شرطة خاصة لتغيير المنكر والأمر بالمعروف, السلفيون يسيطرون علي جامعة الإسكندرية ويطالبون بفرض الجزية علي الأقباط, السلفيون: سنطبق منهجنا الإسلامي مهما كلفنا الأمر, الصوفيون ينددون بهدم الأضرحة, غزوة الصناديق, وساطة إخوانية بين الصوفيين والسلفيين..لا نعتبر عمرو موسي كافرا..لا نقبل تولي المرأة رئاسة الدولة ولا قبطي, الاخوان: لا مانع لدينا..ضرب امرأة في المنوفية وطردها لسوء سمعتها.. هذه مجرد عينة متواضعة بما تحفل به صفحات الصحف المصرية..لو قرأها كائن فضائي قادم من عوالم مجهولة وسألناه: صف لنا طبيعة هذه الدولة؟!.. لرد علي الفور: من المؤكد انها دولة دينية! فمنذ خروج التيارات الدينية علينا شاهرين أفكارهم, لم نسمع منهم ولا كلمة عن التنمية والتقدم والتحديث والمثابرة وإتقان العمل والمساواة وتكافؤ الفرص والمواطنة وحقوق الآخرين, والحضارة الجديدة, وعصر المعرفة.. فماذا يثبت هذا؟! أي إجابة عادية ستصرخ بأعلي صوتها: كلام الكائن الفضائي صحيح مائة بالمائة, فقد صرنا مجتمعا لا يشغل باله حاضره ومستقبله, وإنما مشغول باستنساخ تجارب من الماضي البعيد, متصورا انها السبيل الوحيد أمامنا للخلاص من متاعب الدنيا, وإذا لم نتخلص منها, فقد حاولنا علي الأقل, وحسابنا في الجنة إن شاء الله! وعلي فكرة لم يحدث أن الدولة الدينية حكمها شيخ أو داعية أو رجل دين أو قس أو كاهن حكما مباشرا إلا في دولة الفاتيكان, لكن في الغالب يحكمها رجل مدني بأزياء مدنية, لكنه لا يتصرف في أمر ولا يتحرك في خطوة ولا يأخذ قرارا ما إلا بمباركة رجال الدين, وحسب الفتاوي التي ينصحونها بها, فالدولة الدينية تحكمها العمامة أو القلنسوة الكهنوتية من خلف السلطة المدنية. وإذا كان المسلمون بلا سلطة دينية رسمية, فقد صنعوا عبر تاريخهم سلطة دينية شعبية أو كهنوتا شعبيا متمثلا في أصحاب الفتاوي الفضائية والدعاة( المودرن) وشيوخ الزوايا والمساجد في ريف مصر وحضرها, وهو لا يقل في سطوته وتأثيره وقبضته عن الكهنوت الرسمي في الدول القديمة قبل الميلاد أو في أوروبا القرون الوسطي, فهم يمارسون دور وسطاء التبليغ وسلطة الأمر والنهي كما لو أن الدين نزل من السماء عبر الرسل إليهم فقط وليس لكافة البشر أجمعين, وهم حاملو أختام االتوصيلب إلي بقية خلق الله. المسألة في الدولة الدينية لا تتعلق بالكلمات أو الوصف, وإنما بأسلوب الحياة العامة التي يشكلها مجموع الأساليب الشخصية للمصريين, وما أعنيه هو: هل أصبح دين الفرد هو أول وأهم الملامح المحددة لشخصيته وفكره وتوجهاته وآماله وأقواله وأفعاله؟ أم أن عناصر مدنية وثقافية إضافية هي التي تحدد هذه الملامح؟! الإجابة سهلة للغاية, فسلوكيات كثيرة تشي بأن الملمح الديني هو المهيمن وحده علي أعداد كبيرة من الناس؟ في هذه الحالة يمكن القول إن المجتمع المصري قد أصبح مجتمعا دينيا, وان مصر قد أصبحت دولة دينية, وليس بالضرورة هنا ان يكون الحكم أو الحكومة أو القيادة السياسية قيادة دينية, وإنما يكفي أن يصبح المجتمع مجتمعا دينيا لكي تصبح الدولة دينية, فلا دولة بلا مجتمع ولا وطن بلا شعب,وللتحديد أكثر: نعم لقد كان للدين دائما وجوده منذ قدماء المصريين, لكن دون أن يحدث اتديين للحياةب! وهذه القاعدة هي التي بني عليها رواد النهضة المصرية في بدايات القرن العشرين احركة التنوير وتحرير العقلب, من أمثال الشيخ محمد عبده وقاسم أمين وطه حسين واحمد