محمد شعير من موتهم.. ولدت حياتنا الجديدة! انتصرنا.. وعلي هدي ضوء أقمارهم المنيرة سرنا! أنهم شهداء الثورة.. أرواحهم هي الأقمار التي أضاءت لنا الطريق, ومنحتنا الأمل, وأهدتنا اشراقة صبح جديد. والآن.. ذهبت( سكرة) الثورة, وجاءت( فكرة) السياسة, أصبحنا تتنازعنا الأسئلة, وتتقاذفنا امواج الاصابات الهادرة, استفتاء أم لا استفتاء؟ تعديل للدستور ام تغيير؟ رئاسية أم برلمانية ستبدأ الانتخابات؟ تفرقت بنا السبل, وتعددت الطرقات, لذا أصبح لزاما علينا أن نعود الي الوراء قليلا في هدوء لنتذكر.. لنقف عند نقطة الملتقي, نقطة تجمعنا ولاتفرقنا, وهي أن دماء الشهداء الذكية كانت هي التي فتحت لنا طريق الحرية, فهل يمكن أن نخونها.. او نضل بعدها؟! اسلام بكير.. واحد من هؤلاء الشهداء الأبرار, انظر الي صورته, هل تعرفه؟ ألا يشبهك؟ او يشبه صديقك؟ او أخيك؟ هذا واحد مثلي ومثلك.. وقف علي شاطيء البحر حالما, داعبته نسمات النيل النقية, حمل أحلامه فوق ظهره, ومضي ينظر الي الأفق البعيد, لكنه توقف.. عند منتصف الطريق توقف, دفعنا الي الامام ومضي هو في طريق آخر.. بعد أن أطمأن علينا! يوم الأحد الماضي كان هو يوم تكريم الشهيد اسلام بكير وكل الشهداء, في قسم الحضارة الأوربية القديمة بكلية الآداب في جامعة عين شمس, وهو القسم الذي تخرج فيه اسلام عام2009, حيث أعد أحباؤه وأصدقاؤه وزملاؤه احتفالية كبري لتكريمه, ووسط مئات الطلاب وأساتذة الجامعة والفنانين وقفت أسرة اسلام, والده ووالدته وأشقاؤه, محاطين بقدر هائل من الحب والاحترام والعرفان, لأنهم أنجبوا البطل. السيدة عائشة الجمل أم الشهيد روت لملحق( شباب التحرير) ظروف استشهاد ابنها وقالت: اسلام خرج يوم الجمعة28 يناير وتوجه مع اصدقائه الي ميدان التحرير, دون أن يخبرنا بذلك, وظل هناك طوال اليوم, ثم اتصل بنا الساعة الثانية بعد منتصف الليل( فجر السبت) وعلي الفور قلت له:( انت فين)؟ رد قائلا انه في ميدان التحرير( بس مش عارف يرجع), وأنه سيبيت الليلة هناك ثم يعود في الصباح بإذن الله, طلبت منه ألا يتأخر وأن يتصل بخطيبته لطمأنتها عليها, وبالفعل اتصل اسلام بها, إلا أنه عاد ليتصل بنا مرة اخري بعد قليل ووجدته يقول لي: ما تخافيش أنا راجع بكرة الصبح باذن الله, قولي لبابا انت جايب رجالة!), قالت له: قل له انت بنفسك, وتحدث اسلام مع والده واعتذر عن تأخره ثم قالك انت جايب رجالة.. وانتهت المكالمة. في الساعة الخامسة فجرا رن جرس الهاتف في منزل اسلام, رد شقيقه حسام, وفي لحظات, وقعت فوق رأسه الصاعقة..( مستشفي المنيرة العام.. اسلام مات لم يدر حسام ما يفعل.. سيطر عليه الذهول.. انتابه الشرود, اسلام مات.. حقا؟! ليس وقت الأسئلة. نزل حسام فورا متوجها الي المستشفي مصطحبا شقيقه الصغير وابن خاله, دون أن يخبر أهله بشيء, وهناك وجد الحقيقة في انتظاره.. البقاء لله.. اسلام استشهد! حمل حسام جثمان أخيه الشهيد وعاد به الي المنزل, وفي السابعة والنصف صباحا استيقظت الأم, لتجد أجواء غريبة, أقارب جاءوا للزيارة بعضهم يجفف دموعه, سألوها عن اسلام فقالت:( مفيش حاجة ده كلمني الساعة اثنين), وشيئا فشيئا تقول الأم: بدأت أفهم وعرفت المنظر, فصرخت( ابني.. ابني) قالوا: البقاء لله, ابنك راح شهيد! جاء اسلام محمولا,( نايم غرقان في دمه) كما تقول الأم, وبدأ( الجاكت) الخاص