حين بدء مخاض الولادة لأول ثورة تشهدها مصر على يد شبابها ظن كثيرون أنها طلق كاذب كالذي يتكرر كثيرا قبل الولادة الفعلية ، بدأت الدعوات بالمشاركة في يوم 25 يناير لتكون مظاهرات ظن الكثيرون أنها مثل كثير من سابقتها ستبدأ وتنتهي سريعا في أخر يوم بدئها . وأن ولادة ثورة على نظام تغلل وتشعب في كيان مصر أمامها الكثير من الوقت لتكتمل في رحم الحرية ، وأن ذلك الجنين ما زال بحاجة لوقت حتى يولد سليما معافى ، لم يكن يعلم احد أن هذا الجنين سيولد ثورة كاملة تستند على إيمان وإرادة شباب بأملهم في تغيير ما كان يظن كثيرون انه درب من المحال ، أن ما تحول إلى يقين في العقول والقلوب بأنه لا أمل في أن يحدث تغيير على يد جيل طالته الكثير والكثير من الاتهامات بالرعونة والطيش ، وأن تفكيره ينحصر في حضور المباريات وتشجيع نادي بتعصب اعمي تحول في أوقات كثيرة إلى صدامات بين مشجعي النوادي ، أولئك الشباب الذين يلهثون وراء حفل لمطرب أو مطربة وينتظرون فى طوابير بالساعات خارج مكان الحفل . ولدت الثورة دون علم الذين شاركوا فيها ، فما كان احد يتخيل أن خلال 18 يوما ستغير تاريخ مصر، حين ارتفعت أصوات تطالب بالعدل والحرية بعد أن صمتت دهرا تحت وطأة القوة الغاشمة والقبضة الحديدية التي طوقت أفواه الذين سبقوهم بمطالبة الحرية . ولدت الثورة التي تحولت بين ليلة وضحاها إلى عملاق اهتزت له قلوب الذين ظنوا أن مصر تحول شعبها لأسد عجوز فقد أسنانه ومخالبه واستكان إلى الظل ليحيا أخر أيامه مرتضيا بما يلقى له من فتات حرية وكسرات لا تغنى ولا تسمن من الديمقراطية . مصر التي تحولت إلى إقطاعية موزعة على كبارها من الساسة ورجال الأعمال الذين اتفقت مصالحهم على حساب شعب بأكمله ، فتحول الساسة إلى تجار ورجال الأعمال إلى مشرعي قوانين ومخططي لسياسات امة أوقعها حظها التعس في يد شرهاء لا يشبعون لا من السلطة ولا من المال . 18 يوما شهد لها العالم ولصانعيها أنها ثورة بيضاء ومعجزة تستحق أن تدرس في الأكاديميات والجامعات العالمية ليتعلم العالم بأكمله أن ارداة شعب وإيمانه صنعا معجزة دون سلاح أو تدمير إلا ما أفسده المفسدون من إذناب القتلة و المجرمين . تحول ميدان التحرير أو كما أصبح ميدان شهداء التحرير أو ميدان الأحرار إلى رمز يتطلع العالم لزيارته ، ليروا بأعينهم مكان ولادة الثورة البيضاء التي ولدت عملاقة بدماء شهدائها الأبرار ، ميدان شهداء التحرير الذي تجمع فيه الملايين مطالبين بالحرية التي تحولت لمعجزة في زمن اللامعجزات ، حين سقط نظام بأكمله تحت وطأة ارداة شعب بدء مشواره ورفض أن ينهيه إلا بالحرية ، فسالت دماء طاهرة تشربت بها ارض ميدان الشهداء وشهد لحظات نصر لم يشهدها العالم من قبل . نلنا بكل عزة وفخر وعن استحقاق و دون مساعدة من احد وبكل كرامه الحرية ، وبعد مرور أسابيع جاء الوقت كي نقف مع أنفسنا لحظات كي نحافظ على نصرنا . أن الذين شاركوا في ثورة 25 يناير وأقاموا في ميدان التحرير ليال طويلة يتدفئون بالأمل أن الغد ستبزغ شمسه حاملة النصر ، الذين شاركوا وصبروا حتى أتى النصر وانتصرت ارادة شعب وتحرر ليولد من جديد الأمل أن مصر الغد هي قلب الأمة العربية ورائدة التغيير . كل من شارك يعلم ماذا تعنى الثورة ومن هم الثوار الحقيقيون الذين ليس لهم غرض أو مطالب شخصية ، أما الآن نجد أن كثيرون اختبئوا تحت شرف الثورة ، هؤلاء الفوضويون والمندسون يتشبهون بالثوار فتراهم قد استطاعوا بكل مهارة تغيير جلودهم في فترة وجيزة يتعجب لها الثعبان الذي يأخذ وقتا لتغيير جلده وتفوقوا على الحرباء التي تغير لونها . هؤلاء الفوضويون بكل مهارة يتشدقون بكلمات رنانة تجذب العقل حتى يظن سامعها أنها حق مبين ، اندسوا تحت شرف الثورة ليعتلوا مع الشرفاء وهم مثقلون بجرائمهم التي يعلمها الجميع . وفوضويون من نوع أخر دفع بهم ليشوهوا روعة الثورة وطهرها بادعائهم أنهم ثوار ، فجعلوا من أنفسهم قضاة يصدرون الأحكام ويعلوا صوتهم بالباطل دون خجل مطالبين بحقوق ليست لهم . وفوضويون آخرون خرجوا ليعيثوا الفساد بين الناس واختلاق المشاكل مع غيرهم ليقال أن الثورة تحول صانعيها إلى جلادين على من يخالفهم الرأي فيلهبوه بضرباتهم وتحولوا إلى بلطجية ينالون ممن يقع تحت أيديهم. إن الثوار الحقيقيون عادوا في صمت ليشاركوا في عودة الحياة الى مصر ومن اجل أن يسهموا في إعادة الاعمار لأنهم يعلمون أن الدرب ما زال في بدايته وان المشوار لم ينتهي بالنصر بل النصر هو أول طريق البناء فتركوا أماكنهم خالية فجاء هؤلاء الفوضويون المندسون تحت شرف الثورة ليحتلوا ما ليس لهم دون حياء. إن أصحاب الحق هم أحق أن يحافظوا عليه حتى لا تضيع دماء الشهداء هباء فلا يجب أن تترك الثورة يتلاعب بها هؤلاء الفوضويون المندسون تحت شرف الثورة ليسقطوها بأفعالهم ومخططاتهم الدنيئة . المزيد من مقالات محمد جميل