وسط مشاعر الغضب.. ولحظات الرعب والخوف وصيحات الشباب التي يملؤها القوة والعزيمة والاصرار علي إسقاط جميع أدوات ورموز النظام الفاسد السابق... اقتحم أكثر من خمسة آلاف شخص جمعوا كل الفئات والأطياف والطوائف المبني المخيف المشهور عنه سوء السمعة المعروف بمقر التعذيب والقهر والبطش والإستبداد والكراهية.. منهم أكثر أفراد الشعب تم إعتقالهم وتعذيبهم في سجونه وزنازينه وهو مبني جهاز مباحث أمن الدولة بمدينة نصر وذلك بعد فترة حصار للمقر لم تستمر طويلا, حيث هاجم المتظاهرون في شكل شبه هجوم بري سلمي أبواب المقر العتيد. الكل لحظة الاقتحام رجال.. شباب.. فتيات تري في عيونهم بصيص أمل في شروق شمس الحرية من جديد.. نور غاب عنهم طويلا يحلمون ببزوغ وشروق صباح جديد دون وجود هذا الجهاز وأفراده الذين طالما قمعوا حرياتهم وأهانوا آدميتهم لأقصي درجة وزرع ضباطه وقياداته داخل نفوس المصريين حالات من السخط والثأر معا وأصبح هذا المبني رمزا للكراهية. الأهرام كان هناك يرصد تفاصيل ومشاهد ليلة سقوط هذا الرمز وهذا المبني العتيد في أيدي المتظاهرين بعد اقتحام جنباته دون أن يصدهم أو يمنعهم شيء, حتي قوات الجيش والشرطة العسكرية لم تصمد أمام بحر الأجساد وأمواج البشر الذين تدافعوا بقوة لاقتحام المبني, وحتي عندما نجحوا في الدخول لم يحطموا أي مكتب ويخربوا أي شيء في المبني حيث كان هتافهم داخليا لا للتخريب.. لا للحريق وأرحل ياظلم مع صيحات قوية كانت بمثابة تحريك دفة دخول المتظاهرين. مشاهد من قلب الحدث المشهد خارج مقر جهاز أمن الدولة كان أكثر هدوءا.. وبدأت الأعداد تتزايد منذ الساعة الخامسة مساء, والغريب أنه لم يتلاحظ لجموع المتظاهرين الذين بدأوا بالعشرات ثم المئات أي فرد من أفراد الأمن المكلفين منذ زمن بعيد بحراسة المبني والذين كانوا يتميزون بإرتدائهم الزي الأخضر الغامق الزيتي, أزدادات سخونة ترديد الشعارات ضد الجهاز مع دقات عقارب الساعة التي تشير الي السابعة مساء, فأكثر من3 آلاف شخص كانوا قد تجمعوا ثم زادوا لأكثر من5 آلاف شخص مع عقارب الساعة الثامنة وكانت قوات الجيش والشرطة العسكرية قد طوقت بالكامل المبني وأبوابه, إلا أن لحظات الدخول كانت قد حانت وقد قسم المتظاهرون أنفسهم إلي مجموعات الأولي أمام بوابة رقم6 أمام نادي الشرطة, والبعض الآخر في الشارع الجانبي أمام بوابات3 و4 و5 والتي منهم بدأت شرارة الدخول وإقتحام مباني المقر رغم وقوف قوات الجيش بمدرعاتها وقوات الشرطة العسكرية التي تعاملت مع المتظاهرين بأسلوب هاديء لتهدئتهم ولكنها ومع إصرار المتظاهرين عجزت عن صد موجات البشر الذين تدافعوا كالمجانين جريا داخل المقر الذي حوي حول مبانيه حدائق وزراعات جميلة, وبدون أي تخطيط مسبق لهؤلاء المقتحمين توزعوا وانتشروا وتوغلوا في كل شبر داخل الجهاز بصورة سريعة ومتعاقبة.. المشهد كان في غاية الغرابة.. الكل يجري في كل مكان.. عن ماذا يبحثون.. لا أعلم.. هل عن أوراق أو مستندات أو عن ضباط وأفراد للفتك بهم.. أم عن حجرات الملفات.. أم عن أبناء وأهل لهم كانوا معتقلين أو محبوسين في هذا المقر المخيف.. لا أعلم؟! الحقيقة أن المشهد من الداخل كان طبيعيا وهادئا وترددت أنباء عن