الذي يجري في ماسبيرو يحمل كثيرا من روح الثورة وعزم الثوار, يستند إلي عدل مفقود وشرعية لم تتجاوز القانون بل تطالب بتطبيقه. أما الذي حدث في كلية الإعلام فليس من الثورة في شيء, بل هو أقرب إلي الفوضي وإلي الانفلات والقفز إلي المجهول. في الثورة المصرية عاد الثوار النبلاء من الميادين والشوارع بعد الرحيل المشهود, فجرت ثورتهم مطالب فئوية ظالمة حينا ومظلومة أحيانا, وانتهي الأمر إلي آلة إعلامية يعاني بعضها شيئا من الفوضي وكثيرا من البؤس المهني. وجوه كثيرة تطل علينا عبر شاشات لا تهدأ. وجوه تثير الأسي وأخري تستثير الإعجاب وثالثة تبعث السخرية, يحكي كل منها حكاية ترسم مع غيرها ملامح الذي يجري علي أرض مصر. في برنامج االعاشرة مساءب وهو من البرامج الحوارية الجادة, أطل شاب لم ينته بعد من دراسته الجامعية يروي في فخر واعتزاز كيف صنع هو وزملاؤه الطلاب أزمة كلية الإعلام وكيف أصبحت وعن عمد عبر وسائل الإعلام تبدو وكأنها إحدي أزمات مصر. أزمة أستاذ جامعي ناجح وكفء مثير لغيرة البعض, يطارده ماضيه القريب بعضوية الحزب الوطني وكتاباته الصحفية السابقة. تعرض لأغرب محاكمة من الطلاب وبدعم من بعض الأساتذة. انعقدت المحاكمة وصدر الحكم وتجميع الطلاب وقلة من الأساتذة لتنفيذ الحكم. في االعاشرة مساءب جلس طالب لم يتخرج بعد أمام اثنتين من أساتذته يعلن علي الأمة قائمة الاتهامات بأن عميد كليته قد هدم الحياة السياسية وضلل الرأي العام وحرض علي قتل المتظاهرين. وانتهي إلي الحكم بأن الدكتور سامي عبدالعزيز كان جزءا من المنظومة الفاسدة هو ورئيس الجامعة وكل عمداء كليات جامعة القاهرة. وانتهي طالب السنة الرابعة إلي أنه لا يوجد مبرر لبقاء هذه القيادات في مناصبها. كان الشاب يتلو الحكم بإقالة عميد كليته ورئيس الجامعة وكل العمداء الآخرين ومن ورائه أستاذة جليلة تصفق في إعجاب له. ومن أغرب ما قالت الأستاذة الجليلة في معرض الدفاع عنه لما رأت الشطط الطلابي قد تجاوز حدود العقل. إن الطلبة ليس من حقهم تغيير القيادات ولكن من حقهم عرفا وقانونا التعبير عن رأيهم. ما هذا يا دكتورة يا أستاذة الصحافة الكبيرة؟؟؟ هل يدخل في باب حرية التعبير مثلا لو اتهمها طالب مثلا بالترويج لفكر لا يروق له أو بالسطو علي أعمال طلابها الذين تشرف عليهم في الماجستير والدكتوراه أو أنها أساءت التصرف في المال العام وقت أن كانت عميدة للكلية وهي بريئة من كل تلك الاتهامات, ومع ذلك فإن هذا الدفاع لم يلق قبولا لدي الشباب فقال أحدهم: نحن نريد التغيير وبجرة قلم يمكن تغيير القانون الآن حتي يصبح بوسع الطلبة تغيير العمداء. نحن أمام جماهيرية جديدة بعد أزمتها في الجماهيرية الليبية الاشتراكية العظمي. الطلبة يختارون العمداء ورؤساء الجامعات ويقبلونهم ومن باب أولي يمنحونهم الدرجات العلمية. لست أدري وقد قضيت سنوات أبحث في حرية التعبير من أي مستشفي للأمراض العقلية يستمد هؤلاء مفهوم الحرية؟. وأزيدك من الفوضي مهزلة أخري. رفضت أستاذة الصحافة علي شاشات التليفزيون في استعلاء واستنكار وصف حصار الطلبة لأستاذتهم سبع ساعات ومنع المياه عنهم بأنه من أعمال البلطجة. نهرت في شدة وحدة أستاذة فاضلة وصفت هذا الأمر بالبلطجة. ربما رأت أنه من الأعمال المجيدة لطلابها الذين تتلمذوا علي يديها في قسم الصحافة. لست مدافعا عن عميد الكلية ولا مبررا لمواقفه السابقة ولكنني فقط أسأل ماذا نريد باسم الثورة لمؤسسات التعليم في بلادنا. يبدو أن البعض يريد لها كثيرا من الحرية المؤدية إلي الفوضي وقليلا من التعليم المؤدي لتنوير العقل. الأساتذة الذين يشجعون الطلاب اليوم علي مهاجمة خصومهم, إنما يعطونهم السلاح للطعن فيهم غدا. قد نفهم دوافع الطلاب وفائض الحماس الوطني لديهم ولكننا لا نفهم موقف قلة من الأساتذة بينهم للأسف من أحسن إليه الدكتور سامي عبدالعزيز ومن كان يرجو رضاه قبل ثورة25 يناير. وفي ماسبيرو قدر للدكتور سامي الشريف أن يواجه منفردا حصاد سنوات طويلة من الفوضي والمظالم والفساد. جاء رجلا مناسبا في زمن خطأ. يبحث عن قليل من صبر المحتجين يعينه علي ترتيب أوراق