هو مفكر وباحث من طراز فريد وأحد دعاة حقوق الإنسان, يعمل أستاذا للطب النفسي ومستشارا للأمم المتحدة للبرنامج الانمائي للإيدز, كما أنه يمثل تيار رفض الواقعية الاجتماعية التي جسدها نجيب محفوظ في أعماله. إنه الدكتور إيهاب الخراط, الناشط السياسي وعضو لجنة تأسيس الحرب المصري الديمقراطي الاجتماعي, ونجل الأديب الكبير إدوارد الخراط, وقد حاورناه حول تحليله للشخصية المصرية ورؤيته المستقبلية للثورة والمادة الثانية من الدستور: ما هي رؤيتكم لمصر بعد الثورة؟ التحدي الحقيقي أمام الشعب المصري الآن هو الاستمرار في بناء ديمقراطي, أي بناء بمشاركة الشعب وسلطة الشعب الفعلية علي أرض الواقع. وهذا يتطلب بناء الأحزاب المختلفة وانتظام الشعب في الأحزاب والنقابات واتحادات الطلاب وعودة المجالس المحلية لدورها الرقابي الشعبي الحقيقي بدلا من الدور الديكوري, والاستمرار في وضع آليات لوقف الفساد والمحافظة علي المبادئ الأساسية للديمقراطية من احترام حقوق الإنسان واحترام حقوق الأقليات السياسية والدينية والعرقية واحترام التنوع الثري في المجتمع المصري. ماذا عن دور الأممالمتحدة في صناعة المعرفة عبر مشروع الألفية؟ برنامج الأممالمتحدة الإنمائي حدد ثلاث ثغرات في تقرير التنمية في المنطقة العربية, ثغرة في المعرفة وثغرة في حقوق المرأة, وثغرة في الحريات, والثغرات الثلاث مرتبطة ببعضها, فلا حريات بدون معرفة حقيقية ولا يمكن الوصول للمعرفة الحقيقية بدون حرية, والتعتيم علي المعلومات أو تقديمها بصورة مزوقة أو مزورة يؤدي إلي خفوق المعرفة, المناهج التعليمية التلقينية تؤدي إلي خنق امكانيات الإبداع والمعرفة الحقيقية وعدم وجود العقل النقدي لدي النخبة ولدي الشباب يؤدي إلي خنق الإبداع. ثورة 25 يناير أحدثت طفرة في المعرفة بسبب الانترنت والفيس بوك والتواصل الاجتماعي والتبادل المعلوماتي الواسع داخل المجتمع, هذه الثورة أدت إلي أن الوعاء السابق للمعرفة لم يعد يحتمل العقل الصاعد للشباب صاحب المعرفة الجديدة, وهذا في رأيي إحدي مهام الثورة في المستقبل وهو ضمان أن يظل العلم حرا, ففي الماضي تم خنق العلم والبحث العلمي تم تدجينه وتحزيمه, وفي الإبداع تم تهميش الثقافة لمبررات أمنية أو مبررات دينية أصولية أو مبررات ثقافة أحادية, وكل هذه الأمور يجب تغييرها الآن. تري هل يمكن أن تكون مبادئ الثورة مشروعا قوميا يلتف حوله الشعب؟ مبادئ وشعارات الثورة الخمسة هي المنطلقات للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذي يطمح لطرح مشروع متكامل للأمة المصرية, عيش حرية كرامة إنسانية عدالة اجتماعية سلمية, شعارات خمس تترجم إلي مشاريع في التنمية الاقتصادية, مشاريع في حرية العلم والإبداع والحريات الفردية والحرية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, وكرامة كل إنسان بالتنوع الثري للمجتمع المصري من أول بدو سيناء وبدو الصحراء الشرقية والنوبة والصعيد والمثقفين والخلفيات الدينية المختلفة مسلمين ومسيحيين وبهائيين وشيعة, فالكرامة الإنسانية تعني كرامة كل المصريين وكل فرد رجل وامرأة وطفل وشيخ وشاب ومسلم ومسيحي وغني