الحدث كان بمثابة عرس ثقافي كبير ننتظره كل عام.. ورغم كل ما يقال عن معرض الكتاب.. رغم سلبياته وعيوبه التي لا نستطيع أن نغض البصر عنها بأي حال من الأحوال فإن معرض الكتاب يبث معه أجواء ثقافية حضارية يفوح نسيم عطرها في شهر يناير من كل عام. لايزال القلب يحمل معه ذكريات عزيزة... حينما كنا نذهب الي معرض الكتاب ونحن ندرس في الجامعة.. نشتري الكتب والروايات والقواميس بأسعار زهيدة ونعود فرحين بالحصاد الثقافي الكبير, نحمله بين أيدينا وكأننا نحمل كنزا عظيما لا يقدر بمال قارون.. أذكر أيضا الندوات واللقاءات الشعرية والفكرية العظيمة التي كانت تقام في أرجائه.. أشعار محمود درويش ونزار قباني وأدونيس لايزال صداها يتردد في النفس.. القاعة الكبيرة تعج بالبشر.. جاءوا من كل صوب وحدب.. من الأقاليم والمحافظات من القري والنجوع.. من أقطار الدول العربية المختلفة ينصتون باجلال الي صوت الشعر.. الأنفاس محبوسة.. والعيون لا يكاد يطرف لها جفن.. أذكر كذلك حينما كنت أعمل بالاذاعة المصرية, وكلفت بتغطية فعاليات معرض الكتاب في نهاية سنوات الثمانينيات.. يومها أمسكت بفخر بالميكروفون وقلت وصوتي يدوي فرحا: أحييكم من معرض القاهرة الدولي للكتاب ومضيت أعرض لبرنامج المعرض اليومي الذي كانت تبثه( الجريدة الثقافية) تحت إشراف الشاعر الكبير فاروق شوشة.. الأجنحة العربية والأجنبية, والشرقية علي وجه الخصوص تتجه اليها الأبصار, ربما لاننا نشتاق الي الارتواء بمياه ثقافية مختلفة عن المياه المصرية.. الاحتفاء بالكتاب.. بعادة القراءة والاطلاع في مجتمعات لا تقرأ ولا تكاد تعير القراءة أهمية يحتاج الي جهد كبير ومتواصل.. جهد تبذله الأسرة والمدرسة والمجتمع معا وأحسب أن معرض الكتاب يمكن أن يلعب دورا فعالا هنا.. حقا لقد تحول المعرض في السنوات الأخيرة الي( سوق عكاظ) يبيع كل شيء وأي شيء.. أطعمة.. حلويات.. لعب أطفال.. أدوات مدرسية.. كتب خارجية.. أشرطة.. وفي الهامش وعلي استحياء شديد يقف الكتاب في خجل فوق أرفف الأجنحة العربية والمصرية والأجنبية يكاد يستجدي من الجمهور شراءه! المعرض يحتاج من وزير الثقافة الدكتور عماد أبو غازي وقفة جادة وحاسمة.. ويحتاج أيضا.. وهو الأهم هنا.. إلي تضافر الجهود من قبل المعنيين بقضية الثقافة, كي ينهض من جديد من كبوته.. وتبقي نقطة مهمة هنا ينبغي التوقف عندها, الا وهي محاولة الخروج من( المركزية), أعني الاهتمام فقط بالقاهرة والاكتفاء بتفعيل الأنشطة الثقافية في ربوعها بوصفها العاصمة.. المحافظات والأقاليم بحاجة أيضا إلي الاهتمام بأحوالها الثقافية, والدعوة إلي اقامة معرض كتاب في شتي محافظات مصر, معرض محلي وليس دوليا جديرة حقا بالدراسة, خاصة وأن جمهور القراءة هناك ليس بالقليل, ولديه شغف جارف للقراءة والثقافة, وربما يساعد ذلك علي انتعاش سوق الكتاب وتقليل حجم الخسائر التي تعاني منها دور النشر خاصة الصغيرة منها.. قرار إلغاء معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام والذي أصدره وزير الثقافة مؤخرا يبعث إلي الحزن بالتأكيد ولكن ربما تكون فرصة لاعادة ترتيب الأوراق من جديد والنظر بجدية في أحوال وشئون المعرض.. معرض الكتاب.. اشتقنا إليك!