لطفي السيد وسيد درويش ومئات غيرهم, وأذكر ونحن طلبة أننا كنا لا نسأل بعضنا بعضا عن ديانتنا, وكانت أسماء المصريين التي شاعت بين المسلمين والمسيحيين لأكثر من70 عاما وقتها هي أسماء عادل ونبيل ومجدي وكامل وسعد وشكري وجميلة وليلي ونادية وسامية ونوال وسلوي.. لكن في منتصف السبعينيات تغيرت أشياء كثيرة راحت تنهش تدريجيا في المجتمع التحرري التنويري الذي كان قائما لتحل محله مظاهر المجتمع الديني المتزمت المتشدد.. وعلي مدي ثلث قرن أخذت التيارات الدينية في مصر بمساعدة أموال خليجية ترتفع بالتدريج من حرارة التزمت الديني! وخلال هذه الفترة طلع جيلان كاملان من المصريين لا يعرفون سوي حالة الالتهاب الديني الماسكة بتلابيب الوجدان الجماعي, فيتصورونها حالة طبيعية, فنجد الشباب الجامعي في مختلف فروع المعارف الجامعية لا يناقشون علي مواقعهم علي الانترنت سوي القضايا الدينية السلفية القديمة التي لا تضيف اي جديد للإنسان في حياته اليومية ولا تقدم علما ولا فكرا ولا تصنع حضارة, بل تشغل العقل والعاطفة فيما لا يفيد, وعلي هذا فالإجابة عن سؤالنا هو إن مصر قد أصبحت فعلا دولة دينية ذات مجتمع ديني تحكمه وتشغله إلي ابعد الحدود الفتاوي الدينية والمظاهر الدينية والخلافات الدينية المتشابكة دائما, فلا نعيش في عصرنا هذا, وبالتالي لا يكون جهد وفكر المجتمع مركزا علي حل قضاياه الأساسية وكلها قضايا بالغة الخطر أخطرها بناء نظام عام جديد ينتشل مصر من وهدة التخلف المستقر عليها منذ زمن بعيد, فالتعليم منهار والفقر مدقع والبيئة ملوثة..الخ وهنا الانشغال والاشتغال بأمور الدين بشكل يومي طاغ يستهلك المتبقي من فكر وطاقة الفرد والمجتمع في كل ما هو بعيد عن احتياجاته الإنسانية الملحة, فلا يبدع وينتج في مجالات الحياة والواقع, ولذلك سرعان ما يسقط من المسيرة الحضارية ويقبع خاملا متسولا في قاع العصر! وبالقطع لا نقصد أن نبعد الدين عن حياتنا, وإنما نفسر حالة االتديينب التي نحن عليها, فهذا التديين سبب انفصاما في الشخصية المصرية وانشطارا في الوحدة الوطنية, لأن سقوط الأغلبية المسلمة إلي دوامة حالة الالتهاب الديني وما تصاحبها من طقوس ومراسيم وفتاوي وعادات وعبادات وسلوكيات تتسم كلها بالغلو في المظاهر الدينية في مختلف نشاطات الإنسان, فلم يبق في الحياة العامة للمواطنين مساحة لا يشغلها الدين فيمكن للمواطنين الأقباط ان يشاركوهم فيها, بالتالي وجد الأقباط أنفسهم مطرودين من ساحة المواطنة العامة التي أصبحت ساحة إسلامية متشددة مليئة بمظاهر تقترب من الدروشة وتزدحم بالخرافة والفكر السحري. فانعزلوا داخل الكنائس مصابين بحالة رد فعل هي أيضا نوع من الالتهاب الديني المضاد! وجاءت ثورة25 يناير تنقذنا من هذه الحالة, ولكن سرعان ما عدنا إلي قواعدنا القديمة غير سالمين علي الإطلاق. وهذا ما رصده الكاتب هشام حتاتة في كتابة المهم االإسلام بين التشدد الصحراوي والتسامح الزراعيب, ويكاد يتنبأ فيه بإعلان هذه الدولة الدينية خلال خمس سنوات, ربما لا أتفق معه في النبوءة, لأن االطاقة الحضاريةب المخزونة تحت قشرة الحياة المصرية الحالية قادرة حين نستدعيها علي إنقاذنا من الهاوية, لكن هذا لا يمنع من اتفاقنا معه في أن خطر الدولة الدينية لا يلوح في الأفق فقط, وإنما قد هبط فعلا علي ارض الواقع ولم يبق إلا النشيد والعلم والسيفان. فماذا نفعل؟! المزيد من مقالات نبيل عمر