ازمة ثقة هي في الأساس أزمة ثقة ينبغي الاعتراف بها كنقطة بداية لفهم معظم دوافع الغضب المتفجرة في المشهد المصري منذ سنوات وما زال بعضها مستمرا حتي اليوم. حيث بدأ يسري في قطاعات حساسة مثل الجامعات ومؤسسات البحث العلمي. إن المسألة في اعتقادي أعمق وأشمل من مطالبات بزيادة الأجور أو توفير فرص العمل الكريم أو تغيير بعض أو كل القيادات في معظم مواقع المسئولية تمشيا مع رياح التغيير التي أفرزتها ثورة شباب25 يناير. ولا شك في أن التسليم برفع سقف المطالب الفئوية دون حساب للإمكانيات المتاحة وشمولية دعوات التغيير إلي درجة التعميم يعني الانزلاق إلي مخاطر المجهول نتيجة طغيان لغة العاطفة علي لغة العقل وتغليب الأغراض النفعية علي المصالح الوطنية. إن الأهداف النبيلة للدور الريادي لشباب مصر في تفجير ثورة يناير ينبغي حمايتها من أي نزعات تمثل تهديدا لركيزة تواصل الأجيال خصوصا علي صعيد العلاقات الجامعية بين الأساتذة والطلاب التي ينبغي أن تسودها المودة والاحترام دون وصاية من الأساتذة ودون تجاوز من الطلاب. وإذا كانت هناك تراكمات من الماضي قد صنعت هذه الفجوة الواسعة من أزمة الثقة المجتمعية بشكل عام فإن الأمر يصعب احتماله في المؤسسات التعليمية والبحثية الرفيعة التي ترتبط درجة ازدهارها وانتعاشها بمدي وطبيعة علاقات التفاعل بين الأجيال لضمان استمرارية نقل المعرفة من خلال تقاسم المسئولية علي نحو متوازن تتحدد فيه الفواصل بشكل واضح يضمن هيبة الأساتذة من ناحية ويفتح آفاق الحلم للطلاب من ناحية أخري. وأظن أن استعادة الجامعات بأساتذتها وطلابها لحق العمل السياسي داخل جدرانها شيء والانزلاق إلي صخب الشارع السياسي وبما يؤثر علي جدية العملية التعليمية والبحثية شيء آخر.. فالصراع في السياسة مشروع ولكنه جد خطير في الجامعات حيث يتصادم مع ركيزة تواصل الأجيال وبالتالي يمثل تهديدا مباشرا لاستمرارية نقل المعرفة! خير الكلام: لا يشعر بمهانة الجهل سوي العلماء! [email protected]