بالصور- محافظ قنا يدشن العام الدراسي الجديد بافتتاح مدرسة الترامسة الإعدادية    كامل الوزير: «صحح مفاهيمك» نواة فكرية لتعزيز الوعي والتصدي للسلوكيات السلبية    «بونبوني وهدايا تذكارية».. وكيل «تعليم دمياط» يشارك التلاميذ فرحة أول أيام العام الدراسي الجديد    وكيل «تعليم بورسعيد» يشهد أول طابور صباحي بالعام الدراسي الجديد (فيديو)    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين للجيش (المستندات المطلوبة)    وكيل تعليم الشرقية يمازح مدير مدرسة النصر بالقنايات بسبب تأخر تسليم الكتب    أعز من الولد ولد الولد.. جدة تصطحب حفيدها للحضانة بأول أيام العام الدراسي بكفر الشيخ    سعر الدولار اليوم الأحد 21/9/2025 أمام الجنيه المصرى فى منتصف التعاملات    انطلاق معرض تراثنا 4 أكتوبر القادم بمركز مصر للمعارض الدولية    "أكرو مصر" تبرر أسباب رغبتها في الشطب الاختياري من البورصة    مصطفى جاد: أدوات المائدة المصنوعة من الستانلس ستيل تتحول من الاستيراد إلى التصدير    وزير الاتصالات يتوجه إلى الولايات المتحدة لبحث توسيع آفاق التعاون    وزير الإسكان يُصدر 7 قرارات إزالة لمخالفات بناء بمدينة السادات والساحل الشمالي الغربي    حازم الجندي: زيارة رئيس سنغافورة تدشن مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين    وزيرة خارجية فلسطين: لا سيادة لإسرائيل على أرض دولتنا ويجب إنهاء الإحتلال    نائب رئيس الوزراء البريطاني: الاعتراف بفلسطين جزء من عملية سلام أوسع ولا يعني قيام هذه الدولة على الفور    فرنسا تؤكد: أندورا ستعترف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة غدا الاثنين    انطلاق برنامج "بالعبرى الصريح" مع هند الضاوي على القاهرة والناس    جوارديولا: عاجلا أم آجلا سيحقق أرتيتا لقب الدوري الإنجليزي    تعرف علي موعد مباراة الزمالك والجونة فى الدوري المصري    "خبر أسعد الجماهير".. شوبير يكشف مهام سيد عبدالحفيظ في غياب الخطيب    مانشستر سيتي ضد أرسنال.. كل ما تريد معرفته موعد والقنوات الناقلة وتاريخ المواجهات    "الغضب يزداد من هلال".. الغندور يفجر مفاجأة حول مدرب الأهلي الجديد    الشرطة النسائية ركيزة الأمان في انطلاق العام الدراسي الجديد    الداخلية: إجراء قانوني ضد سائح صيني ادعى طلب شرطي بمطار القاهرة رشوة لإنهاء إجراءات سفره (فيديو)    السجن 5 سنوات لمتهم باستعراض القوة وإحراز سلاح ناري بسوهاج    «سرقوها وسيحوها».. قرار جديد بحق المتهمين بسرقة الأسورة الذهبية من المتحف المصري    مبادرات الداخلية تكرّس الثقة.. خدمات رسمية للمرضى فى مواقعهم    من اليوم.. الداخلية تعدل اشتراطات الحصول على رخصة قيادة السيارة - مستند    في دورة الثامنة.. مهرجان القاهرة الدولي للمونودراما يُكرِّم عبدالعزيز مخيون    مي كمال الدين تكشف لأول مرة تفاصيل زواجها من أحمد مكي: استمر 3 سنوات ولم يكن سرًا (فيديو)    محاولة صلح فاشلة.. قرار عاجل من المحكمة بشأن مدربة الأسود أنوسة كوتة    ختام الورش المجانية في كتابة السيناريو بمهرجان بورسعيد السينمائي    ياسمينا العبد تصل إلى الأقصر لتصوير فيلمها كان ياما كان مع نور النبوي    طريقة صلاة كسوف الشمس 2025 كما ورد عن النبي.. موعدها وعدد ركعاتها    المدرسة القرآنية بقرية البعيرات تحتفل بتوثيق ختام القرآن الكريم.. فيديو وصور    أولى المحافظات المليونية الكبرى.. رئيس «الرعاية الصحية» ب المنيا يشهد تدشين الانضمام ل«التأمين الصحي الشامل»    وزير الصحة يلتقي ممثلي مركز «نينغبو» للباثولوجيا الإكلينيكية التشخيصي بالصين    المركز الإعلامي لمجلس الوزراء: مدينة الدواء «جيبتو فارما» أمان دوائي لمصر واستثمار في صحة المواطن    وائل جسار يعيش انتعاشة غنائية شتوية بين لندن وباريس والمغرب وأمريكا    تصعيد دموي في غزة.. 40 شهيدًا مع استمرار غارات الاحتلال    موعد مباراة أولمبيك مارسيليا ضد باريس سان جيرمان في الدوري الفرنسي والقنوات الناقلة    مواقيت الصلاة في المنيا اليوم 21 سبتمبر 2025.. كيف تعرف أوقات الصلاة بدقة    طالبان: الاتفاق على إعادة قاعدة باجرام الجوية في أفغانستان إلى الولايات المتحدة مستحيل    صور | مشروعات خدمية وحملات موسعة بالوادي الجديد    العالم يشهد اليوم كسوفًا جزئيًا في الشمس| هل يظهر في مصر؟.. خبير يوضح    دواء إتانيرسيب لعلاج السكتة الدماغية: دراسة تكشف الحقيقة الكاملة    المؤسسة الخيرية لمصرف أبوظبي الإسلامي تفتتح مدرستين جديدتين في قنا والأقصر    موعد أذان الظهر ليوم الأحد ودعاء النبي عند ختم الصلاة    حزب المؤتمر يطلق خطة متكاملة لإدارة حملات مرشحيه في انتخابات النواب    أمين الفتوى يوضح أوقات استجابة الدعاء    ب22 هدفًا.. ميسي هداف الدوري الأمريكي    الكرة الذهبية 2025.. لماذا يُترقّب محمد صلاح ودور ديمبلي؟    ترامب مطالبا بمقاضاة خصومه: حاكموني مرتين ووجهوا ضدي 5 لوائح اتهام    «أغلى من الياقوت».. مي كمال تكشف تفاصيل علاقتها بأحمد مكي وترد على الشائعات    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 21 سبتمبر 2025    إياك وتداول الشائعات.. حظ برج الدلو اليوم 21 سبتمبر    لم يزره أحدًا منذ أيام.. العثور على جثة متحللة لموظف في شقته بالبحيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سحر خليفة في حبي الأول‏(1‏ 2)‏

مازلت اعتبر سحر خليفة في الإبداع الفلسطيني الوجه الروائي المقابل لمحمود درويش في الشعر‏,‏ وقد ولدا في العام نفسه‏(1491‏ م‏)‏ واكتويا بنار المحنة وذهب كل منهما في التمثيل الجمالي لقضيته وهويته إلي أقصي ما يمكن أن يبلغه مبدع في مجاله, فتصدر درويش شامخا صفوف الشعراء العرب, وتقدمت سحر خليفة إلي طليعة الروايات وها هي تودع عقدها السابع بمنظومة ملحمية كبري تؤسس للحب الأول, وتؤصل جذوره الضاربة في الطين والروح والمخيال.