به دليلا شاهدا علي خسة وغدر الفاعلين, حيث كان شبه ممزق من الخلف, بفعل الرصاص! شيماء ابنة خال الشهيد وخطيبة شقيقة حسام قالت إن اصابة اسلام كانت عبارة عن رصاصة وسط رأسه من الخلف, أما ظهره فكان( مليان رصاص) وتضيف قائلة إن اصابته في رأسه تعني ان( اللي ضربه كان قاصد يموته مش بصيبه او يعجزه).. ولكم من الذي ضربه؟! قالت شيماء إن أحد أصدقاء اسلام روي للأسرة اللحظات الأخيرة في حياة الشهيد حيث كانا معا في شارع بجوار الجامعة الأمريكية في ميدان التحرير, وعندما شاهدا ضابطا يتجه نحوهما صرخ اسلام في صديقه:( اجري) وجري الصديق بالفعل لكنه اصيب في ساقة فحاول التحامل علي نفسه وظل( يزحف) بعيدا, لكنه عندما التفت خلفه لم يجد اسلام, اختفي, أين ذهب؟ لايعلم.. هل شاهد أحد وجه الضابط الذي فاجأ اسلام وصديقه؟! هل يعرفه أحد؟ بالطبع لا.. اسمه وشخصة دفنا معه تلال الأسرار التي دفنت الي الأبد, مع شهداء ثورة52 يناير الأبرار. كل الشهداء- لا اسلام وحده- كانوا موضعا للتكريم في احتفالية آداب عين شمس يوم الآحد الماضي, صفق الشباب طويلا لأسرة البطل, وكل بطل, كما صفقوا طويلا عندما قال والد الشهيد محمد عبد القادر بكير انه ينتمني أن تتم محاكمة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي, الذي سفك دم ابنه, ودم كل شهيد, وقال الأب بدموعه أطلب من القضاء القصاص السريع لاطفاء نارنا, هذا هو العدل الذي نرجوه, قتلوا فلذات أكبادنا, قتلوا شبابا كان هدفهم الحياة الكريمة والعدل, ومحاربة الظلم والقهر والنظام الفاسد, بداخلنا بركان من الحزن, وسنظل نعاني طوال حياتنا, حسبنا الله ونعم الوكيل.. حسبنا الله ونعم الوكيل. وخلال الحفل تمر الاعلان عن موافقة ادارة جامعة عين شمس علي طلبي قسم الحضارة الأوروبية بكلية الآداب تعيين حسام وهند بكير شقيقي اسلام للعمل بجامعة, كما تم الاعلان عن تسمية دفعة2009 بالكلية باسم( دفعة الشهيد اسلام بكير), بينما تقرر اطلاق اسمه أيضا علي مدرج( آداب علوي) الرئيسي الذي أقيمت في الحفل, وفي الوقت نفسه تم اطلاق اسم شهيد آخر هو عمرومحمد غريب الطالب بالسنة الأولي بقسم الوثائق والمكتبات علي أحد المدرجات أيضا. وقد حضر الحفل من الفنانين خالد صالح ووجدي العربي وعادل الفار وسامح يسري, ووجه خالد صالح كلمة الي الشباب قال فيها عندي94 سنة, ومع بداية النظام السابق كان عندي تقريبا02 سنة, وقد ابثتهم أنكم أفضل منا نحن الكبار, وسمعنا كلامكم واستجبنا لكم ونزلنا ميدان التحرير, والآن حان الوقت لتسمعوا انتم كلام الكبار, لنا حق عليكم أن تستجيبوا لنا, الآن حان وقت العمل, لابد أن نعود جميعا الي اعمالنا, حتي ننتصر علي أعدائنا, الذين يعملون في الخفاء ولانراهم, لكننا لن نتركهم ضيعون أحلامنا.. حان الوقت العمل. وقال وجدي العربي للشباب: لاتظنوا أن ثورتكم قد نجحت واكتملت, لقد نجحت بنسبة60 او65% فقط, ولابد أن نستمر فيها باعلان الحرب علي جذور النظام الفاسد الذي لايريد أن يترك الثورة لتنجح, وأضاف انه يشعر أن اسلام مطلع الآن علينا وعلي أمه وأبيه وأخوته وهم يكرمون, وقال: ندعو الله أن يجمعنا مع الشهداء. ويختتم الشباب الحفل بكلماتهم قائلين: كان حلم أشبه بالخيال.. لكن أكيد مش محال.. اسلام يا بكير.. نشوفك علي خير.. في الجنة ونعيمها.. يارب كلنا