السيسي يضع إكليلًا من الزهور على النصب التذكاري للجندي المجهول بمناسبة عيد تحرير سيناء    جامعة المنصورة تستقبل وفدا من مركز القياس والتقويم بوزارة التعليم العالي    «النواب» يبدأ الاستماع لبيان وزير المالية حول الموازنة العامة الجديدة    وزير التجارة: حريصون على تقديم كافة أشكال الدعم لتعزيز نفاذ الصادرات للأسواق الخارجية    وزير النقل والسفير الفرنسي يتابعان مستوي الخدمات بالقطار المكهرب    الرقابة المالية تصدر قرارًا بشأن إعادة تقييم الأصول الثابتة للشركات المقيدة    تنظيم الاتصالات يقر مواعيد العمل الصيفية لشركات المحمول    تعرف على موعد الإجازة الرسمية بمناسبة عيدي العمال وشم النسيم    محافظ أسيوط يفتتح مركز معلومات شبكات المرافق والبنية التحتية    إنقاذ سفينة و طاقمها من الغرق قبل عبورها قناة السويس    وزير الخارجية: لا بديل عن حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي    انتهاك صريح للقانون الدولي والقيم الإنسانية.. "عربية النواب" تنتقد المجازر الإسرائيلية في غزة    موعد مباراة الأهلي وبو سالم في نهائي إفريقيا للكرة الطائرة.. والقناة الناقلة    اتحاد الكرة يستدعى لاعب المصرى 2003 ومسئولى إنبى للتحقيق فى شكوى التزوير    جيسوس يعيد بونو ويستبعد كوليبالي من مواجهة العين في نصف نهائي أبطال آسيا    محافظ شمال سيناء يعلن بدء طرح مشروع إسكان مدينة رفح الجديدة    مفاجآت في تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي بدوري أبطال أفريقيا    أثليتك: إيمري يمدد عقده مع أستون فيلا إلى 2027    هيئة الأرصاد: ذروة ارتفاع الحرارة غدًا الأربعاء ومستمرة حتى الخميس    انتشال جثة شاب طافية بنهر النيل في أسيوط    11 معلومة مهمة من التعليم للطلاب بشأن اختبار "TOFAS".. اعرف التفاصيل    مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع بمساكن عثمان في أكتوبر    تأجيل نظر 3 قضايا قتل والبراءة لآخر بمركز بني مزار في المنيا    مي عمر تكشف عن مفاجأة في رمضان 2025 (تفاصيل)    فيلم يقفز بإيراداته إلى 51.3 مليون جنيه في 13 يوم.. تعرف على أبطاله وقصته    هل يستمر عصام زكريا رئيسًا لمهرجان الإسماعيلية بعد توليه منصبه الجديد؟    وفاة السيناريست تامر عبدالحميد بعد صراع مع مرض السرطان    احذر- الإفراط في تناول الفيتامينات يهددك بهذه الحالات المرضية    رئيس جامعة عين شمس والسفير الفرنسي بالقاهرة يبحثان سبل التعاون    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    ناتاليا: درسنا أبيدجان جيدًا وهدفنا وضع الأهلي في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    رفع 40 سيارة ودراجة نارية متهالكة بمختلف المحافظات    "ضربها بمزهرية".. تفاصيل مقتل مسنة على يد سباك بالحدائق    غرق شاب في ترعة أخميم بسوهاج    عبدالرحمن مجدي: مباراة الاتحاد بداية تحقيق طموحات جماهير الإسماعيلي    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    متحدث وزارة العمل: تعيين 14 ألف شخص من ذوي الهمم منذ بداية 2023    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    البرلمان يحيل 23 تقريرا من لجنة الاقتراحات والشكاوى للحكومة لتنفيذ توصياتها    وزير الصحة: التوسع في الشراكة مع القطاع الخاص يضمن خلق منظومة صحية قوية    تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية من ارتفاع درجات الحرارة ونصائح