وضع حجر الأساس لمشروع إنشاء الحديقة المركزية في مدينة العريش (صور)    خبراء استراتيجيون: الدولة وضعت خططا استراتيجية لتنطلق بسيناء من التطهير إلى التعمير    جولد بيليون: تراجع أسعار الذهب في التداولات العالمية بسبب انخفاض الطلب    فى الذكرى ال42 لتحرير سيناء: 522 مشروعاً لخدمة أهالى سيناء ومدن القناة بتكلفة 46.7 مليار جنيه    المستشار أحمد خليل: مصر تحرص على تعزيز التعاون الدولي لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب    البعثة الأممية لحقوق الإنسان: حذرنا إسرائيل من خطورة اجتياح مدينة رفح الفلسطينية    احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين.. الولايات المتحدة تقمع الحريات بالحرم الجامعي    لإتجارها في المخدرات.. ضبط سيدة بحوزتها 2 كيلو جرام من مخدر الاستروكس بالسلام    محافظ كفرالشيخ يهنئ السيسي بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    محافظ المنيا: متابعة أعمال رصف ورفع كفاءة عدد من الشوارع والطرق ب3 مراكز    الثانية في أقل من عام.. وزير الخارجية الأمريكي يصل الصين    بورصة المدربين.. كبار أوروبا يبحثون عن المُنقذ (تقرير)    "تحليله مثل الأوروبيين".. أحمد حسام ميدو يشيد بأيمن يونس    استرداد 400 متر مبانِ ونحو فدانين أراضي زراعة بالوادي الجديد    12 توجيها من «التعليم» عن امتحانات صفوف النقل «الترم الثاني».. ممنوع الهاتف    فيلم «عالماشي» يحقق 38.3 مليون جنيه منذ بداية العرض    في ظل الهجمات الإسرائيلية.. إيران تقلص تواجد ضباطها ومستشاريها في سوريا    البنتاجون: بدء البناء في ميناء مؤقت لإيصال المساعدات لغزة قريبًا    «الرقابة المالية»: 52 مليار جنيه حجم أرصدة التمويل متناهية الصغر بنهاية يناير 2024    نقابة الأسنان تجري انتخابات التجديد النصفي على مقعد النقيب الجمعة المقبل    "التجديد بشرطين".. مهيب عبد الهادي يكشف مصير علي معلول مع الأهلي    عمرو الحلواني: مانويل جوزيه أكثر مدرب مؤثر في حياتي    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    وزير الشباب يشيد بتنظيم البطولة العربية العسكرية للفروسية    تريزيجيه يقود تشكيل طرابزون المتوقع أمام فاتح كاراجومروك بكأس تركيا    7 أيام خلال 12 يومًا.. تفاصيل أطول إجازة للعاملين بالقطاع العام والخاص    للقضاء على كثافة الفصول.. طلب برلماني بزيادة مخصصات "الأبنية التعليمية" في الموازنة الجديدة    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    بائع أسماك يقتل زميله في الإسكندرية.. والمحكمة تعاقبه بالسجن 10 سنوات    كشف غموض العثور على جثة شخص بالقليوبية    إبادة جماعية.. جنوب إفريقيا تدعو إلى تحقيق عاجل في المقابر الجماعية بغزة    رامي جمال يستعد لطرح ألبومه "خليني أشوفك"    رحلة "عم خالد" من المنوفية إلى سانت كاترين على الدراجة البخارية    عند الطقس الحار.. اعرف ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    بالصور- وصول 14 فلسطينيًا من مصابي غزة لمستشفيات المنيا الجامعي لتلقي العلاج    لتجنب الأمراض المرتبطة بارتفاع الحرارة- اتبع هذه النصائح    مدبولي: دعم الصناعة أصبح يؤتي ثماره في العديد من القطاعات الإنتاجية    الزفاف يتحول إلى جنازة.. اللحظات الأخيرة في حياة صديقة عروس كفر الشيخ    نصيحة مهمة لتخطي الأزمات المالية.. توقعات برج الجوزاء في الأسبوع الأخير من أبريل    بالسعودية.. هشام ماجد يتفوق على علي ربيع في الموسم السينمائي    الداخلية تواصل جهود مكافحة جرائم الاتجار في المواد المخدرة    بدء اليوم الثاني من مؤتمر وزارة العدل عن الذكاء الاصطناعى    لتأكيد الصدارة.. بيراميدز يواجه البنك الأهلي اليوم في الدوري المصري    طريقة عمل عصير الليمون بالنعناع والقرفة.. مشروب لعلاج الأمراض    حظر سفر وعقوبات.. كيف تعاملت دول العالم مع إرهاب المستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغربية؟    «جازبروم» الروسية ترسل أول شحنة غاز المسال إلى آسيا خلال 2024 حول إفريقيا    النقل: تقدم العمل بالمحطة متعددة الأغراض بميناء سفاجا    مصر تفوز بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الإفريقية    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    تعرف على مدرب ورشة فن الإلقاء في الدورة ال17 للمهرجان القومي للمسرح؟    بالتزامن مع حملة المقاطعة «خليه يعفن».. تعرف على أسعار السمك في الأسواق 24 أبريل 2024    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاسع من مارس‏..‏ ذاكرة المسك
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 03 - 2011

تخطت مصر عتبة رخامية باردة وعالية‏..‏ رفعت رأسها نحو الشمس فانحسرت طرحتها عن مقدمة رأسها‏,‏ أبلج الحق فضاءت جبهتها‏.‏ فتحت ذراعيها تحتضن نوره الدافيء اندفعنا نحوها نقبل يديها‏ وتنسمنا معهاريحا طيبة هبت في قطرها وحالت شتاءها ربيعا, فاح في واديها ودلتاها وسواحلها وصحرائها طيب رائحة مسك تنبعث من جراح شهداء ثورتها الاطهار الذين تسبح أرواحهم في سمائها ثم تصعد لتسرح في الجنة حيث تشاء وتأوي إلي قناديل معلقة تحت العرش, أعطاها الرحمن ما لم يعط أحدا من خلقه, تبغي بعد نيلها الشهادة لو أن يبعثها ربها فتجاهد في سبيله وتقاتل فتقتل ثم تبعث فتقتل ثم تبعث فتقتل فتكسي من كسوة الجنة وتنظر في وجه الله تعالي.
دروب الاستشهاد في سبيل مصر متعددة.. صفحات من تاريخ طويل, شريان نيل يشق برها ويسري من جنوبها إلي شمالها, تحدد لها يوم للوفاء باستشهاد الفريق عبدالمنعم رياض في صفوف القتال الاولي بين جنوده في حرب الاستنزاف يوم9 مارس عام9691, في هذا اليوم يقف الجميع دقيقتين حدادا علي أرواح الشهداء, وتقام صلاة الغائب, لكن يوم الشهيد المصري يوم له عبير خاص في عام1102 في هذا العام تخطي وفاؤنا للشهيد الحدود الرسمية ويتجاوزها ليتشبث بالقاعدة الشعبية, زرنا نصب الشهداء في ميدان التحرير وكل ميادين الاستشهاد في مدن مصر.. عند مسجد القائد إبراهيم بالاسكندرية, ومسجد الشهداء بالسويس نقرأ الفاتحة ونوقد الشموع في كل قرية ومدينة مصرية.
كتبنا مع مصر أطلس شهداء الوطن العربي وسجلنا فيه وفق ترتيب أبجدي أسماءهم وقصص استشهادهم وصعودهم إلي بارئهم, كل لمحة من لمحات بطولة شهدائنا تاريخ سنتشبث بها لنسجلها للاجيال القادمة بالقلم والورقة ورقائق السيليكون واللوحة والنغمة والصورة لكيلا ننسي, سنبحث عن قصص الشهداء من هم؟ كيف استشهدوا؟ متي؟ اين؟ لماذا؟ نتحلق حول مصر ونسألها: احك يا أمي لماذا وكيف.. حدث ماحدث؟ كيف يتحول اسم شهيد في حي من أحياء القاهرة من لافتة علي مدرسة أو شارع أو ميدان أو نفق إلي ذاكرة من مسك؟ قد يكون الاهمال قد أصاب الذاكرة المثخنة وأعاقنا الانشغال بالهوامش دون المتن. من هنا تأتي أهمية كتابة الأسطورة المضادة وتسجيل مذابحنا ومفاخرنا لانخجل من تحيزاتنا لحالنا وواقعنا بل نخجل من معرفتنا بالآخر وجهلنا بأنفسنا! بفضل الآخر أصبحنا نعلم الكثير عن حفل الشاي وقائمة شندلر, وعملية ميونيخ, ومذكرات آن فرانك وجنرال باتون وعمر برادي وأيك( ايزنهاور).
وبينما تجعل الثقافة الغربية من الحبة قبة نتجاهل نحن الجبال الشوامخ في تضاريس تاريخنا العربي! نعرف عن الغرب أكثر مما نعرف عن الريدانية, ورأس العش, ولسان التمساح والشهيد عبدالمنعم رياض, والمقاومة السرية في بورسعيد والمقاومة الشعبية في السويس والشيخ حافظ سلامة وسناء محيدلي وملجأ العامرية وسيرة الشيخ أحمد ياسين والصبي فارس عودة.
رزق الاستشهاد( فؤاد حداد) يختص به الله من عباده وهم كثر في مصر حتي اصبح تاريخ الشهادة في مصر هو تاريخ مصر الذي يحدد إمكانياتها اي مكانها ومكانتها في الزمان, وعندما نتذكر الشهداء ونحفظ ذكراهم في ذاكرة حية فاننا نحرس تاريخ مصر والامة العربية.
