ميزت تظاهراتها ضد النظام بعد إجراء الانتخابات الرئاسية عام.2009 وثانيتهما, أن ثمة تناقضا واضحا في تعاطي إيران مع هذه الثورات والانتفاضات. ففي الوقت الذي دعمت فيه مطالب المحتجين في مصر وتونس والبحرين, صمتت تجاه الأحداث التي شهدتها سوريا, كما رفضت تنظيم المظاهرات في العراق, حيث أصدر وكيل المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية علي خامنئي في العراق محمد مهدي الأصفي فتوي بتحريم التظاهر. هذا التناقض يطرح دلالة مهمة مفادها أن إيران تستند إلي مبدأي المصلحة والأيدولوجيا في تفاعلها مع تطورات الخارج, لكن عندما تواجه خيارات صعبة وتضطر إلي اتخاذ قرارات حاسمة فإنها تغلب المصلحة في النهاية, بما يعني أنها تنظر إلي هذه التطورات المحيطة بها برؤية الدولة التي تعي مصالحها وليس الثورة التي تلتزم بسقف أيديولوجي. ومن هنا يمكن تفسير أسباب تغاضيها عن الأحداث التي وقعت في سوريا, لأن الأخيرة هي حليفها الأساسي في المنطقة, ورفضها تنظيم مظاهرات في العراق, لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلي إرباك أوراقها وحساباتها المعقدة التي تنتظر استحقاقات مهمة في الفترة المقبلة وعلي رأسها الانسحاب الأمريكي من العراق نهاية العام الحالي حسب ما تقضي الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الطرفين. Wوفي كل الأحوال, فإن ما يحدث الآن يبدو علامة فارقة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط سوف تكون إيران, علي الأرجح, أحد أهم الأطراف المتأثرة بتداعياته لاسيما لجهة تحديد أنماط تفاعلها مع محيطها الإقليمي وعلي الأخص دول مجلس التعاون الخليجي.