الوقاية في ظل الأجواء الحارة    إطلاق قافلة طبية مجانية في قرى مرسى مطروح.. اعرف الأماكن والتخصصات    بمناسبة اقتراب شم النسيم.. أسعار الرنجة والفسيخ اليوم الثلاثاء 23/4/2024    رئيس الأركان الإيراني: ندرس كل الاحتمالات والسيناريوهات على المستوى العملياتي    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    شعبة الأدوية: انفراجة في توفير كل أنواع ألبان الأطفال خلال أسبوع    نيللي كريم تثير فضول متابعيها حول مسلسل «ب100 وش»: «العصابة رجعت»    طلاب الجامعة الأمريكية يطالبون الإدارة بوقف التعاون مع شركات داعمة لإسرائيل    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    الدفاعات الأوكرانية: دمرنا جميع الطائرات المسيرة التي أطلقتها موسكو خلال الليل    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 23-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بدرية طلبة تحتفل بحنة ابنتها سلمى على الطريقة الهندية    "بأقل التكاليف"...أفضل الاماكن للخروج في شم النسيم 2024    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكنيسة والقانون ..والزواج:
الأسرار والتأويل والتعبئة الدينية
نشر في أخبار الأدب يوم 19 - 06 - 2010

هل رفض الكنيسة الأرثوذكسية للأحكام القضائية النهائية في دعاوي التطليق يعد جديداً؟ أم هي ظاهرة وما أسبابها وما دلالاتها؟
هل أحكام المحاكم تشكل تدخلاً في شئون العقيدة المسيحية الأرثوذكسية؟
لماذا يلجأ بعض الأساقفة، والأكليروس إلي تعبئة بعض المجموعات القبطية للتظاهر في الكاتدرائية المرقسية، أو في بعض دور العبادة لمناصرة مواقفهم؟
لماذا يلجأ البطريرك للإشارة إلي بعض المفاهيم الفقهية الإسلامية كمفهوم أهل الذمة التاريخي لدعم موقفه في مسألة الأحوال الشخصية؟
ما موقف المؤسسة من مسألة الدولة الحديثة وسيادة القانون؟
ما معني هذا التوصيف الجديد الذي يطرحه بعض الأساقفة حول أن الدولة المصرية تعد دولة مدنية بمرجعية دينية علي نحو ما يطرحه بعض الإسلاميين السياسيين وجماعة الإخوان المسلمين؟
ما سبق من أسئلة لا تعدو كونها جزءاً من تيار متدفق ومتنام من أسئلة كبري، ونوعية تطال علاقة الدين والدولة، والأحري القول أن العلاقات بين الفاعلين السياسيين والدينيين علي الدين وبه في السياسة والتشريع، وفي تنظيم أنماط الحياة الاجتماعية، والعلاقة بين الفضاءات السياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، وبين الأديان علي اختلافها في بلادنا.
ما نشهده من تعارضات، وتناقضات، وتوترات بين المؤسسة المسيحية الأرثوذكسية، مع بعض سلطات وأجهزة الدولة المصرية هي أعراض لإستخدام الدين في العمليات السياسية، وفي التعبئة الاجتماعية، بل وفي التحريض المتبادل بين الصفوة السياسية الحاكمة، وبين بعض القوي والجماعات الإسلامية السياسية. من ناحية أخري استخدام السلطة وأجهزة الدولة والصفوة الحاكمة للمؤسسة الدينية الإسلامية والمسيحية في عديد من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإبداعية، وذلك وفق مقتضيات الحال، ولاسيما في بعض الأزمات، وإزاء بعض القوي والجماعات الدينية السياسية، أو المثقفين والمبدعين ... إلخ.
ثمة خلل بنيوي في تنظيم عديد المجالات والفضاءات، والسعي للقضاء علي الهوامش المستقلة نسبياً لكل فضاء عن الفضاءات الأخري، أي بين السياسي والديني، والديني والثقافي، والديني والتشريعي، والديني والاقتصادي وهكذا!
