حين نعيد قراءة التاريخ الحديث لمصر. وتجربتها مع كل الثورات التي سجلت الدفاتر وقائعها. سنجد ان معظم ان لم يكن كل تلك الثورات قد وقفت باصحابها في منتصف الطريق, ولم تبرحه إلا قليلا في اتجاهها إلي نهاية الخط. خذ عندك مثلا ثورة1919 التي خاضها زعماء الوفد طلبا لاستقلال مصر عن انجلترا. التي اضطرت بعد ارتفاع وتيرة الثورة إلي الغاء الحماية البريطانية عن البلاد. ثم ما لبثت ان التفت علي طلب الاستقلال باعلان تصريح22 فبراير الذي أخذت انجلترا بمقتضاه حق حماية الاقليات الدينية والأجنبية في مصر. واطلاق يدها منفردة في السودان. بالإضافة إلي تأمين طرق مواصلاتها إلي مستعمراتها المتناثرة في الشرق بما يقتضيه هذا الحق من وجود قوات بريطانية علي الأراضي المصرية لحماية مصر من أي اعتداء خارجي.. ثم ما لبثت أن تطورت الأمور إلي عقد معاهدة63 التي وقعها حزب الثورة( الوفد) مع بريطانيا لمصلحة مصر كما قال مصطفي النحاس الذي خلف سعد زغلول في زعامة الوفد. رغم ما تمنحه هذه الاتفاقية لبريطانيا من حق التمركز بقواتها ولاشك في أن توابع ثورة19وما حققته من أمتيازات لصالح الاحتلال البريطاني. كانت تمثل انتقاصا من الثورة وتخصم من تطلعاتها نحو استقلال تام دونه الموت الزؤام! وحين قامت ثورة23 يوليو لم تكن أفضل حالا من ثورة19 التي سبقتها بما نصت عليه اتفاقية الجلاء التي وقعها جمال عبدالناصر مع انجلترا من جلاء للقوات البريطانية من منطقة القناة مع حق العودة اليها في حال تعرضها لأي عدوان خارجي يهدد مصالح أوروبا في حرية الملاحة بقناة السويس. وقد رأي عبدالناصر في العدوان الثلاثي علي مصر والذي شاركت فيه القوات البريطانية فرصة لالغاء هذه الاتفاقية. كذلك فإن الثورة التي طالبت بإقامة حياة ديمقراطية سليمة أحد أهدافها. قد تعثرت كثيرا في تحقيق هذا الهدف بالذات وكان تعثرها أحد المآخذ التي سجلها منتقدو الثورة وخصومها علي أصحابها خاصة بعد الغائها للنظام الحزبي الذي كان يسمح بالتعددية. واعتمادها علي التنظيم الواحد الذي يستأثر منتسبوه بالعمل في الساحة السياسية دون غيرهم من أصحاب الرأي المعارض. وحين قام أنور السادات بما أسماه ثورة التصحيح في مايو.1971 لم يكن نصيبه من المآخذ والنواقص أقل من نصيب الثورات السابقة. فإذا كان السادات قد نجح في التخلص ممن اسماهم بمراكز القوي فلم يكن نجاحه أقل في احلال عدد آخر من مراكز القوي الجديدة التي تدين له شخصيا بالولاء والرضوخ. فسمعنا عن القطط السمان وأباطرة الانفتاح وحيتان الكسب غير المشروع امثال رشاد عثمان وعصمت السادات وتوفيق عبدالحي وغيرهم. أما ثورة25 يناير فقد جاءت ثورة علي كل الثورات السابقة التي أفرزت أوضاعا مخلة بالعدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق المواطنة وإذا كانت الثورة قد نجحت في التخلص من رأس النظام فإن نجاحها في التخلص من النظام نفسه يبدو الآن محل شك لدي الكثيرين من المراقبين للمشهد السياسي بكل ما يحمله من تفاصيل تبعث علي الشعور بالريبة والشك في نوايا القائمين علي الأمر. الذين عهد اليهم الشعب بتحقيق مطالبه وحملهم مسئولية الوصول بالثورة إلي خط النهاية بسلام. خاصة مع التراخي الواضح في الاجراءات المتبعة مع رموز النظام السابق. والتلكؤ في التعامل معهم بما يحقق طموحات الثوار وامالهم في التغيير. هذا اضافة إلي ابقاء بعض من رموز النظام القديم ولا نقول البائد في مواقع المسئولية. بالإضافة إلي عدد من كبار رجال الأمن الذين تورطوا في ضرب الثورة لحساب النظام. هي إذن ثورة لم تنجح من النواقص والمآخذ التي لحقت بغيرها من الثورات المصرية السابقة التي وقفت في منتصف الطريق. رغم ان ما دفع فيه من ثمن يفوق الثمن الذي دفع في كل الثورات الاخري. وكنا نأمل ان يكون مردودها من نتائج مناسبا للتضحيات التي بذلها الشباب عن طيب خاطر للوصول اليها, فهل يأتي قريبا ذلك اليوم الذي نري فيه ذلك.. لنقنع بانها كسبت مثل كل ما سبقها من ثورات.. ثورة إلا خمسة؟!