أقدمت السلطات السويسرية علي تجميد الحسابات المصرفية زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية المخلوع ويمتد القرار ليشمل أفراد أسرته. ومثل هذا القرار يفتح الباب أمام مجموعة من التساؤلات ومن أهمها, وما جدوي القوانين التي تحمي سرية الحسابات المصرفية؟ وكانت البنوك أو المصارف السويسرية قد تمكنت من الفوز في القرن الثامن عشر بقانون يحمي سرية الحسابات, ويحرم علي المسئولين بالبنوك الكشف عن أي معلومات حول حسابات العملاء أيا كانت جنسياتهم أو مصادر أموالهم. ونص القانون علي اعتبار أي خروج علي هذا القانون جريمة لابد أن يعاقب من يرتكبها. وكان وصول أودولف هتلر إلي قمة السلطة في ألمانيا عام1933 مرتبطا ببدء مرحلة من الضغوط الهائلة علي البنوك السويسرية لمعرفة من هم الألمان الذين لهم حسابات بهذه البنوك. وقد لجأ المسئولون بكل السبل المتاحة لمقاومة هذه الضغوط محتمين بحياد سويسرا أو بنصوص القانون. وخلال هذه المرحلة تمكنت الأجهزة الأمنية الألمانية القوية من معرفة بعض أسماء من بين أصحاب الحسابات, وكل ذلك مقدمة لإعدام ثلاثة منهم. ولم تتوقف عمليات التجسس الألمانية وفي الوقت نفسه قررت الحكومة الألمانية تجميد كل أموال البنوك السويسرية التي كانت موجودة بألمانيا. وواجهت السلطات السويسرية هذه المحاولات بالإقدام علي مزيد من التشدد لفرض الاحترام لقانون سرية الحسابات المصرفية. وكانت الخطوة الثانية احترام القانون والحفاظ علي نهج السرية الذي أكسب البنوك السويسرية سمعتها الكبيرة ووفر للاقتصاد موارد هائلة أسهمت في تطوره والحفاظ علي إيقاع نموه. وللمرة الثالثة, يعود البرلمان السويسري في بداية الأربعينيات لمناقشة قانون سرية الحسابات المصرفية وقواعد التعامل ونظم الأداء. وبعد عدة عقود بدأت منظمات ومؤسسات دولية تطالب بإلغاء هذا القانون الأخير ومن الممكن أن نقول إن هذه المطالبات وراءها أهداف لا يبدو منها إلا قممها مثل جبال الجليد العائمة. ومن المعروف أن البنوك السويسرية لا تنفرد بميزة الحسابات السرية, فهناك دول أخري منها النمسا ولوكسمبورج وجبل طارق ولخيتنشتاين في أوروبا وهونج كونج وسنغافورة في آسيا ومجموعة من البنوك بدول الكاريبي في مقدمتها جزر كايمان ولكن سويسرا تمكنت من احتلال مكانة متميزة لعراقة هذا المبدأ بها, ونجاحها في حمايته بالنصوص القانونية منذ القرن الثامن عشر وحتي الآن. ووفقا للتعديل الأخير الذي يعد التطوير الثالث, يعاقب بالسجن لمدة تتجاوز ستة أشهر كل من يفشي أي سر عن حسابات أحد العملاء, ويمكن زيادة هذه المدة إذا كانت الأضرار التي لحقت بالعميل جراء الكشف عن حساباته قاسية أو بالغة القسوة. وبدأت المرونة السويسرية في الاستجابة لبعض الضغوط في النص القانوني الذي يجيز للسلطات القضائية رفع السرية عن بعض الحسابات إذا تعلق الأمر بجرائم مالية أو غسل أموال أو اختلاسات أو نزاعات حول الثروة أو في حالة الملاحقات القضائية المرتبطة بالتهرب من الضرائب. وتواجه السلطات السويسرية حالات حكام العالم الثالث الهاربين أو المخلوعين بمرونة في حماية النص الذي يسمح للقضاء بالكشف عن الحسابات المرتبطة بجرائم, باعتبار أن أموال الديكتاتور المهربة قد تكدست نتيجة جرائم نفاذة الرائحة. وكنتيجة لإعمال هذا النص جمدت السلطات السويسرية حسابات الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.