اختلاط الفضاءات، والخلط فيما بينها، وتداخل الديني في السياسي والثقافي والتشريعي عبر فاعلين عديدين، بات أحد أكبر علامات الاختلال البنيوي في الدولة، والسياسة، والمجتمع، والمؤسسات الدينية، علي نحو بات يشكل علامة علي أنماط من التآكلات والفوضي النسبية في الدولة / الأمة المصرية الحديثة من ناحية، وتعبر من ناحية أخري عن خضوع الديني كأداة في أيدي فاعلين سياسيين واجتماعيين، يتلاعبون به في نطاق منظومات وآليات السيطرة والأحري الهيمنة الرمزية لإبقاء الأوضاع علي ما هي عليه، وإعادة إنتاج هذه الأطراف _ السلطة الحاكمة وأجهزتها، والمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، وجماعة الإخوان ونظائرها وأشباهها ... إلخ _ لمصالحها السياسية والاجتماعية، وللأوزان السياسية النسبية لكل من هذه الأطراف علي الخريطة السياسية / الدينية المصرية.
أوضاع من الخلط والفوضي النسبية بين المجالات في نطاق أزمة شرعية سياسية متفاقمة ومستمرة، وحراك اجتماعي وسياسي معاق بنيوياً _ سياسياً وأمنياً وفكرياً -، واحتقانات وأزمات سريعة ومتواترة ومتكالبة علي جسد وروح وقيم الدولة / الأمة الحديثة.
ثمة أزمة تاريخية وبنيوية في تركيبة نظام يوليو 1952 تمس مسألة مشاركة وتمثيل الأقباط في المؤسسات والهياكل السياسية للدولة المصرية وتحديداً علي مستوي إعمال مبدأ المواطنة والمساواة في الفرص السياسية والمصالح، وتمثيل الطيف الاجتماعي / السياسي للأقباط، وتحديداً شرائح الفئات الوسطي القبطية في مؤسسات المشاركة السياسية، وذلك كنتاج لعديد الأسباب نذكر بعضها تمثيلاً لا حصراً فيما يلي:
1-عدم تمثيل الأقباط في تركيبة تنظيم الضباط الأحرار إلا من خلال ضابط برتبة ملازم من الصف الثالث.
2-تصفية الطبقة السياسية القبطية، ولاسيما في ظل قوانين التأميم، والإصلاح الزراعي علي اختلافها، ومعها الحياة الحزبية التعددية شبه الليبرالية، ولصالح ثقافة سياسية تسلطية وقمعية.
3-فشل كافة محاولات التمثيل الشكلي للأقباط في البرلمان، من نظام الدوائر المغلقة إلي نظام تعيين الأعضاء العشر _ من الأقباط ثم الكفاءات والنساء _ المخصص لرئيس الجمهورية في غالب دساتير الجمهورية!
4-تزايد عمليات أسلمة السياسة، واستخدام الدين كقناع في العمليات السياسية السلطوية، إزاء خصوم النظام ومعارضيه من ناحية _ من السادات إلي الآن _ وفي محاولة علاج الخلل في نظام ومصادر الشرعية السياسية.
5-شيوع ظواهر أسلمة الفضاءين العام والخاص من خلال نشاط القوي الإسلامية السياسية، والسلفية علي اختلافها، بحيث أصبح الخطاب اليومي، واللغة والرموز وأنظمة الزي، وغيرها من أنماط السلوك والعلامات، تشير إلي هيمنة دينية رمزية علي غالب الفضاءات في الدولة وأجهزتها، وفي الحياة العامة، وفي المنازل، والحياة الخاصة لآحاد الناس وغالب جموعهم، ولم يعد الأمر قصراً علي المسلمين المصريين، وإنما نجد بعضاً من نظائره وأشباهه _ بدلالات ورموز وعلامات أخري _ بين المسيحيين المصريين.
6-أسلمة اللعبة السياسية والعمليات الانتخابية _ علي مستوي الشعارات والبرامج والمرشحين _ والاستثناءات المسيحية نادرة واستثنائية - مما ولدّ شعوراً جمعياً بأن ثمة تمييزاً ممنهجاً إزاء الأقباط في مصر.
7-اعتماد الصفوة السياسية الحاكمة، وأجهزة النظام علي المؤسسة الدينية الأرثوذكسية _ وعلي رأسها البطريرك وكبار الأساقفة وبعض أتباعهم من الأكليروس، أو "العلمانيين" من غير رجال الدين _ في ترشيح بعض الأقباط من الموالين في تعيينات مجلسي الشعب والشوري أساساً. ويمكن أن نلاحظ أيضاً أن عمليات الاستبعاد الممنهج للأقباط من الحياة السياسية، وأسلمة وتداخل الدين في الفضاء العام أدت إلي تمدد دور الكنيسة القبطية في حياة المسيحيين - الأرثوذكس تحديداً _ في مجالات تتجاوز الحياة الدينية والروحية لهم كمواطنين، وإنما باتت تتعاون مع أجهزة الدولة التي تعتبرها الممثل الرئيس للأقباط ومصالحهم ومشاكلهم علي اختلافها. تزايد حضور البطريرك والأساقفة السياسي سواء في طرح خطابهم الديني والسياسي في عديد القضايا علي نحو ما تحفل به ملفات الصحف، وأرشيف الأجهزة الإعلامية علي اختلافها. أدي هذا الدور المتزايد للبطريرك وقادة الأكليروس، إلي عديد النتائج، يمكن إبراز بعضها تمثيلاً لا حصراً فيما يلي:
1-تهميش دور الأقباط في الحياة السياسية والعامة في مصر وحصر الكلمة الفصل في شئون الأقباط للبطريرك، وكبار الأساقفة ذوي النفوذ.
2-بناء شبكة من التحالفات بين بعض النشطاء الأقباط في المهجر، وبين الكنيسة، وبين بعض النشطاء الذين يقدمون أنفسهم في الحياة العامة بوصفهم معبرين عن الكنيسة.
3-تدخل المؤسسة الدينية كطرف مؤيد للحزب الحاكم، أو لأمور سياسية حساسة تتصل بمستقبل الخلافة السياسية في البلاد، ومن ضمنها إشارات حول ما يسمي بتوريث السلطة، علي نحو اعتبرته أطراف معارضة وإسلامية بمثابة اصطفاف وتحالف بين الكنيسة والنظام والسلطة الحاكمة. بقطع النظر عن مدي صوابية هذه الوجهة من النظر إلا أنها تمثل مادة تعبوية لدي بعض الأطراف السياسية الإسلامية _ الإخوان ونظراتهم وأشباههم _ في التعبئة الدينية المضادة.
4-ميل القيادة الكنسية إلي دعم السلطة الحاكمة وأجهزتها بهدف إنجاز بعض المصالح القبطية العامة، وهو ما ولدّ شعوراً شبه جماعي لدي غالب الأقباط بأن الكنيسة هي أداة وقناة التعبير عن المصالح والصوت المسيحي عموماً، والأرثوذكسي علي وجه الخصوص وهو ما ولد انطباعاً لدي غالب المصريين شاع بأن الأقباط يمثلون كتلة دينية مندمجة ومصطفة وراء البطريرك والكنيسة.
استفادت القيادة الكنسية ببراعة من أزمة التطور الديمقراطي المعاق، ومن حالة الجمود السياسي / الجيلي، وتزايد عمليات وظواهر واستعراضات الأسلمة السياسية والرمزية، وهيمنة الحركة السلفية علي المجال العام.
استطاعت الكنيسة الأرثوذكسية أن توظف اصطفاف غالبية الأقباط وراءها، في توظيف فائض التدين المسيحي في دعم أوراق القوة التمثيلية والتفاوضية لديها مع السلطة الحاكمة، وفي توظيف بعض المجموعات القبطية المهجرية وخطابها الحقوقي والتعبوي والاحتجاجي في دعم أرصدتها في المساومة السياسية مع النظام.
ما سبق محضُ أساسيات لتفهم بعض جذور عمليات التضاغط والاحتقانات المتزايدة بين الكنيسة والسلطة السياسية وأجهزتها علي اختلافها، حيث لم تعد الأمور تدار بمنطق وقوانين وأدوات وآليات الدولة / الأمة _ التي كانت -، وإنما بين أطراف فاعلة، كل منها يوظف أوراق القوة في المساومات السياسية بامتياز _ مع الاحترام لكافة الأطراف _ القيادة الكنسية تري أن الشأن الديني هو نطاق سلطتها المطلقة، فهي المنوط بها تحديد أمور العقيدة ومنظوماتها ولاهوتها، ومن أبرز مجالاته الأحوال الشخصية، وتحديد الزواج والطلاق.
السلطة السياسية وأجهزة الدولة الأمنية تميل إلي المساومة في مقابل تهدئة الأقباط، والإشارة إلي إعادة طرح ومناقشة مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد.
من الجدير بالتأمل ملاحظة أن ثمة تأييداً لموقف الكنيسة القبطية من قبل بعض الجماعات والنشطاء الإسلاميين بخصوص الموقف من مسألة الطلاق وعدم السماح به إلا لعلة الزنا علي خلاف نصوص لائحة الأقباط الأرثوذكس لسنة 1938، تأسيساً علي أن العقيدة الأرثوذكسية والكتاب المقدس ينص علي أن لا طلاق إلا لعلة الزنا.
هذا الدعم والتأييد الديني / السياسي هو تعبير عن أشكال من التساند الذي يرمي إلي تبرير كل طرف للهيمنة الرمزية / التأويلية علي مجال العقيدة، والأحوال الشخصية.
يشكل رفض البطريرك الأرثوذكسي، وبعض الأساقفة والمجمع المقدس لحكم المحكمة الإدارية العليا، استمراراً لظاهرة دينية / سياسية وصفها البعض بأنها حالة سياسية للكنيسة ضد الدولة، والبعض الآخر بأنها الكنيسة ضد القضاء وقانون الدولة، وذهب معلقون ونشطاء آخرون الي إعادة إنتاج توصيف خطير طرحه بعض الإسلاميين السياسيين بأنها حالة دولة داخل الدولة في أعقاب حادثة تسليم السيدة وفاء قسطنطين إلي الكنيسة بعد إعلان إسلامها، وفي بعض الوقائع الأخري.
التوصيفات السابقة رد عليها بعض الأساقفة بالقول إنها ليست دقيقة، وإن الكنيسة ليست دولة داخل الدولة، وإنها تخضع للقانون فيما لا يمس العقيدة الأرثوذكسية، ونصوص الأنجيل.
أيا كانت دقة التوصيفات السابقة، والرد عليها، إلا أنها أوصاف وُلدِت من رحم الاختلالات في علاقة الدين بالسلطة والمؤسسات المسيحية والإسلامية، ومن علاقة القانون والقضاء بالدين، ومن أزمات بنيوية في علاقة الأقباط بالسلطة وأجهزتها والقانون والقضاء.
موقف البابا شنودة الثالث من مسألة الطلاق، ليس جديداً، وإنما يرجع للفترة التي شغل فيها موقع أسقف البحث العلمي في ظل مرحلة البابا كيرلس السادس، حيث درّس مادة الأحوال الشخصية في شريعة الأقباط الأرثوذكس، لطلاب الكلية الإكليركية، والتي رفض فيها بعض أسباب الطلاق التي وردت في لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس لسنة 1938 السابق الإشارة إليها.
يبدو أن هذا الاتجاه لدي البطريرك هو الذي ساد لدي المجمع المقدس، وخاصة أن الغالبية الساحقة من أعضائه جاءوا في ظل توجهاته واختياراته اللاهوتية والتأويلية وتعاليمه المعبر عنها في خطابه الديني علي اختلافه.
