أعتقد أن هناك مساحة واسعة تسمح بحرية الحركة بين تجديد الالتزام من جانب الحكومة باستمرار النهج الاقتصادي القائم علي حرية السوق وبين ضرورات المراجعة والتصحيح لهذا النهج الذي أفرز تداعيات سلبية عميقة لم تقتصر علي البعدين الاقتصادي والاجتماعي فحسب وإنما أفرز أيضا إشارات مقلقة باتجاه إضعاف البني السياسية في الداخل وتقليل درجة المناعة في مواجهة تحديات الخارج! لقد رأينا كيف أدي الاندفاع غير المحسوب وراء الرفع الكامل ليد الدولة عن معظم مكونات المنظومة الاقتصادية والتنموية إلي اختلال رهيب في توزيع الثروة والدخل القومي مع اتساع الثغرات التي تؤمن انتشارا ضاريا للفساد مما أدي إلي الاتساع المشروع لحجم ونطاق الاحتجاجات الفئوية بسبب اتساع وعمق الفوارق الطبقية في المجتمع. وهذا الذي أتحدث عنه لا ينبغي لأحد أن يستثمره كفزاعة من نوع الفزاعات الملتبسة التي تضعنا دائما بين خيارين كلاهما مر.. فالقول بترشيد الرأسمالية المستفزة لكي تكون أكثر عدلا لا يعني دعوة للارتداد إلي اقتصاد شمولي تحت رايات اليسار المتطرف وإنما الهدف هو معالجة أسوأ ما في النظام الرأسمالي تحت ظلال العولمة وهو الغياب الفاضح للآفاق المقبولة إنسانيا واجتماعيا! إن تجربتنا المريرة مع بعض نماذج الرأسمالية المتوحشة غير الرشيدة تجربة تستوجب المراجعة وليس الإلغاء بحيث يكون هناك سقف مأمون لحرية اقتصاد السوق ودون إخضاع الاقتصاد لهيمنة الحكومة وهو ما يتطلب قدرا من التوازن بين المسئولية الرقابية للدولة من خلال دعم قوي السوق ذات الطابع الاجتماعي من ناحية وبين زيادة الحوافز الجاذبة للاستثمارات الداخلية والخارجية من ناحية أخري. وكل ما تحدثت عنه يظل كلاما نظريا ما لم نعزز استقلالنا وسيادتنا الوطنية بعميق الديمقراطية وليس مجرد قشورها التي يريد البعض اختصارها في ديمقراطية الكلام والجدل فقط! خير الكلام: في الصبر انتصار علي الظلم... وفي الابتسامة إهانة للمصيبة! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله