مللنا الشكل التقليدي والروتيني بعد كل فتنة طائفية لقس يحتضن شيخا, وشيخ يقبل قسيسا, مللنا شعارات يحيا الهلال مع الصليب علي الورق وفي اللوحات المعلقة. الحل المناسب لوأد هذه الفتن واخمادها هو النزول الي ارض الواقع, من خلال الفعل لا القول. إنني أكتب اليك وانا علي يقين بأن هذا هو الحل الذي عايشته فعلا وآتي بثماره حيث اقطن في منطقة مجمع الأديان بحي مصر القديمة, ولمن لا يعرف هذه المنطقة أقول إنها تضم اول مسجد في افريقيا وبجواره أول كنيسة ايضا وبينهما معبد يهودي, وفي هذه المنطقة مكتب رئيسة الطائفة اليهودية ومنازل يهود وأقباط ومسلمين منذ مئات السنين ولم تحدث يوما فتنة طائفية أو مشكلة بين مسلم ومسيحي, فلقد ابتعدنا عن الشعارات البراقة وطبقنا معا شعار الاخوة والمواطنة.. إنني نشأت في اسرة مسلمة, ونعيش بالايجار القديم في بيت يسكنه ويملكه مسيحيون, وطوال عمرنا ونحن نلعب سويا ونتعايش في حب وتعاون, حتي ان والدي ووالدتي عندما ذهبا للحج وكنا صغارا تركانا في عهدة جارتنا المسيحية. ودارت الأيام ومرضت جارتنا وتم احتجازها لإجراء عملية جراحية فتركت أبناءها في بيتنا, وعندما نصاب بوعكة صحية نذهب الي مستوصف السلام التابع للكنيسة فلا يمنعنا أحد من العلاج لاننا مسلمون, بل ولا يسألنا أحد اصلا عن ديانتنا, وبجوار المعبد اليهودي ومكتب طائفة اليهود نلعب الكرة ونصطحب اصدقاءنا لمشاهدته من الداخل والخارج ونجد ترحيبا من العاملين به. وأقسم لك ياسيدي انه في رمضان يسارع الشباب المسيحي قبلنا لتعليق الزينة والفوانيس الضخمة في الشارع, ونبادلهم نفس المشاعر في أعيادهم, ونسمع أصوات الآذان بصوت عال في رمضان والاعياد في منازلهم, وكذلك يسمعون صوت الترانيم في الاعياد القبطية من منازلنا. إنني اسأل نفسي كلما سمعت عن فتنة طائفية لماذا لم يحدث هذا في منطقتنا وهي المعرضة لذلك؟ ادعوكم لزيارة منطقتنا ونقل صورة حية للتسامح, وادعو كل من يقرأ رسالتي إلي ان يبادر بإظهار المودة والتسامح والتماس العذر نحو جاره أو صديقه المسيحي, وكذلك المسيحي ادعوه إلي أن يلتحم بالمسلم.. ووقتها لن تكون فتنة باذن الله. * إن هذه الصورة الحية التي نعيشها ياسيدي وهي نفس الصورة الموجودة في كل ربوع مصر, فلم نلمس ابدا اي احتقان طائفي علي مستوي الجيران ولا الزملاء في العمل ولاحتي في العلاقات العابرة.. واذا كانت مسائل العلاقات بين الفتيات والسيدات مع الشباب والرجال من الديانتين تعتبر شائكة.. فان الامر لا يقتصر علي اختلاف الديانات وحده اذ لا يقبل أي مسلم ان تكون ابنته علي علاقة بآخر سواء كان مسلما او مسيحيا.. فلماذا اذن يحاول البعض استغلال الوقائع الفردية لتعميمها وكأن هناك ثأرا بين جناحي الامة؟ إن ما حدث من هدم كنيسة الشهيدين يؤكد ان هناك من يتربص بأمننا حتي لوكانوا من بيننا, ولابد ان التحقيقات سوف تكشف الكثير من المفاجآت وتزيل الغموض عما لا نفهمه ولا ندرك أسبابه مما حدث ويتكرر باستمرار.