ومن المقرر في فقه القانون المدني المصري _ وشراحه من أساتذة القانون والقضاة مسلمين ومسيحيين _ أن "الشريعة المسيحية باختلاف مذاهبها لا تعرف الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج، كما هو الشأن في الشريعتين اليهودية والإسلامية. والزواج لا ينحل في الشريعة المسيحية إلا لأسباب محددة، ولابد من صدور قرار بانحلاله من السلطة التي تهيمن علي علاقات الأسرة سواء كانت هي سلطة الكنيسة أم سلطة الدولة، وهي في مصر سلطة الدولة ممثلة في القضاء. ويطلق علي انحلال الزواج في هذه الحالة اصطلاح التطليق، ومع ذلك فإن اصطلاح الطلاق يجري استعماله كمرادف لاصطلاح التطليق وهو غير دقيق".
(أنظر سمير عبد السيد تناغو، أحكام الأسرة للمصريين غير المسلمين، ص 335، طبعة جديدة، الناشر منشأة المعارف بالإسكندرية 2001).
وضع المجلس الملي لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، وصدرت في 9 مايو 1938، وعمل بها من 8 يوليو 1938، ويذهب فقيه القانون المدني البارز سمير عبد السيد تناغو في مؤلفه سابق الذكر إلي أنه "ويلاحظ أن الكنيسة الأرثوذكسية، تنكر منذ أكثر من ربع قرن الأسباب العديدة للتطليق الواردة في هذه المجموعة وتعتبرها مخالفة لأحكام الأنجيل وأقوال السيد المسيح التي لا تجيز الطلاق إلا بسبب الزنا. ومع ذلك فإن محكمة النقض، قررت في الكثير من أحكامها أن الشريعة المسيحية واجبة التطبيق، ليس فقط ما ورد في الكتب السماوية بل يشمل أيضاً ما كانت تطبقه المجالس الملية قبل إلغائها.
وذهب أيضاً إلي أنه "وبمقتضي هذا الاعتراف فإن هذه المجموعة أصبحت قانوناً قضائياً وضعياً مصدره الأحكام المتواترة لمحكمة النقض". (أنظر المرجع سابق الذكر، ص 525).
حددت اللائحة في الباب الثاني المعنون في الطلاق، وفي الفصل الأول في أسباب الطلاق ما يلي:-
"50- يجوز لكل من الزوجين أن يطلب الطلاق لعلة الزنا".
"51- إذا خرج أحد الزوجين عن الدين المسيحي وانقطع الأمل من رجوعه إليه جاز الطلاق بناءً علي طلب الزوج الآخر".
"52- إذا غاب أحد الزوجين خمس سنوات متوالية بحيث لا يعلم مقره ولا تعلم حياته من وفاته وصدر حكم بإثبات غيبته جاز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق".
"53- الحكم علي أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن أو الحبس لمدة سبع سنوات فأكثر يسوغ للزوج الآخر طلب الطلاق".
"54- إذا أصيب أحد الزوجين بجنون مطبق أو بمرض معد يخشي منه علي سلامة الآخر يجوز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق إذا كان قد مضي ثلاث سنوات علي الجنون أو المرض وثبت أنه غير قابل للشفاء".
"ويجوز أيضاً للزوجة أن تطلب الطلاق لإصابة زوجها بمرض العنة إذا مضي علي إصابته به ثلاث سنوات وثبت أنه غير قابل للشفاء وكانت الزوجة في سن يخشي عليها من الفتنة".
"55-إذا اعتدي أحد الزوجين علي الآخر أو اعتاد إيذاءه إيذاءً جسيماً يعرض صحته للخطر جاز للزوج المجني عليه أن يطلب الطلاق".
"56-إذا ساء سلوك أحد الزوجين وفسدت أخلاقه وانغمس في حمأة الرذيلة ولم يجد في إصلاحه توبيخ الرئيس الديني ونصائحه فللزوج الآخر أن يطلب الطلاق".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.