إحدي أسوأ ممارسات النظام السابق, كانت اختزال الأقباط علي مختلف توجهاتهم وتنوعاتهم في الكنيسة, وتحديدا البابا شنودة, وحصر الشأن الإسلامي المتعدد الرؤي والتيارات في مؤسسة واحدة بل في قيادتها فقط. هذه السياسة المتعمدة أدت إلي تسييس الدين وتديين السياسة علي عكس ما كان يروج النظام ويتحدث عن المواطنة والدولة المدنية, والأخطر أنها ساهمت في ابعاد فئات عديدة من المسلمين والأقباط عن الشأن العام, وأضرت بصورة رجال الدين الرسميين خاصة المسلمين, وصورتهم علي أنهم تابعون للسلطة. كان من المفروض أن تنتهي هذه الرذيلة بعد الثورة وينتهي معها التعامل مع المصريين باعتبارهم أعضاء في طائفة أو ملة وليسوا أبناء وطن. لكن الشواهد لاتبشر بذلك, فقد شهدت الأيام الماضية تغولا لرجال الدين من الجانبين بصورة غير مسبوقة تنذر بمخاطر شديدة علي البلاد والعباد والثورة أيضا. ماذا يعني ان يتوقف الشيوخ والقساوسة تقريبا عن الحديث في القيم والمباديء الدينية ويتفرغون للافتاء السياسي والمناداة بمطالب أبناء دينهم السياسية وليس الدينية فقط؟ وماذا يعني أنه عندما تثور مشكلة يسارع كبار المسئولين بلقاء البابا, وكأنه ليس هناك سياسيون أو نشطاء و مفكرون أقباط؟ وما هو التفسير للسباق بين شيخ الأزهر والمفتي علي الحديث في السياسة والمادة الثانية من الدستور؟. وعندما يسيطر الشيخ عبود الزمر علي الأثير وعلي مساحات كبيرة بالصحف لعدة ايام متحدثا بنفس الأفكار والمقولات التي سادت قبل03 عاما, وكأن الزمن عاد بنا الي ايام العنف والتشدد والخلاف الديني, فلنا ان نسأل اين الدولة المدنية التي نتغني بها منذ قيام الثورة؟. ثم ماذا تشعر وأنت تقرأ وصف الداعية السلفي محمد حسين يعقوب للاستفتاء علي التعديلات الدستورية بأنه غزوة الصناديق وقوله في احدي خطبه: مش زعلانين من اللي قالوا لا, بس عرفوا قدرهم ومقامهم وعرفوا قدر الدين؟.. ماعلاقة الدين بالاستفتاء يامولانا؟ ولماذا الهجوم غير المباشر علي الأقباط بالقول: اللي مش عاجبه يروح أمريكا وكندا؟ بالطبع ليس من العدل وضع البيض كله في سلة واحدة والمساواة بين المعتدلين والمتشددين, لكن وقوف رجال الدين وقيادات التيارات الدينية في صدارة المشهد لدرجة انهم كادوا ان يحجبوا الناس عن رؤية الآخرين, يثير الشك حول هوية من قاموا بالثورة بل وهوية الثورة ذاتها.. هل هي ثورة مدنية ديمقراطية أم دينية محافظة؟ بالتأكيد لسنا بصدد ثورة تنزلق يوما بعد يوم لأن تكون علي الطراز الخوميني لكن مايحدث حاليا يدق أجراسا عنيفة ويجعلنا نطالب جميع رجال الدين علي مختلف هوياتهم وتنوعاتهم بأن يرفعوا أياديهم عن الثورة وعن مصر. المزيد من أعمدة عبدالله عبدالسلام