إذا كان الحفاظ علي أمن المواطن من أولويات الإصلاح فان الأمر يستلزم أيضا إعادة هيكلة جهاز أمن الدولة وتحديد اختصاصاته بأن يعمل بما فيه مصلحة الشعب ولا يعود كما كان سيفا علي رقاب الشعب. ولن يتحقق هذا إلا بتحديد دقيق للهدف من وجوده وحدود صلاحياته وما له وما عليه, دون انتهاك أو تقييد حرية المواطن. هذا ما ينادي به المواطنون ورجال القانون ومنهم د.حسام عيسي أستاذ القانون بجامعة عين شمس والمستشار القانوني لمنظمة اليونسكو, وأحد أعضاء المجموعة القانونية لاسترداد ثروة مصر يقول إنني من انصار إلغاء جهاز أمن الدولة, وإذا كان لابد من وجوده ففي هذه الحالة لابد أن يكون هذا تحت ضوابط عديدة ومنها أنه لابد أن ينفصل جهاز أمن الدولة عن وزارة الداخلية بحيث لا يكون جزءا منها, وأن يكون له قانون خاص به يحدد سلطاته علي وجه التحديد بحيث لا يكون له سلطة التحقيق. أما المسئول الذي يرأسه فلابد أن يكون مدنيا لأنه من الواضح أن المدنيين لهم نظرة أخري فيما يتعلق بمسائل الحريات وحقوق الإنسان, أما العاملون بالشرطة فهم مرتبطون بالتربية العسكرية التي تهتم بالضبط والنظام وتنفيذ الأوامر العسكرية واستخلاص المعلومات بأي طريقة بالدرجة الأولي ليأتي الاهتمام بقضية حقوق الإنسان في الدرجة الثانية, لذا يمكن أن يرأس هذا الجهاز أحد القضاة السابقين أو انتداب قاض إلي جهاز أمن الدولة, وقبل تعيين رئيس جهاز أمن الدولة المدني لابد أن يمثل أمام البرلمان ويتم استجوابه لتكون هناك فرصة لمعرفة كل حقائق حياته, هل شارك في عمليات غير جيدة أو مشارك في أي عمليات مالية أو غيرها, ويعتمد البرلمان تعيينه علي النظام الأمريكي, ويتم تقديم تقارير دورية عن سير عمل الجهاز وليس الأفراد, وعن مدي تطور العمل فيه حتي يستطيع البرلمان أن يتحقق من عدم خروج هذا الجهاز عن الإطار الذي حدده له القانون, لذا يجب وضع قانون يحكمه ويحدد سلطاته علي وجه الحصر علي ألا يكون من ضمن تخصصاته إجراء التحقيق نهائيا, بحيث نضمن أنه جهاز لجمع المعلومات وليس للتحقيق, ولا تكون هناك ملفات لكل جهة, فلابد أن ينتهي هذا تماما. ويضيف د.حسام عيسي أنه من الضروري ألا يعود أمن الدولة إلي مقاره القديمة ولابد أن يتحقق مجلس الشعب من المقار الجديدة بصفة دورية. الشعب والأرض والسلطة ويري د. أحمد سعد الأستاذ بكلية الحقوق والمحامي بالنقض أنه من حيث المبدأ لابد أن نعلم أن أي دولة متحضرة يجب أن يكون بها جهاز خاص للجرائم المتعلقة بأمن الدولة( الإرهاب, الترويع, محاولة قلب نظام الحكم, وكل ما يمس سلامة الإنسان وحياته وممتلكاته والنظام السياسي للبلد). لكن ليس معني هذا أن الكل موافق علي النظام السياسي, فالدستور كفل حرية الرأي وحرية التعبير عن الوضع السياسي في المجتمع ولكن مشكلة هذا الجهاز أنه تحول إلي جهاز إرهاب في خدمة النظام وليس في خدمة الدولة, ويجب أن يفهم أن اسمه جهاز أمن الدولة وليس جهاز أمن الحاكم, والدولة تتكون من الشعب والأرض والسلطة, ولكنه أخذ أحد أضلاع هذا المثلث وغرق في أحضانه حتي لو ضحي بالركن اليتيم بالدولة الشعب وأمن الشعب وفي سبيل تحقيق هذا الهدف استعمل جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة من حيث التحكم في قوت الرزق للشعب والذي يتمثل في حجب التعيينات لعدم رضائه أو قبوله لشخص ما, وعدم الترشيح للوظائف طبقا لمعيار الكفاءة, والتهديد بالفصل التعسفي وإنهاء الحياة المدنية للإنسان, بل هدد بالموت المدني للشعب عندما تختلف مصالحه أو آماله مع آمال الحاكم. والنتيجة الطبيعية لاستمرار الحكم هذه السنوات الطويلة أنه كان لابد أن يضحي بأحد هذه الاضلاع إما الحاكم أو الشعب, فقام بالتضحية بالشعب, فتحكم في الحياة السياسية للمواطن البسيط باسم تحقيق الأمن السياسي عن طريق السيطرة الاقتصادية مثل عدم التصدير أوالاستيراد للسلع الأستراتيجية وكذلك رغيف العيش والسلع التموينية, فأصبح يغرق حياتنا اليومية بتعليمات منه سواء مباشرة أو غير مباشرة. ويضيف د.