يمكن أن تعد روايتها السابقة أصل وفصل هي مفتتح هذه الحلقات وان حرصت علي ان تستقل روايتها الجديدة الضخمة حبي الأول بروايتها الخبيرة, وتقنيتها في المجتمع بين طرفي الزمان قبيل النكبة في أربعينيات القرن الماضي, ولحظة الكتابة في مطلع القرن الجديد بقبضة واحدة عارمة كما ننشر شخوصها علي رقعة عريضة من التنوع الخصب, والتراوح الرشيق بين التاريخ والقص المتخيل, بكل هذا منطق العصر, وتكشف جوهر التاريخ وتجلو روح الإنسان. لكنها تحافظ دائما علي خاصية لافتة تزيدها قربا من درويش, هي اتقاد جذوة الشعرية السردية في كتابتها, لنقرأ هذه الكلمات في تقديم الرواية نضال نفسها: أنا ما ورثت إلا اسمي, فعل ناقص, وحملت بدل وزرع الألغام ريشة صغيرة, فرسمت الدار, دار العيلة, وصور الأحياء والطبيعة, وخان التجار. قالوا من الصغر أنا فنانة, فصدقت الفن واعتنقته وحملته بصمة علي جبيني ناطحت الدنيا كي أحمل ريشة صغيرة فيها الوان وموسيقي ونسائم ومواويل, رسمت الجدة ورسمت البحر, رسمت الجبل ورسمت النهر, رسمت النساء في كل وضع يخطر بالبال. نساء ورجال, ومواسم من غير حصاد في أرض بور, رسمت للصحف والمجلات, وأقمت معارض واتيليهات ودرت بها في كل مكان.. لدي الآن لوحة ضخمة في اليونسكو وثانية أضخم في اليونيفام وثالثة أصغر صغيرة جدا, بممر الجامعة العربية, وبعد الإعلام والمانشيتات وأغلفة الصحف أجد نفسي الآن بلا صاحب ولا مأوي.. لهذا عدت هنا من جديد, لأجعل من الدار, دار العيلة في نابلس, بيتي الأول, بيتي الاخير جاليري, متحف صور ورسوم مثل المعرض. هذه اللوحة السردية التشكيلية تقدم أيقونة رمزية للفنان الفلسطيني والعربي وهو يتوحد مع تاريخه, يطوف الأرض ليظفر بشرعية الاعتراف بحقوقه ومواهبه, يفترش مساحات عريضة في ضمير الانسانية, ثم يختزل في لوحة صغيرة علي أرضه العربية, قبل أن يخنقه الحصار في بيته الأول ومعرضه الأخير, ليستحضر فيه ومعه تاريخ روحه, ومواجع نضاله بينما ذبذبات الضوء والحرية تتراءي بين يديه.
صورة محسن سرحان:
تتمثل حلاوة السرد الفني في قدرته علي تجسيد الحالات والمشاعر في لفتات صغيرة مفعمة بعذوبة الفاكهة, فهذه الراوية الفنانة تحكي تجاربها الأولي وهي مراهقة في ممارسة الرسم, كانت تحب نجم السينما المصرية حينئذ محسن سرحان وهي تحلم بشاب جميل يحملها علي جواد ويطير بها ليخلصها من جو الخوف والتوتر الذي تعيش فيه قبيل النكبة, نقلت صورته من إحدي المجلات عدة مرات, لكنها كانت تخطيء في رسم عينيه فيبدو كأنه أعور أو أحول, الطريف أن خالها, وكان شاعرا مثقفا هو الذي صارحها برأيه, قال لها الأحلام والأفلام ونقل الصور من المجلات شيء لا يغني ولا يثمر, هل هذا فن؟ هل هذه حياة؟ هل هذا جمال وعواطف؟ الفن عمق وتجل, محسن سرحان؟ أين حياتك, أين الواقع والتاريخ والرؤيا؟ لم أفهم ما قصده بالتاريخ وبالرؤية, لكني فهمت أن ما أقوم بنقله ليس الحقيقة ولا الواقع, وأهم من ذلك ليس جميلا, لأن خالي فسر الأمور بشكل ساخر جعلني أقرف من رسمي ومن محسن سرحان.. توقفت عن الرسم عدة أسابيع حتي ضبطني وقال بعتاب: يا محسن سرحان يا إما بلا, وأعطاني كتبا لرسامين رسموا الواقع ورسموا الأفكار ورسموا خيالات عن الجنة والجحيم, عشت مع دافنشي ورافاييلو وبيكاسو وبدأت أفهم معني الرسم, بدأت أفهم أن الرسم يعني الواقع معجونا بالرؤيا وحركة التاريخ يستطيع قاريء هذا المشهد بسهولة أن يرفع كلمة رسم ويضع مكانها رواية فما تصفه سحر خليفة علي لسان روايتها إنما هو شرح مراحل تدريب الفنان علي رؤية الواقع الذي يحسبه تحت نظره المباشر, بينما هو امتداد عميق للتاريخ وبصيرة واعية بالمستقبل, ولم يكن الولع الساذج بصورة محسن سرحان التي امتد تأثيرها من مصر إلي فلسطين, بل إلي أقصي مشارف الوطن العربي بفضل السينما, إلا تصويرا لنور النهضة العربية وهو يتدفق من القاهرة ليضيء وجدان الإنسان ويحدث وعيه المعاصر, كي تتضح مداركه ويكتشف هويته, ويقوم خال الراوية وهو شاعر مثقف بدور أساسي في مجري أحداث الرواية ليصبح شاهدها التاريخي وضميرها الحي ولتظل مذكراته حافظة أسرارها العامة والخاصة. الطريف أنه في هذه المرحلة نفسها تفتح قلب نضال علي حبها الأول عندما رأت ربيع, ليمتزج هذا الحب بعشق الوطن وثورته, بترابه ومحنته, وهو الحب الذي أعطي للرواية مذاقها وقدح شرارتها.
