في رائعة المبدع يوسف إدريس الحرام كانت كل الجرائم تدون ضد مجهول بعد عجز أجهزة الشرطة عن التوصل إلي الفاعل الحقيقي الأمر الذي دفع احد الفلاحين البسطاء الي القول هو مجهول ده هيشيل إيه ولا إيه.. ربنا يكون في عونه.. ربما يتبادر هذا المشهد تلقائيا الي الذهن مباشرة عند مطالعة أوراق القضية رقم37 لسنة2004 والخاصة بفقد38 قطعة ذهبية أثرية نادرة من المتحف المصري لا تقدر بأي ثمن فالقطع النادرة ضاعت في غفلة من الزمن وتم وضعها في كراتين للمياه المعدنية, ليتم بعدها إحالة17 موظفا ومسئولا للنيابة الإدارية التي باشرت تحقيقاتها وأحالت بدورها الموظفين إلي المحكمة التأديبية تمهيدا لمحاكمتهم بعد تقاعسهم وإهمالهم لتصدر المحكمة حكمها بمعاقبة المحالين بالخصم من رواتبهم بنسب متفاوتة بينما يظل مصير القطع المفقودة في طي الغيب وليتحمل مسئولية سرقتها هذا المجهول الذي عجزت التحقيقات عن الوصول إليه. هذه واقعة من بين مئات وقائع الفساد التي تدورفي قطاع الاثار والتي رصدها التقرير الذي اصدرته مؤسسة ملتقي الحوار للتنميه وحقوق الانسان بالمستندات الموثقة باحكام قضائيه او تحقيقات النيابه الاداريه والاوراق الصادرة من اروقة المجلس الاعلي للاثار والتي يحمل بعضها في طياته شبهات بالفساد او تواطؤات ما لاخراج قرارات من اجل مصلحة اشخاص بعينهم. ومن اهم هذه المخالفات تبديد اموال الدولة علي مشروعات المجلس بدون مبررات مقنعة الا مبرر واحد وهو ان مال الدولة مال سائب مثلما حدث عند ترميم مساجد رشيد حيث بلغت قيمة فك التجهيزات الصحيه والكهربائيه والتي قامت بها شركة مقاولات خاصه11 مليون جنيه في حين ان مقايسة جامعة القاهره اكدت ان التكلفه الفعليه39 الف جنيه فقط, وهو ما تكرر في مشروع توثيق وترميم قصر اسماعيل المفتش والتي بلغت تكلفته حوالي19 مليون جنيه.. ويبدو ان ما جري في مشروعي ترميم قصر اسماعيل المفتش ومساجد رشيد ما هما الا حلقتين صغيرتين في مسلسل طويل يجري تنفيذه داخل قطاع المشروعات بشان اي مشروع ترميمي وكأن هناك حالة فوضي مالية تحكم القطاع والا ما تم تخصيص مبالغ مالية كبيرة لبنود من الممكن ان تتم بمبالغ اقل بكثير.. ولعل ما شهده مشروع ترميم منزل عبد الواحد الفاسي الاثري وكذلك مشروع درء الخطورة في سبيل وكتاب احمد باشا طاهر يؤكد ذلك.. فالشركة التي تولت تنفيذ المشروع الأول لم تكتف بإدراج مبالغ مالية باهظة لبنود المشروع وانما أدرجت نفس البنود في المشروع الثاني رغم وجود مقاول سنوي كان من الممكن ان يسند اليه هذا المشروع وفقا للقانون, وبأسعار أقل بكثير وفقا لتأكيد مصادر داخل قطاع المشروعات اشارت الي انه في حالة حدوث انهيار جزئي بسقف الأثر أو بعض التصدعات والشروخ فانه يتم اللجؤ الي المقاول السنوي المتعاقد علي القيام باعمال هذه المنطقة لكي يقوم باعمال درء الخطورة والتامين.. ولكن يبدو انه مسلسل طويل يحمل عنوان اهدار المال العام رغم انف الجميع... فلا يتم استعراض حلقة من هذا المسلسل الا وتظهر حلقة اخري, فعلي الرغم من ان الشركة التي تولت تنفيذ مشروع ترميم مسجد مصطفي ميرزا هي نفسها التي تولت تنفيذ مشروع ترميم سبيل وكتاب عبد الواحد الفاسي, إلا إنه يوجد اختلاف واضح في قيمة اسعار نفس البنود الواردة في المشروعين علما بانهما اسندا للشركة خلال فترة زمنية واحدة مما يثير العديد من علامات الاستفهام؟ وأكد سعيد عبد الحافظ رئيس مؤسسة ملتقي الحوار بأن الافواه كانت مكممة في عهد حواس حيث كاد تصريح بسيط ان يطيح بموظفين وراء الشمس عندما ادلي نور عبد الصمد المشرف علي تطوير المواقع الاثرية ومحمود ياسين شهبو مدير عام اثار منطقة مارينا بتصريحات تنتقد ملابسات استعادة الاثار المصرية من إسرائيل, منتقدين في ذلك الدكتور محمد عبد المقصود الذي يشغل منصب مدير اثار الوجه البحري وكان مسئولا عن استرداد الاثار المصرية, كما قاما بتقديم شكوي لحواس حول بعض الجوانب التي تتعلق بالشان الوظيفي لنفس الشخص.. ورغم ان حرية الراي والتعبير مكفولة وفقا لاحكام الدستور والقانون الا ان قيادات مجلس الاثار تري انها فوق النقد.. لذا كان قرار زاهي حواس بتحويل كل من نور وشهبو الي النيابة الادارية التي احالتهما الي المحاكمة التاديبية والتي ردت اليهما اعتبارهما. ايضا نجد ان التسويف هو احد اوجه الفساد المتعددة سواء كان في اتخاذ قرار او تنفيذه.. حيث يمنح الفرصة ويفتح الابواب امام التلاعب, وهذا ما كان حاضرا في منطقة وادي النطرون في محافظة البحيرة حيث يقع دير الانبا مقار والذي يبدو انه سيشهد سيناريو مكررا من سيناريو دير ابو فانا بملوي لوجود خلاف يمتد لأكثر من عشر سنوات علي مساحات شاسعة من الاراضي بين احد المستثمرين ورهبان الدير الذين يؤكدون ان هذه المساحات تدخل ضمن نطاق ارض اثرية تتبع الدير في الوقت الذي يرفض فيه المستثمر ترك الارض بينما يقف المجلس الاعلي للاثار موقف المتفرج مكتفيا بإصدار قرارات ثم التراجع عنها ثم اصدار قرارت لم تنفذ حتي كتابة هذه السطور. ويضيف عبد الحافظ ان المجلس الاعلي للاثار عندما انشيء بالقرار الجمهوري رقم82 لعام1994 كان من بين حيثيات انشائه اصدار التوجيهات والقرارات اللازمة لحفظ وحماية الاثار من مختلف العصور وليس المساهمة في تدمير هذه الاثار كما يتصور بعض قيادات المجلس الذين ساهموا من خلال الموافقات التي منحوها للشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الاراضي علي مساحة26 الف فدان شرق مدينة العياط وتحديدا بالقرب من منطقة اللشت الاثرية الواقعة جنوب منطقة آثار سقارة. ورغم ان الشركة حصلت علي هذه المساحة بغرض الاستصلاح والزراعة الا ان نشاطها فيما بعد كشف عن ان الاستصلاح والزراعة ما هو الا ستار لأهداف اخري كان من بينها تدمير آثار المنطقة ان لم يكن الاستيلاء عليها وكذلك الصمت المشبوه عن ممارساتها التدميرية في الحاق اضرار جسيمة باهم منطقة اثرية مصرية علي الاطلاق والتي تعد جزءا من جبانة منف المسجلة كمحمية اثرية نظرا لما تحويه من اهرامات ومقابر تؤرخ لحقبة مهمة من تاريخ مصر.