أحمد سعد أن كلامي لا يعني إلغاء جهاز أمن الدولة بل يجب قبل إعادته دراسة ما هو المقصود بهذا الجهاز وما هي اختصاصاته وما هي الضوابط المنظمة لنشاطه وما هي الجهة الرقابية عليه لأن هذا الجهاز برمته كان لا يدين بالولاء إلا لقائده الأعلي فأصبح الشعب لا يدخل في تلك المعادلة مع الجهاز, إذن لا حديث عن وجود جهاز أمن دولة إلا إذا أدرك جيدا أنه جهاز يعمل لأمن الشعب الذي تتكون منه الدولة ومؤسساتها, لأن كلمة أمن الدولة كانت مرتبطة بالنظام السياسي, في حين أن جميع الدساتير المتحضرة تقرر في صدرها أن الشعب هو مصدر السلطات, لكن عندنا انقلبت الأية وأصبح الحاكم هو مصدر السلطات لدرجة أن الدولة أصبحت تدور في فلك فرد واحد, فإذا كان جهاز أمن الدولة سيأتي لهذا الهدف فالأولي غلقه وتوفير ميزانيته لأنها أموال دافعي الضرائب, والشعب قادر علي حماية نفسه وقد أثبتت التجربة هذا في ثورة25 يناير, فنحن دولة مؤسسات والجهاز إذن يجب أن يكون لتأمين الشعب. أما عن اختصاصات جهاز أمن الدولة فيقول د.أحمد سعد: يجب أن تحدد اختصاصاته بالقضايا الواردة بالباب الثاني من قانون العقوبات والخاصة بأمن الدولة من جهة الداخل والتنظيمات غير الشرعية وغير الدستورية التي تقود نظام الدولة, وبالمقابل إفساح المجال لحرية الرأي لأن البديل عن مصادرة حرية الرأي هو أن ينفرد جهاز أمن الدولة بتقييد حرية الإنسان وهو يعتبر عملا غير مشروع, بالإضافة إلي أنه يجب أن يخضع الجهاز للرقابة القضائية. إذن يجب إعادة بناء هذا الجهاز بمعايير موضوعية لمصلحة الشعب, وأقترح تسميته جهاز أمن الشعب بدلا من جهاز أمن الدولة, فإن وضع ضوابط لهذا الجهاز يجعل العاملين فيه لا يعتبرونه ميزة بل مسئولية حتي لا يستمر اعتقاد ضابط أمن الدولة أن بيده مقادير الناس, وأن يدرك المواطن أنه يدفع مرتبات هؤلاء الأشخاص من ضرائبه. كما أصبح من الضروري إزالة الاحتقان الموجود في مؤسسة الداخلية بين هذا الجهاز وباقي الأجهزة لأن الضابط فيه يتقاضي ألافا مؤلفة في حين أن زميله لا يتعدي راتبه بضعة جنيهات, فضلا عن حصول الأول علي مزايا عينية, لذا لابد أن يكون ضابط أمن الدولة مثل أي ضابط آخر في أي وحدة أخري, كما يجب ألا يعوق هذا الجهاز عمل رجال النيابة لتفتيش السجون وأماكن الحجز داخل مقار أمن الدولة فقانون الإجراءات الجنائية يمنح النيابة وحدها هذا الحق. ويشيرإلي أن الدستور في المادة57 يقر بأن جرائم الحريات العامة والاعتداء علي الحرية لا تسقط بالتقادم د.حسنين عبيد أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة يقول يجب أن يكون الحفاظ علي الأمن هو غاية كل مصلح وهو رائدنا, وهو ما يستلزم عملية ترميم للجهاز بحيث تتغير اختصاصاته ويتم تحديدها, فقد كان من الملاحظ تعسف أعضاء الجهاز من قبل والتدخل فيما لا شأن لهم به سواء في تعيين المواطنين في الوظائف أو انتخابات الطلاب أو غيرها بإسم أمن الدولة, والمفروض ألا يصبح لهم شأن بمستقبل المواطنين ولا بتلك التقارير السرية لكن يجب أن يتخصصوا في الأمن العام الداخلي, فالشرطة من اختصاصاتها الأصيلة أن تحافظ علي الأمن الجنائي لذا أري أن تقتصر مهمتهم علي مكافحة أكبر وباءين في المجتمع أي مكافحة الإرهاب والمخدرات وهذا يكفي.