نضرة الفن:
تصف سحر خليفة حبيب روايتها ربيع, الفتي اليافع بأنه يملك عينين مثل قمرين أخضرين, في وجه أمرد, أملس إلا من زغب فوق الفم, افترت شفتاه عن بسمة, فبدت أسنانه لامعة في ضوء الشمس, كان جميلا طويلا نحيلا ومثيرا, فبدأت أحس بشيء يطفو داخل صدري كنوار ماء ساخن دفاق, يرسل موجات ترتفع وتصل حتي رأسي, ووجهي يصير كرغيف خبز خرج لتوه من النار. أعجب ما في هذا الوصف هو قدرة مبدعة تشارف السبعين من عمرها علي تجسيد رؤية فتاة مراهقة, ليقظة مشاعرها البكر وتوهج عواطفها عندما تلفحها نيران الدقة الأولي للقلب, وهذا هو دور الفن في حشد طاقات الإنسان وتنمية حواسه وتجديد وعيه العميق الطازج بالحياة.
ولنتابع بعض صور هذا الوصف: الولد الشاب طير عقلي, استولي علي, ما عدت أري إلا خياله ولا أسمع سوي رنة صوته, أوصلنا الدار وفارقنا لكن عينيه ظلت معي كغمامة بيضاء ترافقني وتحاصرني وتجعلني أهيم كالمذهولة, وما عاد في الدنيا ما هم أهم من رؤيته..
ستكون بؤرة الرواية بعد ذلك هي قصة التحولات التي طرأت علي هذه المشاعر الغضة, والتغضنات التي اصابت القلب الشاب, لكن منظورا حسيا واضحا يوظف المكان جماليا سوف يساعد علي تمثيل هذه التقلبات, تسلط الكاتبة منظورها علي تغير أحوال بيت العائلة في الفصل الثاني من الرواية, حيث تقفز فترة زمنية طويلة تمتد ستة عقود, لتواجه نضال بيتها في نابلس بعد غيبة العمر الطويلة عنه. أمن المعقول أن تكون هذه هي دار العيلة, دار ستي وسيدي, وكانون النار, والأرجيلة وعقد الياسمين, وكتب خالي وزهر الليمون وشجر الخشخاش, وحسون الصباح ورسوماتي وأنا طفلة, وأنا صبية, وأنا شابة قبل نزوحي, ونسيم الفجر وليالي الصيف والأغنيات المشحونة بالحب والوجد, والتجلي والذكريات, والبطولة وقصص الثوار, وغرام الصبا في ذلك الحوش, كل ذلك ينقلب إلي مسلخ؟ أنا عدت إلي هنا حتي ارجع للذكريات وحنان الأهل وتراب الأرض وإذا بي أقف علي أرض مليئة بالألغام وجثث وعظام وجماجم, بعضها ليهود وبعضها لعرب وبعضها لمن تابوا ومن خانوا أهذا ما انتهت اليه قصص الثورة والحب المراهق وربيع الأرض والبرية وزهر الليمون. يمثل هذا التقابل الفادح بين الطبيعة الفاتنة الصبية لفلسطين قبل أن تلتهما أنياب الغول الصهيوني, وهي تتقلب علي جمر الثورة كي تفلت من قبضته العتية, والحياة المنطفئة المتربة لبيت العيلة المتهدم الذي اصبح مأوي للصوص والمقاومة, تجسد رواية سحر خليفة قطعة نابضة من تاريخ الإنسان والتراب الفلسطيني, بنفس ملحمي وعبق شعري وإحكام يستحق المتابعة.
المزيد من مقالات د‏.‏ صلاح فضل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.