قيام الجيش بتسلم المقر في الساعة الرابعة عصرا بعد خروج آخر ضابط من مقر الجهاز, أي أن قيادات ومسئولي الجهاز كانوا علي علم بهذا الإقتحام.. أي أنهم قاموا بنقل كل المستندات والأوراق والملفات المهمةالتي تمس أمن البلاد وسلامتها في مكان خارجي. الواضح أن جميع أدوار وغرف ومكاتب المقر كانت شبه فارغة إلا من بعض الأثاث الفاخر وأجهزة التكييف والثلاجات وأجهزة الكمبيوتر المغطاة بأكياس البلاستيك!! المهم قامت مجموعات كبيرة من المتظاهرين بالتوجه الي المبني الرئيسي علي يمين المدخل والخاص برئيس وقيادة الجهاز ومكتب وزير الداخلية الثاني هناك بعد المكتب الرئيسي في مبني وزارة الداخلية بلاظوغلي, ولعل أهم ما يلفت الأنظار مقدار الفخامة في تأثيث هذا المبني سجاجيد ونجف وتحف وستائر وأجهزة تكييف وصالونات.. الخ. الكل يبحث وينادي علي الآخرين لاعتقادهم أنهم وصلوا الي شيء مهم.. المشهد في مبني بالجهة المقابلة كانت مجموعات قد دخلت الي المدخل الرئيسي لبوابة4 وعثروا في مكتب الاستعلامات علي دفاتر حضور وأنصراف الزائرين وكانت فارغة بلا قيمة الا أن ظهورها في أيدي البعض جعل الكل يتسارع لإلتقاطها وأخذها ظنا منهم أنها مستندات أو ملفات أو وثائق سرية مهمة وما لبثوا وأن اكتشفوا أنها بلا قيمة فيعودون مرة أخري للجري والبحث وراء الغرف المغلقة, أحيانا نسمع أصواتا تصيح سرداب.. سرداب فنهرع لنجد بابا حديديا مغلقا علي الأرض عجزوا عن فتحه. القلعة الملعونة ازدادات سخونة المشهد الداخلي والخارجي معا بعد قيام كثيرين ومجموعات كبيرة من المتظاهرين بفتح شبابيك مكاتب الضباط بالأدوار وأخذوا يلوحون بأيديهم تجاه عشرات المئات خارج المبني وهم يصيحون الله أكبر.. الله أكبر ويدعونهم للدخول تعالوا.. تعالوا لاقتحام البوابات والتي عززت القوات المسلحة من وجودها عليها, وقد أنتشر المتظاهرون في أرجاء المقر مثل انتشار النيران في الهشيم وسيطروا علي كل الأدوار. المشهد الرابع داخل المقر كانت فيه قوات الشرطة العسكرية تطوق المتظاهرين لتحجيم توغلهم داخل المقر وتطالبهم بالخروج من المقر واصطفوا بجانب بعضهم البعض بعرض المقر من الداخل إلا أن بعض المتظاهرين من الشباب صاحوا بأن تلك القوات تؤمن مدخل الأدوار الخفية المؤدية الي السراديب والزنازين والسجون تحت الأرض.. وبالفعل كان ظنهم في محله واقتحموا قوات الشرطة العسكرية وأفلتوا منهم وإنطلقوا جريا بصورة هيستيرية خلف بعضهم وأختفوا عن الأنظار خلف زراعات وأشجار كثيفة حيث عثروا علي الباب الحديدي الذي يؤدي الي الطابقين أسفل الأرض واللذين يعدان بمثابة التاريخ الأسود لهذا الجهاز وشاهدان علي أعمال القمع والتعذيب وسلب الحريات. تصاعدت حدة الأحداث بسرعة البرق وعجز رجال القوات المسلحة في منع المقتحمين وهم في طريقهم الي طوابق تحت الأرض, بعض قيادات الجيش خاطب المتظاهرين والمقتحمين وأتفق معهم علي أصطحاب مجموعة منهم لمشاهدة ما يريدون مشاهدته والاطمئنان بأنفسهم وبأعيونهم بأنه لا يوجد أي شخص في تلك الزنازين, وبالفعل اصطحبت قوات الجيش أعدادا كبيرة منهم ونزلوا بهم الي قاع المجهول. زنازين إلكترونية وطبقا لشهود عيان كثيرة خرجوا يحكون للجميع عما شاهدوه