مثل باقي الأحزاب الياسية, عاني الحزب الناصري من نفس الدائرة المظلمة التي عاشتها البلاد لفترة طويلة, سواء في التوجهات السياسية أو الهياكل القيادية, كما أن حالة التجريف السياسي التي تعرضت لها مصر دمرت فكرة التعددية الحزبية. وفي هذا الحوار يؤكد السيد سامح عاشور القائم بأعمال رئيس الحزب الناصري, أن الحزب ولد كبيرا, لكن لوائحه في ذلك الوقت لم تستوعب كل طاقات الكوادر الناصرية, وأضاف أن حالة اليأس السياسي التي سيطرت علي المناخ العام في مصر من امكانية تداول السلطة أحبطت الجميع, وأشار إلي أنه في اللحظة الحالية لايوجد انشقاقات في الحزب وأن أفضل نظام للانتخابات البرلمانية بالقائمة النسبية, وأكد أن مرشحهم للرئاسة سيكون بعيدا عن أي مسئولية حزبية, لافتا إلي أن الطريقة التي تدار بها مصر الآن, طريقة خاطئة سواء بفعل المجلس العسكري, أو بفعل الحكومة. حول أوضاع الحزب الناصري ومشاكله الأخيرة وقضايا أخري تعيشها البلاد التقي شباب التحرير السيد سامح عاشور وكان هذا الحوار: عاني الحزب الناصري مثل غيره من الأحزاب ظروفا سياسية سيئة لفترة طويلة سواء في التوجهات السياسية أو الهياكل القيادية أو في عزوف الجماهير عن الانضمام له, ماهي أهم أسباب هذه المعاناة من وجهة نظرك؟ أولا: حالة العزوف لم تكن قاصرة علي الحزب الناصري, ولكن كانت ضد أحزاب المعارضة بشكل عام, وحالة الضرب كانت تشمل كل الأحزاب المعارضة, وفي جميع الأحوال مصر تعرضت لمرحلة تجريف سياسي وحولت فكرة التعددية الحزبية إلي سياسة الحزب الواحد, ويعرف من عاصر تجربة الحياة الحزبية في مصر بين عامي1975 1976 أن الحزب الوطني الذي كان يعرف باسم منبر الوسط, هو محاولة لاستنساخ الاتحاد الاشتراكي نقلت إليه كل سلطات وصلاحيات التنظيم الواحد باسم التعددية الحزبية, وكان مبررا للدولة في ظل تنظيم الحزب السياسي الواحد الذي يعتمد علي كل التنظيمات السياسية بداخله أن يمتلك كل شئ, فيكون من الأحزاب والاعلام والصحافة وكل السلطات, لأنه لايوجد تنظيم سياسي منافس له, لكن عندما يتحول النظام السياسي من الحزب الواحد إلي التعددية الحزبية لايستأثر أي حزب بميزة دون باقي الأحزاب, غير أن ماحدث أن الحزب الوطني أستولي علي كل ممتلكات الاتحاد الاشتراكي وهيمن علي الصحافة القومية, وأجهزة الدولة, وفوق ذلك رئيس الجمهوية, وأصبح حزب الدولة يمتلك كل شئ دون وجه حق حتي المقرات أستولي عليها وهي ملك الدولة وليست للحزب الوطني, في حين حرمت باقي الأحزاب السياسية من أي مما استأثر به الحزب الوطني, ولأنه كان حزب الرئيس والدولة والحكومة, فقد تم تعقب كل الأحزاب المعارضة واقصائها وتهميشها, وتحجمها ومقاومة أي حالة نمو فيها, ووصلت في بعض الأحيان إلي إثارة الفتن وأصبح المشهد العام أننا أمام نظام من حيث الشكل نظام حزبي تعددي, فيه الحزب الواحد, وهو الحزب الوطني يحكم إلي الأبد, ويوحصل علي أغلبية في المجالس, وأصبحت المعارضة إلي الأبد, ولاوجود لإمكانية تداول السلطة, فأفقد ذلك كل الأحزاب السياسية مصداقيتها لأنها لم تقاوم بشكل كاف مايجهض الانقلاب الدستوري الذي قامت به الحكومة. ماهي الأسباب الحقيقية وراء تزايد الخلافات بين أقطاب الحزب وعزل الكثير منهم, والهزة المالية الأخيرة التي تعرض لها الحزب؟ أولا الحزب الناصري بلا موارد حقيقية لأنه ليس حزب رجال أعمال, وقائم فقط علي المشاركة واشتراكات الأعضاء, والجهود الذاتية, أما مسألة إقصاء قيادات أو غير قيادات فالحزب الناصري ولد كبيرا, لكن لوائحه كانت في ذلك الوقت لاتستطيع استيعاب كل الطاقات والكوادر الناصرية, فخرج من خروج, وأصبح في المشهد السياسي الآن مايقرب من4 إلي5 أحزاب ناصرية, الحزب الناصري, والوفاق, والكرامة, والمؤتمر الناصري, ومصر العربي, وجميعها ذات توجيهات ناصرية نتيجة أن الأدوات لم تعد تستوعب طاقات القيادات الخمسة. بعض أعضاء الحزب يقولون أنه أصبح فقيرا في تواجده, وغير ملهم لأعضاء جد حتي لو كانوا من الناصريين أنفسهم ما أسباب ذلك؟ وماحجم الفجوة بين الجيل المؤسس وجيل الشباب؟ في الفترة السابقة لميلاد الحزب الذي ولد بحكم قضائي عام2991 أي أقل من عشرين سنة, كان هناك جيل كبير من القيادات التاريخية, وجيل من الشباب, ولم يكن بينهم جيل وسط, وحالة اليأس السياسي التي سيطرت علي المناخ العام في مصر من امكانية تداول السلطة, أصابت الجميع بالاحباط والفتور والعزوف عن العمل العام, لذلك تجدر الكثير من القيادات الناصرية تألقت خارج أحزابها في توقيت واحد مثل رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان محمد فايق وكان نقيب الصحفيين جلال عارف وكبار المفكرين والأدباء في الصحافة والاعلام مثل كامل زهيري وضياء رشوان وآخرين, كل هؤلاء لم ي,جدوا حزبا حاضنا لهم, وهذا الخلل مسئول عنه لوائح الحزب من ناحية وادارة الحزب والمناخ السياسي من ناحية أخري. أين تقع القومية العربية من اهتمامات الحزب الآن؟ وهل مازلتم تتمسكون بمبادئها في ضوء المتغيرات الحادثة علي الساحة العربية؟ نحن أحوج مانكون للوحدة العربية الآن, أكثر من أي وقت مضي, ورغم أننا سبقنا أوروبا الحديثة بالوحدة, إلا أن أوروبا تألفت بالاتحاد الأوروبي, واتحاد اليورو, علي الرغم من أن أوروبا ليس لديها مقومات الوحدة, فهم ليسوا أصحاب تاريخ واحد, ولا لغة واحدة, لكن جمعتهم مصالح مشتركة, والحكم السياسي الرشيد. العقبة الوحيدة أمام الوحدة العربية كانت ديكتاتورية الحكام العرب, فكل حاكم عربي يريد حكم بلاده إلي الأبد, وأن يورث حكمه لأبنائه, فكانوا يقاومون أي محاولة توحد الأمة العربية, لأنها ضد استمراره للأبد, وضد فكرة التوريث, فالأنظمة العربية الديكتاتورية هي التي أسقطت الوحدة العربية. لكننا نستطيع تقديم بدائل وحلول مثل الوحدة الاقتصادية والتكامل الاقتصادي, وتوحيد مناهج التعليم, وحماية الثقافة العربية, غير أن العقبة لازالت قائمة والمتمثلة بالديكتاتوريات التي لم تسقط وأعتقد أن عام2011 سيشهد سقوط أنظمة كثيرة حتي يكتمل المشهد الديمقراطي للأمة العربية. يري البعض أن مسلسل نزيف الحزب وتراجعه, بدأ بعد القرار الذي أتخذه الرئيس السابق ضياء الدين داود بتجميد أربعة من قياداته وهم حمدين صباحي, وأمين اسكندر, وصلاح الدسوقي, وعلي عبد الحميد فيما توالي ترك عشرات القيادات للحزب بعد ذلك؟ كيف أثر ذلك علي التواجد السياسي للحزب؟ المشكلة في حقيقتها هي مشكلة لوائح روتينية أدت إلي شعور القيادات الناصرية بتضييق الخناق علي نفسها, وظنت كل قيادة أن وجودها يجب أن يكون علي حساب الآخريون, أما الآن فالحزبمعني بالتطوير والتغيير داخله للأفضل. ماهي الأسباب الحقيقية وراء الصراع العلني بين جبهتين داخل الحزب كنت أحد طرفها, والطرف الثاني أحمد حسن الأمين العام للحزب, فعل كل منكما ضد الآخر في ظروف لاتحتمل ذلك؟ أنا حاولت قدر الامكان أن يكون خلافي مع أي طرف داخل الحزب خلافا في الموضوع, ولايوجد لدي مشاكل شخصية لا مع أحمد حسن ولا غيره, ولا أسعي لافتعال المشاكل, وأعتقد أن هذه المشاكل قد انتهت, أقصد انتهاء مرحلة الصراع, نحن الآن نعد لتعديل لائحة للحزب لاتسمح بتكرار الرئاسة أو أي موقع قيادي في الحزب لأكثر من مرة واحدة, بالإضافة إلي توسيع المواقع القيادية بما يسمح باستيعاب كل الطاقات والقيادات, والحرص علي وجود حد أدني من التمثيل الشبابي لقيادة الحزب في كل المستويات القيادية في الحزب, من المكتب السياسي إلي الأمانة العامة, واللجنة المركزية, هذا بالإضافة لما يجري الآن من تحديث للخطاب الناصري. كان هناك أربعة سيناريوهات في انتظار الحزب الناصري اسوأها التجميد وأولها الانشقاق, ومنها ممارسة الضغوط من أعضاء في الحزب ليسوا طرفا في النزاع لابعاد