لهذا نفتح أبواب الذاكرة لكيلا ننسي شهداءنا, نروي حكاياهم فتزهر براعمهم في بر مصر لن تنسي مصر أن تحكي لنا حكاية أبنائها في الوطن الأكبر, الشهداء العرب الذين سقطوا دفاعا عن مصر سليمان الحلبي وابن اللاذقية الارثوذوكسي جول جمال, وكل الشهداء الذين قدمهم الوطن العربي فداء للعروبة في الجزائر بلد المليون شهيد, وشهداء فلسطين قضيتنا الأخلاقية الرئيسية ومن بينهم شهداء غزة الذين تجاوزوا ال0031 شهيد في لحظة غادرة واحدة, وشهداء العراق المحتل الذين تجاوزوا نصف المليون, وشهداء تونس الخضراء وشهداء البحرين, وغيرهم من سكان الجنة.
لن تنسي مصر ان تحكي لنا الشهداء المجهولين عبر التاريخ بداية من الذين حاربوا مع أحمس لطرد الهكسوس, خمسون ألف ثائر سقطوا بين كر وفر حرب الشوارع دفاعا عن القاهرة تحت زعامة طومان باي عندما استدرج نائب غيبة قنصوه الغوري جيش سليم الاول لحروب شرسة طويلة بين أحياء القاهرة وشوارعها من الريدانية إلي وردان, شهداء ثورة القاهرة الاولي أفراد اللجان الشعبية الذين خرجوا بكل مايمكن ان يكون سلاحا لصد عدوان الفرنسيس فانهالت عليهم القنابل من مدافع نابليون تضرب قاهرة المعز وجامعها الازهر وبيوتها, ومعهم ثلاثة عشر من مشايخ الازهر والعشرات من قادة الثورة أعدمهم نابليون بيد باردة, وشهداء حملة فريزر في رشيد7081 جنود مصريون شهداء حصن الدكة وكفر الدوار, ومواطنون هدمت مدفعية الاسطول الانجليزي بيوتهم في2881 ثم شهداء حرب65 في بورسعيد والسويس الباسلتين من شعب وجيش وشرطة, وتلاميذ بحر البقر, وعمال أبي زعبل وشهداء52 يناير وجمعة الغضب والاربعاء الأسود.
تطلق مصر آذانها عبر السنين من آلاف المآذن مختلطا بأسماء شهدائها, السيدة شفيقة بنت محمد أول شهيدة مصرية لاقت ربها في مظاهرات الاحتجاج علي نفي سعد زغلول في31 مارس9191 التي خلدت ذكراها السيدة نور الهدي شعراوي رائدة المرأة العربية الحديثة في مذكراتها الشاب الجامعي النبيل عبدالحكم الجراحي ومن معه من شباب موقعة كوبري عباس الذين لفتهم لطيفة الزيات بعلم مصر الاخضر جثة بعد جثة كما روت في حملة تفتيش أوراق شخصية الشهيد إبراهيم سليمان موظف شركة السويس لتصنيع البترول, والشرارة والطلقة الاولي في ملحمة السويس الذي أخرج الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية بالسويس جثمانه بعد انتهاء حصار السويس ليعيد دفنه مع اخوانه الشهداء عملا بوصيته, ذكر الشيخ في كتابه عن ملحمة السويس ان الشهيد بدا بعد ثلاثة أشهر من استشهاده سليما كما هو.. لحيته السوداء شعره الممشط أسنانه البيضاء الباسمة ثم دفنه بين تهليل وتكبير الشهود.
هؤلاء يامصر أبناؤك احفظيهم كما حفظك الله هذه يامصر سير دماء عربية زكية مسلمة ومسيحية لكيلا ننسي الشهداء الاعلام أبطال الحرب المقدسة أحمد عبدالعزيز والجنرال الذهبي عبدالمنعم رياض واليد النقية أحمد حمدي واللواء شفيق متري سدراك وجمال حمدان وغيرهم, والشهداء المجهولين, شهداء الجهاد وشهداء الفساد في العمارة والطائرة والقاطرة والعبارة ومراكب الهجرة غير الشرعية والمسرح والكنيسة, هم شخصية مصر, وقلبها الاخضر وقطنها طويل التيلة, وجوها المعتدل الذي حفظناه في كتاب الجغرافيا حار جاف صيفا دافيء ممطر شتاء, وخيرفيضان نيلها هم ميلاد الوطن وجوهر كينونته وسر سرمديته والمسك الذي هو طبيب مصر الوطن وعبيره, هم الشهداء الذين أعادوا لنا الوطن كما كان, كما كنا نعرفه ونتذكره.. وطنا حرا جميلا وشجاعا نحتفل بذكري مولده في التاسع من مارس في كل عام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.