بأسفل علي الطبيعة.. قصوا لنا لحظات الرعب المخيف والترقب المثير, الدور الاول تحت الأرض يقودك إلي ممر ضيق لا يزيد اتساعه عن مترين أو ثلاثة أمتار.. أضواء في السقف خافته جدا, تنتابك حالات الضيق والاثارة عندما تخطو أول خطوة بداخله.. يمينك ويسارك عبارة عن حجرات زنازين فارغة لا تري سوي أبوابها الحديدية دون وجود أي مفاتيح أو سلاسل حديدية أو أقفال, فهي تفتح وتغلق إلكترونيا بواسطة شريحة من الارقام السرية. المشهد أصبح مرعبا للجميع مع كل خطوة يخطوها هؤلاء المقتحمون داخل هذا السجن الحقيقي, بعد هذا الممر تجد حجرات مغلقة أبوابها خشبية كتب عليها مخازن قام البعض بشجاعة نادرة بكسر أبوابها ليروا ما خلفها, معظمها كانت فارغة وأخري كانت تحوي أجهزة كمبيوتر وشاشات قديمة وأثاثا قديما وصناديق كرتونية بداخلها أدوات ومعدات ولمبات كهربائية وخلافه. أحد الأبواب الجانبية يقابلك به سلالم حديدية تؤدي إلي دور آخر أسفل الأرض يؤدي إلي ممر وطرقة مؤدية إلي نفس الدور العلوي تماما ولكن الأبواب الحديدية كانت مغلقة لعلو مترين تقريبا يعلوها فتحات تهوية بقضبان حديدية ونهاية الممر يؤدي إلي سلم حديدي أخر للصعود للدور الأول مرة أخري. الحقيقة أن المشهد في قلب مقر الجهاز كان يشعرك باللخبطة والتردد, الجميع يتحركون بناء علي صيحات من آخرين باكتشاف شيء فيهرولون إليه, إحدي هؤلاء المجموعات أخذت تصيح من فوق أسطح أحد المباني فهرولنا بالصعود إليهم لنجد أكواما من الاوراق المفرومة والأوراق الممزقة أظن أن مسئولي الجهاز لم ينجحوا في التخلص منها ولكنها مع الاسف لا تفيد بشيء. صيحات أخري تنطلق من الأدوار.. أفراد ينادون علي أفراد حالة من الهرج والمرج عمت أدوار ومكاتب المقر, المشاهد كثيرة ومتعددة, البعض كانت تنتابهم لحظات ضيق وشعور بالغضب والسخط فيقومون بقذف ما يجدونه أمامهم علي الارض, الكراسي وأدوات المكتب والاعلام وخزن حديدية وثلاجات فارغة وأصيص الزرع وأجهزة كمبيوتر بعضها مكانه والبعض الأخر قذفوه علي الأرض. المشهد الأكثر إثارة عندما عثر أحد الشباب المتحمس علي ورقة أو عدة أوراق جموع غفيرة تنطلق إلية يتحسسون محتوياتها, وحدثت مشاجرات عديدة بسبب تلك الاوراق التي كان ينتزعها البعض عنوة من بعضهم والتي يظن أنها تحوي أسرارا خطيرة مثل التي أذيعت في الفضائيات والتي تم نشرها وبثها الكترونيا علي شبكة الانترنت وكانت تحوي وتفضح أساليب جهاز مباحث أمن الدولة وتوغله في كثير من قطاعات المجتمع. كانت نقطة الالتقاء لجميع المتظاهرين والمقتحمين للمقر وسط مبانيه وأمام المبني الدائري المشيد علي أحدث طراز معماري هندسي, الجميع يتبادلون الاحاديث الجانبية.. كل مجموعة تسأل المجموعة الأخري عما وجدوه وعما وصلوا اليه وما شاهدوه وتبادلوا المواقع والمعلومات وتطرقت أحاديث المقتحمين بنبرة غضب وضيق وتساءلوا عما إذا كان هناك اتفاق سري بمثابة مؤامرة لتخريب مباني أجهزة مباحث امن الدولة في عدة محافظات وإتلاف الوثائق والملفات المهمة.. أم أنها أوراق جرائد قديمة تم فرمها وتركها للدلالة علي شيء ومن ثم نشر حالة الضعف والعجز لهذا الجهاز المرعب الجبار ومن ثم نشر الفوضي والبلطجية لترويع أمن المواطنين؟!! أسئلة