دخل صاحب البستان في احد الأيام علي حارسه, وطلب منه ان يحضر له رمانة حلوة الطعم. فذهب الحارس واحضر حبة رمان وقدمها لسيده, وحين تذوقها الرجل وجدها حامضة. فقاله له: أريد حبة حلوة الطعم, احضر لي رمانة أخري. فذهب الحارس مرتين متتاليتين وفي كل مرة يكون طعم الرمان الذي يحضره حامضا. فقال صاحب البستان للحارس مستعجبا: لك سنة كاملة تحرس هذا البستان, أفلا تعلم مكان الرمان الحلو ؟. فرد الحارس: لقد طلبت مني يا سيدي أن احرس البستان, لا أن أتذوق الرمان, فكيف لي أن اعرف مكان الرمان الحلو. فتعجب صاحب البستان من أمانة الرجل وأخلاقه, فعرض عليه أن يزوجه ابنته. فوافق وكان ثمرة الزواج: الزاهد والفقيه الإسلامي عبد الله ابن المبارك. رجل آخر كان يسير بجانب أحد البساتين, ووجد تفاحة ملقاة علي الأرض, فتناولها واكلها, ثم حدثته نفسه بأنه أتي علي شيء ليس من حقه, فأخذ يلوم نفسه, وقرر ان يري صاحب البستان, فإما أن يسامحه فيها أو أن يدفع له ثمنها. وذهب الرجل لصاحب البستان وحدثه بالأمر, فاندهش صاحب البستان لأمانة الرجل. وقال له: لن أسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط ان تتزوج ابنتي, واعلم أنها خرساء عمياء صماء مشلولة..فإما ان تتزوجها وإما لن أسامحك في هذه التفاحة. فوجد الرجل نفسه مضطرا يوازي بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة, فوجد نفسه يوافق علي هذه الصفقة. وحين حانت اللحظة, التقي الرجل بتلك العروس, وإذا بها آية في الجمال والعلم والتقي. فاستغرب كثيرا وتساءل: لماذا وصفها أبوها لي بأنها صماء مشلولة خرساء عمياء؟. فرد أبوها: انها عمياء عن رؤية الحرام, خرساء صماء عن قول وسماع ما يغضب الله, وقدماها مشلولة عن السير في طريق الحرام. وتزوج هذا الرجل بتلك المرأة, وكان ثمرة هذا الزواج: الإمام أبو حنيفة. هكذا يحكي التاريخ, فالتقوي والأمانة مصيرها رجال أتقياء وأنقياء وأمناء.. ولكن للأسف, التاريخ ليس ولودا في بلاد النيل, فرجالها لا يعترفون بالأخطاء ويتسترون عليها. المزيد من أعمدة محمد أمين المصري