قيادتي الجبهتين المتصارعتين, أو دخول يوسف بالقبض علي قائده اللواء عبدالرحمن مكي ثم الأميرالاي عبدالرؤوف عابدين( قائده الثاني) وقرر انه مستمر في طريقه الي مبني قيادة الجيش لاحتلاله, ولم يكن أحد يعلم علي وجه اليقين مايتم في رئاسة الجيش( حيث كان خبر الثورة قد تسرب الي الملك الذي ابلغ الأمر للقيادة لإتخاذ إجراء مضاد علي وجه السرعة وكانت قيادة الجيش التابع للملك مجتمعة في ساعته وتاريخه تمهيدا لسحق الثورة أو الانقلاب بقيادة الفريق حسين فريد قائد الجيش قبل الثورة)( وقد حسم يوسف صديق الجدل بينه وبين جمال حينما أصر علي مواصلة طريقه لاحتلال القيادة وأغلب الظن إتفق الرجلين علي ذلك, لأن جمال عبدالناصر الذي استمر يراقب التحركات عن كثب وجه بعد ذلك بقليل بإرسال تعزيزات من أول الأجنحة التابعة للثورة التي تحركت في الموعد الأصلي اللاحق لمساندة يوسف بعد ان قام يوسف صديق مع جنوده باقتحام مبني القيادة العامة للجيش والسيطرة عليه بالفعل). بعد هذا اللقاء وفي الطريق أعد يوسف خطة بسيطة تقضي بمهاجمة مبني قيادة الجيش, ووصل الي المبني وقام هو وجنوده باقتحام مبني القيادة بعد معركة قصيرة مع الحرس سقط خلالها اثنان من جنود الثورة واثنان من قوات الحرس, ثم استسلم بقية الحرس فدخل يوسف مع جنوده مبني القياده وفتشوا الدور الأرضي وكان خاليا, وعندما أراد الصعود الي الطابق الأعلي إعترض طريقهم شاويش حذره يوسف لكنه أصر علي موقفه فأطلق عليه طلقة أصابته في قدمه, وعندما حاول فتح غرفة القادة وجد خلف بابها مقاومة فأطلق جنوده الرصاص علي الباب ثم إقتحموا الغرفة, وهناك كان يقف الفريق حسين فريد قائد الجيش, والأميرالاي حمدي هيبة وضباط آخرون أحدهم برتبة عقيد وآخر غير معروف رافعين منديلا أبيضا, فتم القبض عليهم حيث سلمهم لليوزباشي عبدالمجيد شديد ليذهب بهم الي معسكر الإعتقال المعد حسب الخطة في مبني الكلية الحربية. وذلك يعتبر يوسف صديق هو بطل الثورة الحقيقي الذي أنقذ يوليو من الإنتكاسة في اللحظة الأخيرة وهو الذي نفذ خطة الاستيلاء علي قيادة الجيش ومن ثم السلطة بأسرها في مصر في ذلك التاريخ( الساعة الثانية عشرة مساء22/23 يوليو1952). وفي فجر25 يوليو تحرك عدد من قادة الثورة ومنهم يوسف صديق وحسين الشافعي وعبدالمنعم أمين هليكوبتر مع أنور السادات وجمال سالم ومحمد نجيب وزكريا محي الدين. وفي أغسطس1952 دخل يوسف الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار مع محمد نجيب وزكريا محي الدين. عقب نجاح حركة الضباط الأحرار دعا يوسف صديق الي عودة الحياة النيابية, وخاض مناقشات عنيفة من أجل الديمقراطية داخل مجلس قيادة الثورة. ويقول يوسف عن تلك الخلافات في مذكراته:; كان طبيعيا أن أكون عضوا في مجلس قيادة الثورة, وبقيت كذلك حتي أعلنت الثورة أنها ستجري الانتخابات في فبراير1953, غير أن مجلس الثور بدأ بعد ذلك يتجاهل هذه الأهداف, فحاولت أكثر من مرة أن أترك المجلس وأعود للجيش فلم يسمح لي بذلك, حتي ثار فريق من الضباط الأحرار علي مجلس قيادة الثورة يتزعمه اليوزباشي محسن عبدالخالق وقام المجلس باعتقال هؤلاء الثائرين ومحاكمتهم, فاتصلت بالبكباشي جمال عبد الناصر وأخبرته أنني لايمكن أن أبقي عضوا في مجلس الثورة وطلبت منه أن يعتبرني مستقيلا, فاستدعاني للقاهرة, ونصحني بالسفر للعلاج في سويسرا في مارس.1953 وعندما وقعت أزمة فبراير ومارس عام1954, طالب يوسف صديق في مقالاته ورسائله لمحمد نجيب بضرورة دعوة البرلمان المنحل ليمارس حقوقه الشرعية, وتأليف وزارة ائتلافية من قبل التيارات السياسية المختلفة من الوفد والإخوان المسلمين والاشتراكيين والشيوعيين, وعلي أثر ذلك اعتقل هو وأسرته, وأودع في السجن الحربي في ابريل1954, ثم أفرج عنه في مايو1955 وحددت إقامته بقريته بقية عمره الي أن توفي في31 مارس.1975