في معظم الأحيان, تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن الصيد! فكم من مراكب مصرية أبحرت للصيد في المياه الدولية, وعاد أصحابها بالخير الوفير, وكم من مراكب خرجت في رحلات صيد, ثم انتهي بها الحال في قبضة القراصنة أو في السجون! ولان أكل العيش مر كما يقولون, ولان المياه المصرية صارت بخيلة علي الصيادين, لم يكن هناك مفر أمامهم سوي الإبحار بعيدا لصيد الأسماك, في مياه البحر الأبيض المتوسط,.. غير أن الرحلة تنطوي علي قدر كبير من المجازفة, والمغامرة.. فخارج المياه الإقليمية.. جميع الاحتمالات واردة! نبدأ الحكاية من البداية, فقد أبحرت مركب الصيد, والتي تحمل اسم الصقر الجديد والمرخصة برقم(107) دمياط, في رحلة صيد عادية انطلاقا من ميناء رشيد, بمحافظة البحيرة في27 فبراير الماضي, وقد واجه قبطان المركب, ومعه(16) صيادا, الأهوال بعد8 أيام من إبحارهم في البحر الأبيض المتوسط, حيث تعرضت المركب لرياح شديدة, وعاصفة بحرية قوية يعرفها من يركبون البحر بنوة الحسوم, وهي نوة شديدة الخطورة, وقد حاول الطاقم مجاراة البحر الهائج, إلا أنهم لم يستطيعوا, وكانت النتيجة أنها تعطلت أكثر من مرة, وفي يوم8 مارس الجاري, قامت قوات من البحرية الليبية باقتياد المركب, وطاقمها إلي ميناء سرت, حيث تم ترحيلهم إلي مديرية أمن سرت, التي لا تزال تحتجزهم دون تحقيق حتي الآن! قصة سقوط الصقر! ويحكي أحمد شتا صاحب مركب الصيد الصقر الجديد الذي لجأ للأهرام ومعه عدد كبير من أهالي الصيادين المحتجزين في ليبيا, كيف أن الرحلة كانت صعبة, بسبب نوة الحسوم التي لم يتمكن القبطان, ولا الطاقم الموجود معه, السيطرة عليها, حيث أدي ارتجاج المركب بفعل النوة إلي تعطلها3 مرات, ومن ثم تمكنت قوات البحرية الليبية من القبض علي الطاقم, واحتجاز المركب في ميناء سرت سألته: هل حدثت اتصالات هاتفية بينك وبين طاقم المركب طوال الرحلة؟ شتا: نعم, فقد كنا علي اتصال دائم مع القبطان, والطاقم منذ إبحار المركب في27 فبراير الماضي, وظلت الاتصالات قائمة عبر اللاسلكي الموجود بالمركب, ثم انقطعت الاتصالات, وقبل يومين, فوجئنا باتصال هاتفي من قائد المركب علاء الله محمد حسن الشاذلي, موبايل برقم ليبي, وكان علي الهاتف قبطان المركب, الذي أبلغنا بأنه وزملاءه موجودون في مديرية أمن سرت الليبية, وأن مسئولي السجن ابلغوه بأن عليهم دفع غرامة مالية لاختراقهم المياه الإقليمية الليبية. قلت: وهل يعلم القبطان بأن الصيد داخل المياه الإقليمية محظور قانونا, ما لم يتم الحصول علي تصريح من السلطات الليبية؟ مالك المركب: ليست هذه هي المرة الأولي التي يتوجه فيها قبطان المركب, وطاقمه للصيد, خارج المياه المصرية, فالمركب دخلت الخدمة منذ4 سنوات, وخرجت في رحلات صيد كثيرة, وهم يعرفون اللوائح, والقوانين جيدا, كما أن المياه الإقليمية لأي دولة لا تتجاوز12 ميلا من حدودها البحرية, أما مركب الصيد الخاصة بنا فقد كانت علي مسافة40 ميلا من المياه الإقليمية الليبية. كم من الوقت تستغرق رحلة الصيد خارج المياه المصرية؟ مالك المركب: في الحقيقة, يتوقف زمن الرحلة علي ظروف البحر, فالمركب الصقر, المحتجزة حاليا في ليبيا تبحر باستمرار للصيد في مالطا, وفي الظروف العادية, التي يكون فيها البحر مستقرا يتراوح زمن الرحلة بين18 يوما, أو20 يوما علي الأكثر, وكانت مركب الصقر تذهب في رحلات دائمة للصيد, ثم تعود بسلام, حتي وقعت حادثة احتجازها وطاقمها في ميناء سرت الليبي قبل أيام. ومن هم الصيادون الذين كانوا علي متن المركب, والذين مازالوا رهن الاحتجاز في مديرية أمن سرت الليبية؟ المحتجزون حاليا هم القبطان علاء الله محمد حسن الشاذلي, وسعيد شتا, وكريم فوزي مصطفي الشاذلي, وصبري رزق درويش, وشعبان سراج الدين, وسعيد حسن الشهبه, ومحمد رمضان عبيد, وأحمد عبد القادر, وعوض محمد خليل, وأيمن إسماعيل محمود, ومصطفي علي حسن بهنسي, وحسن محمد الشاذلي, منصور حسن متولي, ويسري إبراهيم فتح الله, وياسر يوسف حميده, وفتحي محمد خليل. وهل أبلغتم الجهات المعنية في وزارة الخارجية للتدخل لدي السلطات الليبية, للإفراج عن الصيادين المحتجزين؟ مالك المركب: ذهبنا قبل يومين علي وزارة الخارجية, حيث التقينا أحد العاملين بمكتب السفير محمد عبد الحكم مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية, ويدعي رجب سعيد, حيث أبلغناه بواقعة احتجاز المركب في ميناء سرت الليبي, وترحيل الطاقم إلي مديرية الأمن في سرت, دون إجراء أية تحقيقات معهم, ونخشي أن تتعرض حياتهم للخطر, خاصة في ظل الظروف التي تشهدها المدن الليبية حاليا من ثورات علي نظام الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي, فلم يعد أحد بمأمن من الخطر في هذه الظروف, ولذلك فإننا نستغيث عبر الأهرام بوزير الخارجية السفير الدكتور نبيل العربي, للتدخل لدي السلطات الليبية للإفراج عن الصيادين المحتجزين في سرت من جانبها, بادرت الأهرام بالاتصال بموظف الخارجية رجب سعيد, والذي أبلغنا بأن أهالي الضحايا حضروا إلي مقر الوزارة, وابلغونا بواقعة احتجاز مركب الصيد المصرية الصقر الجديد في ميناء سرت الليبي, وكذلك احتجاز طاقمها, وترحيلهم إلي مديرية أمن سرت, وقد تم إعداد مذكرة بالواقعة, لعرضها علي السفير محمد عبد الحكم مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية, لاتخاذ اللازم بشأنها, مشيرا إلي أنه تمت مخاطبة للسفارة المصرية في ليبيا, بواقعة احتجاز المركب وطاقمها, ولا تزال السفارة المصرية في انتظار رد السلطات الليبية. قلت: ما دام الأمر كذلك.. فما الحل؟ نصار: لابد من إيجاد حلول عاجلة, لتقنين أوضاع الصيادين, حتي لا يضطروا للصيد خارج المياه الإقليمية, كما أنه قد آن الأوان, لأن تقوم الهيئة العامة للثروة السمكية بتوقيع اتفاقيات للصيد مع الدول المجاورة, لكي يتم الصيد بشكل شرعي, ودون أن يعرض الصيادون أنفسهم للمخاطر, وبذلك يكون رحلاتهم آمنة. والحال هذه, فإن نقص الأسماك في المياه المصرية كما يقول أحمد كنون رئيس مجلس إدارة جمعية الصيادين في برج مغيزل, يرجع إلي صيد الذريعة, وتلوث المياه, والأقفاص السمكية المنتشرة هنا وهناك, بين رشيد ومطوبس, الأمر الذي يدفع الصيادين للخروج إلي الصيد في مياه البحر الأبيض المتوسط, لاسيما أن حصيلة الصيد في مصر لا تغطي تكاليف مستلزمات تجهيز المراكب لرحلات الصيد, لاسيما أن الرحلة الواحدة تتكلف نحو100 ألف جنيه, منا40 ألف جنيه وقود, و5 آلاف جنيه زيوت للمحرك, و5 آلاف وقود احتياطي, و5 آلاف جنيه ثلج لحفظ الأسماك بعد صيدها, و5 آلاف جنيه تموين غذائي للطاقم وللصيادين, و2000 جنيه أجر الصيادين يوميا خلال الرحلة التي قد تستغرق20 يوما في معظم الأحيان.