كثيرة أو بمعني أدق ألغاز كبيرة لم يتم حتي الآن فك شفراتها أو الوصول لإجابات مقنعة وكان لسان حال الجميع لمصلحة من ما يحدث للبلاد؟! عقارب الساعة تشير الي الساعة العاشرة والنصف ليلا وقوات الجيش طلبت من المقتحمين الخروج من المقر وهددت بقطع التيار الكهربائي.. قائد الشرطة العسكرية طالبهم بالهدوء قائلا لهم إللي إنتوا عايزينه هنعمله بينما قامت قوات إضافية بسد الطريق الداخلي المؤدي الي السراديب والطابقين السفليين وأكتفت بمن دخلوا أول مرة وطلبت منهم شرح ما شاهدوه بأسفل وعدم وجود أي شخص أو سجين أو معتقل داخل تلك الزنازين. الأمر الذي أدي إلي أفتراش المئات الأراضي والحدائق وقد ظهرت علي وجوههم علامات الضيق وفقد الامل في العثور علي أي شيء سواء محبوسين أو معتقلين أو حتي أية مستندات أو وثائق تفضح وتدين أفعالهم تجاه الكثير من أفراد الشعب. ووسط تلك المشاهد بدأت محاولات القوات المسلحة بإغلاق المداخل بدروع بشرية شارك فيها مجموعات كبيرة من الشباب لمنع دخول باقي المتظاهرين الذين كانوا موجودين خارج مقر الجهاز.. والمشهد في الخارج لا يختلف حماسه وأعداده عن داخل المقر, ولكن اللافت للنظر هذا الهدوء الذي كان مغايرا تماما عن الداخل, فأمام مقر جهاز مباحث امن الدولة يقع قسم شرطة( مدينة نصر2) حيث جلست أمامه قيادات وزارة الداخلية وضباط كبار تحرسهم قوات وعربات الجيش, كانوا يتفحصون وجوه الشباب الثائر بكل هدوء, توقفت حركة المرور تماما في الشوارع المحيطة بمقر الجهاز وتدخل رجال الشرطة العسكرية لتنظيم المرور وإعادة حركة سير السيارات. في الساعة الحادية عشر مساء نظمت القوات المسلحة خروجا منظما للمقتحمين من باب واحد فقط وهو باب رقم3 بعد أن أغلقت وسدت جميع الابواب الاخري بالمدرعات وقامت قوات الجيش بتفتيش المتظاهرين تفتيشا بسيطا خشية سرقة بعض الممتلكات العامة من تلك المباني, وتكررت مشاهد أخري لفتيات وشباب أخذوا في التقاط الصور التذكارية أمام بوابات الجهاز من الداخل وبجانب الحدائق وفي بهو الاستقبال وفي الأدوار وعلي مكاتب الضباط كوثائق تاريخية لهم علي مشاركتهم لحظات سقوط مقر هذا الجهاز الذي كان جبارا ذات يوم الجيش يعثر علي ملفات وقبل خروجنا شاهدنا القوات المسلحة تسمح بعبور سيارات أعضاء النيابة العامة التي أنتقلت مساء أمس الاول لمباشرة عملها وتحقيقاتها في عملية الاقتحام.. قائد الجيش أكد للجموع المحتشدة داخل المقر أن الجيش عثر علي الكثير من الأوراق والملفات تم تسليمها إلي النيابة لفحصها, مشيرا لهم بأنهم موجودون عشان خاطرهم وطلب منهم مساعدة الجيش في إنهاء حالة الاقتحام وتسليم المقر للنيابة العامة لمعاينته. قرار سيادي لتغيير اسم جهاز أمن الدولة علم الاهرام أنه من المنتظر أن يتم إصدار قرار سيادي من المجلس الاعلي للقوات المسلحة بإعادة هيكلة أختصاصات جهاز مباحث أمن الدولة ليختص بشئون مكافحة الارهاب دوليا ودرء مخاطره عن البلاد, كما علم مندوب الاهرام أن هناك إتجاها قويا بإعادة تسمية اسم جهاز مباحث أمن الدولة من جديد وإسناد مهامه إلي إحدي الجهات المعلوماتية المخابراتية المعروفة مثل الFBI بأمريكا ووحداتA2 وA3 بأسكوتلانديارد الانجليزي.