قديمة مبعثرة ولكن الصبر اليوم هو أندر السلع في مصر بعد أن ظل الزاد والزواد لمصريين قرونا طويلة. المحتجون يدفعونه أن يمشي ويجري ويطير في آن واحد وأن ينهي في ثلاثة أيام مشكلات تفاقمت في ثلاثين عاما. يواجه بقليل من المال مطالب مالية لأربعة وأربعين ألف موظف ومديونيات بلغت إثني عشر مليارا, واختلالا في الأجور لم تعرفه مصر في تاريخها. أطل الدكتور سامي الشريف عبر شاشات التليفزيون يحاول الشرح والتحليل والتفسير ولكن صوته ضاع في زحام المظاهرات والاحتجاجات. جاءته الاحتجاجات من الذين يتقاضون الملاليم والملايين علي السواء, اصطدم بطواويس الإعلام الذين مكنتهم علاقاتهم من الشهرة والثروة حتي إذا بلغوها ظنوا خطأ أنهم جديرون بها. رفض سامي الشريف أن يدفع3.5 مليون جنيه إيجار ستوديو لبرنامج حواري لا يستحق ورفض أن يدفع مليون جنيه أجورا لمن جاء بهم هذا البرنامج من خارج صفوف العاملين في الاتحاد وفضل إلغاء البرنامج علي تخفيض أجر التقديم من180 ألفا إلي90 ألف جنيه شهريا. ولذلك لم يسلم من الهجوم, يبدو أن الحكومة تركت الدكتور سامي في مواجهة الأزمة منفردا وكل ما قدمته من دعم له لم يتجاوز بضعة ملايين من الجنيهات ولجنة من الإذاعيين القدامي تواصل الحديث مع المحتجين وتطيل أمد الشكاوي. الحكومة تعرف أن تغيير القيادات مطلب رئيسي وتعلم أيضا أن التغيير ليس من صلاحياته. أصبح قدره أن يتحمل تبعات البطء الحكومي في إحداث التغيير, وهو تغيير مطلوب وميسور, فالذين يجلسون علي مقاعد القيادة في قطاعات ماسبيرو لم يقدموا شيئا يستحقون من أجله البقاء ومقاومة التغيير. ومن بين الوجوه التي أطلت علينا أخيرا الدكتور إسماعيل سراج الدين, جاءت به إلي شاشات التليفزيون أخبار فساد طال السيدة التي أسبغت رعايتها الفائقة علي مكتبة الإسكندرية, نحو900 مليون جنيه مصري وجدت في حساب للمكتبة يخضع لإرادتها. وبعيدا عن تلك الواقعة التي تخضع الآن لفحص وتحقيقات النيابة العامة, فإن مدير المكتبة قد استدعي اتصالاته الإعلامية التي وفرتها له مكانته وكرمه السابق مع العديد من الإعلاميين ليظهر مرات ومرات علي شاشات التليفزيون. كان الرجل حريصا علي ثلاثة أشياء أولها التأكيد علي أنه لا يعلم من أمر ذلك الحساب. وثانيها أن يتبرأ تماما من النظام الذي عاش في كنفه والسيدة التي أسبغت عليه رعايتها وأن يعلن في شجاعة نادرة أنه لو علم بهذا الأمر في حينه لقدم استقالته وهي شجاعة تبدو الآن في غير موقعها. أما ثالثها وهو الأهم أن يطالب ويلح في الطلب أن تعود الأموال الموجودة في الحساب إن وجدت إلي مكتبة الإسكندرية حتي تظل مكتبته سندريلا المكتبات العالمية بفخامتها وكرمها مع موظفيها وانفصالها عن الدولة الفقيرة التي تؤويها. والحقيقة أن الرجل لديه الحق كل الحق فالمبلغ ضخم إلي حدود بعيدة ومصروفات مكتبة الإسكندرية هي الأخري هائلة. فقد كانت المكتبة في طليعة الهيئات المصرية التي بلغ كرمها حدودا بعيدا مع قياداتها وضيوفها. وسوف نسعي جميعا لتحقيق مطالبه لو أنه برر لنا سر تلك الرغبة الشديدة في أن تعود تلك المبالغ إلي المكتبة بعيدا عن حكاية أنها تبرعات. وإذا فعل ذلك فلابد أن يخبرنا عن مرتبات قياداتها العليا والوسطي وسياراتهم الفخمة التي وفرتها المكتبة, وبدلات السفر كما وكيفا وعلاقتها بما هو منصوص عليه لموظفي الهيئات الحكومية. ويطلعنا علي المبالغ التي حصلت عليها فنادق الإسكندرية وغيرها لإقامة ضيوف المكتبة من الداخل والخارج لزوم المكالمة التي نعرف جميعا أهدافها التنويرية التي فشلت في أن تمنع السكندريين من أن يكونوا ثوارا علي النظام الذي كان يرعي المكتبة. قال لي أحد الأصدقاء إن الدكتور مدير المكتبة رفض استخدام الأتوبيس الجماعي المخصص لضيوف مؤتمر للمكتبات الوطنية العالمية في باريس. وبينما لم يجد مدير مكتبة الكونجرس الأمريكية غضاضة في أن يستقل هذا الأتوبيس مع مديري المكتبات الوطنية الأوروبية والعربية والإفريقية, كانت هناك سيارة مرسيدس سوداء مستأجرة لتنقلات مدير مكتبة الإسكندرية في باريس. المزيد من مقالات د. حمدي حسن أبوالعينين