تحرص الدساتير في جميع النظم النيابية علي تنظيم كيفية الفصل في الطعون التي تقدم ضد صحة العضوية البرلمانية, وهي في هذا بين اتجاهين, إما منح سلطة الفصل فيها الي القضاء أو الي المجلس النيابي ذاته, والأخير هو ما انتهجه دستور1923, ثم صدر القانون141 لسنة1951 فأسند الي محكمة النقض سلطة الفصل في صحة هذه العضوية. وفي دستور1956 نصت المادة89 علي أن يختص مجلس الأمة بالفصل في صحة عضوية أعضائه, وتختص محكمة عليا يعينها القانون بالتحقيق في صحة الطعون المقدمة الي مجلس الأمة, وتعرض نتيجة التحقيق علي المجلس للفصل في الطعن, ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثي عدد أعضاء المجلس, وهو ذات ما اتبعه دستور1964, وأيضا الدستور المعطل1971 فنص في المادة93 علي اختصاص المجلس بالفصل في صحة عضوية أعضائه, واختصاص محكمة النقض بالتحقيق في صحة الطعون المقدمة الي المجلس ليس معناه التزام الأخير بالنتيجة التي تنتهي إليها المحكمة في تحقيقاتها, إذ كثيرا ما كان المجلس يحذو اتجاها مغايرا لنتيجة هذا التحقيق متسلحا بمبدأ سيد قراره وتكريسا لمبدأ الفصل بين السلطات, مع أنه ليس صحيحا أن إسناد الفصل في صحة العضوية الي محكمة النقض يعد اعتداء علي مبدأ الفصل بين السلطات, بل إن إسناد هذا الأمر الي المجلس النيابي هو بعينه إهدار صارخ لهذا المبدأ, لما يمثله من اعتداء السلطة التشريعية علي اختصاص السلطة القضائية المنوط بها الفصل في المنازعات القانونية, وان مقتضي مبدأ الفصل بين السلطات أن يكون بين السلطات الثلاث تعاون, وأن يكون لكل منها رقابة علي الأخري في نطاق اختصاصها, بحيث يكون نظام الحكم قائما علي أساس أن السلطة تحد السلطة فتعمل كل سلطة في نطاق وظيفتها علي وقف السلطة الأخري عن تجاوز سلطتها القانونية فيؤدي ذلك الي تحقيق حريات الأفراد وضمان حقوقهم واحترام القوانين وحسن تطبيقها تطبيقا عادلا وسليما, وهو ماكان لزاما علي المشرع الدستوري أن يعود الي صوابه بإخضاع الفصل في صحة العضوية للرقابة القضائية, وهنا تنوعت الآراء القانونية بين الاقتراح بإسناد الفصل فيها الي المحكمة الدستورية بحجة أن منازعات العضوية تنطوي علي مسائل ذات طابع دستوري وسياسي والفصل فيها يحتاج الي تفهم جيد لمواد الدستور نصا وروحا, وأنها المحكمة الأقدر من غيرها علي ذلك, وأن الفصل فيها يجب أن يتم بموجب حكم بات ونهائي ملزم لجميع سلطات الدولة, وهو ما يتوافر في أحكام الدستورية علي عكس إسنادها الي القضاء الإداري والذي قد يؤدي الي فتح الباب أمام تعطيل أحكام القضاء لكسب الوقت عن طريق الاستفادة من تعدد درجات التقاضي بالمجلس بالطعن أمام المحكمة الإدارية العليا, وهناك من يري عقد الاختصاص بنظرها الي القضاء الإداري باعتبار أن تلك المنازعات هي منازعات إدارية بين جهة الإدارة وبين المرشحين والناخبين, ومن ثم يختص بنظرها مجلس الدولة بصفته القاضي الطبيعي لهذا النوع من المنازعات, ومع تقديرنا لكل هذه الحجج السابقة والتي تنادي بحجب هذا الاختصاص عن محكمة النقض فإننا نري وجوب اختصاصها بنظرها أسوة