وفقير, وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بالوعي بأن هذا المجتمع رغم محورية مبادئ الحضارة الإنسانية ومبادئ الإسلام في تكوينه الثقافي إلا أنه مجتمع ثري بعناصر متوسطية وعناصر قبطية وعناصر مصرية عربية وعناصر إفريقية وكل هذا في تفاعل ثري يعبر عن هذه المبادئ الأصيلة للمبادئ الإسلامية التي تتبدي في مصر بصور مختلفة وكذا مبادئ الحضارة الإفريقية والمتوسطية. ماذا عن التواصل مع البعد الإنساني لحقوق المرأة الذي أشار إليه تقرير الأممالمتحدة؟ حقوق المرأة الآن مسألة حاسمة في التنمية, وكثيرون يظنون أننا قطعنا شوطا كبيرا في هذه المسألة, ولكن الواقع أن المنتدي الاقتصادي العالمي وضع مصر في مإخرة الركب الإنساني, فمن ضمن 128 دولة جري تحليلها عام 2008 احتلت مصر الموقع رقم 121, وهذا مؤشر موضوعي غير ذاتي, فنحن في مؤخرة الركب للأسف في هذا الموضوع بالنسبة للعالم كله,أما بالنسبة للدول العربية فاليمن آخر دولة والسعودية بعدنا والمغرب قبلنا وتونس والكويت متقدمان قليلا, ولكن الدول العربية عموما في مؤخرة الركب والمفكر الإسلامي العظيم الأستاذ أحمد أمين قال إن سر تقدم أوروبا عنا المطر وحقوق المرأة موضوع المطر لا دخل لنا به وليس في يدنا التحكم فيه, يبقي موضوع حقوق المرأة واشتراكها في العمل, فلا يمكن أن يتقدم مجتمع ونصفه مربوط أو معطل ولا يمكن لمجتمع بقدم واحدة أن يتقدم ومن أهم اخطار دعاة الجمود الديني الفهم الخاطئ لحقوق فالمرأة في المبادئ الدينية الأصيلة مساوية للرجل تماما في الحقوق والواجبات والعمل والحرية والتعبير عن نفسها ولا يجد تقييد حريتها الأساسية بأي صورة من الصور. ما هو تحليلكم للشخصية المصرية قبل وبعد الثورة؟ الشخصية المصرية شخصية ملغزة, شخصية غنية, تصنع الحضارة والآمال بشكل غير عادي, والوعي المصري العميق والقدرة علي الفكاهة والتحمل, وفي نفس الوقت استطاع الشعب المصري في ظل المؤامرة الدنيئة التي أدت إلي انسحاب كل قوات الأمن وإحداث الفراغ الأمني وإطلاق البلطجية والمساجين وإلي حماية أمن البلاد عن طريق اللجان الشعبية وحماية المسلمين والمسيحيين للكنائس وحراستها وأهل بولاق الدكرور ضربوا مثلا رائعا حين امسكوا بالبلطجية واخذوا منهم المسروقات وسلموها للجيش وقالوا البولاقية مش حرامية, وكذلك اهل ميت عقبة الذين وقفوا يدافعون عن ميت عقبة والمهندسين ومدينة الإعلاميين, ولم يحدث حادث اختراق واحد للزمالك, هذه اصالة الشعب ودليل علي اصالة الشخصية المصرية, هذا شعب اصيل وعجيب في اصالته وابداعه.. لأول مرة في التاريخ تجد ثوار تحت نيران القناصة يقومون بعمل مسرحيات فكاهية وأغان شعبية ووطنية, ويقيمون صلوات وقداس مسلمين مع مسيحيين, فمصر عندما تتحرر ستنفض عنها كل جمود ديني سواء علي الجانب الإسلامي أو المسيحي, والقمع السياسي يؤدي إلي القمع الفكري والجمود في الفهم الإيماني, والفهم الحقيقي رحب ومنفتح. تري كيف تسهم الأحزاب الجديدة والمجتمع المدني في دفع الديمقراطية وتقدم المجتمع؟ العمل السياسي لابد ان يسهم في التنمية الاقتصادية, والديمقراطية الحقيقية, والحكم الرشيد في مصر هو السبيل لتأمين الاستثمار وتطمينه فحينما تشعر كل عامل وكل مزارع أو موظف أن مؤسسته أو الشركة التي يعمل بها ملكه وان مجهوده يعود عليه داخل المؤسسة وداخل الدولة ككل, عندئذ سيزدهر الاقتصاد وسيشعر كل إنسان انه حينما ينتج أكثر تزيد حوافزه وليس عندما يتملق رئيسه أو مديره, وهذا لايتأتي إلا بالمشاركة السياسية, وحينما تكون هناك احزاب قوية يمكن عمل تعاونيات قوية للفلاحين والعشوائيات وتشجيع المجتمع المدني لتقديم مشروعات قوية لخدمة الشعب بالتعاون مع القيادات السياسية الحقيقية وليست القيادات السياسية الفاسدة التي تسعي لرشوة الجمهور بطرق مختلفة. من هو مرشحكم لرئاسة الجمهورية؟ . مرشحنا لرئاسة الجمهورية يجب ان يكون قامة مصرية كبيرة رمزا صلبا للثورة, متفتحا له برنامج واضح وقدرة علي تيسير العمل الشعبي والديمقراطي ومساندته. البعض يتخوف من التيارات الدينية ويخشي من نموذج إيران وتركيا فما رأيك في هذا؟ انا لااتصور ان مصر ستتبني النموذج الإيراني مهما بدن الصورة مخيفة بين بعض السلفيين أو الجهاديين لانه لم تحدث عسكرة للثورة, ولم يحدث حرب مسلحة للثورة, وبالتالي لا يستطيع فصيل استخدام السلاح لفرض ديكتاتورية علي الفصائل الأخري, وفي الوقت نفسه الدولة التركية دولة علمانية اصيلة, والدستور التركي هو الدستور الوحيد الذي لايذكر فيه الدين لا من قريب أو بعيد, وهذا مختلف عن الدستور اليوناني مثلا وكذا الدستور الإيراني, ومصر الآن في حالة مخاض, إذا استطاع الوعي الإيماني والوعي الديني ان يتجاوز النظرات التعصبية والتخنذق الضيق سنصل إلي رحابة وانطلاقة حقيقية مدنية.. انطلاقة تحترم حقوق الإنسان, وإذا تعثرت هذه المسيرة سنتأخر 10 أو 20 سنة, وأنا إيماني العميق في الشعب المصري في القري والمصانع والعشوائيات كما في النخبة الرائعة, وقد فوجئت بالتجاوب الرائع مع فكرة الديمقراطية الاجتماعية والفكر المدني بين النخب, وفي القري الجماهير متعطشة لوجوه متفتحة ولديها رؤية اجتماعية واقتصادية متكاملة. هل أنت مع المادة الثانية من الدستور أم ضدها؟ مبادئ الشريعة الإسلامية هي نفسها مبادئ كل الشرائع السماوية والعقائد الإنسانية وبحكم المحكمة الدستورية هي العدالة والحرية والمساواة, الإضافة التي اقترحها المفكر الإسلامي الدكتور سليم العوا بتوضيح ان هذه المبادئ تضمن الحقوق المتساوية للمسلمين والمسيحيين, وتضمن التجاء المسيحيين لشرائعهم في الأمور الشخصية هي إضافة إيجابية وتقدم للإمام, الدستور يجب ان يقوم علي جوهر المبادئ الإنسانية وهذه المبادئ تتبدي بلا شك في دولة 90% من مواطنيها مسلمين, ومظهر الحضارة الإسلامية والهوية الإسلامية العربية هي في ذات الوقت في مصر قوية غنية وثرية ومتنوعة بطبقات مختلفة, وأنا اؤيد المادة الثانية من حيث المبدأ أويد اقتراحات مستنيرة من جهات مختلفة لوضعالتنوع الديني الثقافي في كانه الطبيعي اما التحفظ عند معظم المسيحيين فيعود الشعور بأنهم مستبعدون وهذا غير صحيح وغير وارد في مبادئ الشريعة الإسلامية اصلا, وانا مع تطوير الصياغة للمادة الثانية بحيث يتم الحفاظ علي المبادئ العظيمة للشريعة الإسلامية التي هي جوهر كل مبادئ الشرائع ويتم التأكيد علي التنوع الثقافي المصري.