بما كان متبعا في ظل القانون141 لسنة1951 والذي عهد اليها بمهمة الفصل في صحة هذه العضوية, وباعتبارها صاحبة الاختصاص القائم منذ دستور1956 وحتي تاريخ الاستفتاء المطروح, ولا ينال من ذلك عدم جدوي نتيجة التحقيقات التي كانت تجريها في الطعون التي قدمت اليها في السنوات الماضية, والتي كانت تبلغها الي المجلس النيابي والذي كان دائما يستقوي بمبدأ سيد قراره وخير دليل علي ذلك التحقيق الذي أصدرته محكمة النقض في الطعن رقم14 لسنة61 والذي قدم إليها بخصوص الانتخابات البرلمانية التي جرت في1990 بالدائرة السابعة بالنزهة, حيث انتهت المحكمة في تقريرها الي بطلان الانتخابات بالنسبة لمقعدي الفئات والعمال استنادا الي أن نسختي محضر الفرز باللجنة العامة قد خلا من بيان أسم أمين اللجنة العامة وعدم التوقيع عليهما من رؤساء اللجان الفرعية, وأن توقيعات بعض الأعضاء كانت علي بياض وقبل تحرير النتيجة النهائية للانتخاب, ومع ذلك عقدت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بالمجلس اجتماعاتها وبعد التصويت أعلنت بطلان عضوية مرشح الفئات وصحة عضوية مقعد العمال مع أن المنطق السليم يقتضي أن يكون القرار واحدا للعضوين, لأن البطلان كان وليد الإجراءات المنظمة لانتخابات المقعدين معا, ومحكمة النقض لا تسأل عن ذلك مطلقا, كما أنها وهي علي قمة القضاء العادي تضم شيوخ القضاة المشهود لهم بالكفاءة القانونية لما أشربت نفوسهم من الحيدة والنزاهة والاستقلال التام, فضلا عن خبرتهم السابقة في الفصل في هذه الطعون, كما أنها تضم عددا كبيرا من الدوائر علي نحو يمكنها من تحقيق تلك الطعون والفصل فيها علي وجه السرعة, كما أن تلك الطعون ترتبط بمسائل قانونية وواقعية وهي الأقدر علي تحقيق تلك المسائل والفصل فيها, ولا تلازم بين الفصل في هذه الطعون وبين الطابع الدستوري إلا من خلال القانون العام الذي ينظم مباشرة تلك الحقوق السياسية, كما أن تفهم نصوص الدستور وجميع القوانين التي تصدر من السلطة التشريعية وغيرها من اللوائح التنفيذية هو ما تمليه رسالة القضاء عموما ومحكمة النقض خاصة, فضلا عن أن مايصدر عنها من أحكام أو قرارات تكون باتة ولا يقبل الطعن عليها بأي طريق, كما أنها تعلو قمة القضاء العادي المحاكم علي اختلاف أنواعها, وهي صاحبة الولاية العامة للقضاء فتختص بالفصل في جميع المنازعات أيا كانت نوعها وأيا كان أطرافها مالم تكن إدارية أو يكون الاختصاص بالفصل فيها مقررا بنص الدستور أو القانون لجهة أخري استثناء لعلة أو لأخري فليست العبرة بثبوت العلة, وإنما بوجود النص. كما أنها تختص بجميع دعاوي تقرير المسئولية عن أعمال وقرارات السلطة التشريعية, كما أنها منذ إنشائها سنة1931 كانت وستظل الضمان الأوفي للحريات والسياج الأرحب لأمن المجتمع ولها الأثر الواضح في توجيه المشرع بما ترسيه من مبادئ وأحكام وانتظام أسلوبها القضائي الرصين طوال تاريخها الذي تعاظم فيه دورها في فهم القانون وسلامة تطبيقه وتوحيد أحكام المحاكم عليه, وهو مانري معه أن يعهد بالاختصاص بنظر هذه الطعون الي محكمة النقض.