أصبح العالم في الآونة الأخيرة يتحدث عن التعرض لنقص كبير في المياه مع حلول عام2050 وربما قبل، وكلما زاد الحديث عن تلك القضية دفعنا ذلك نحو مناقشة ما يمكن أن تتسبب فيه ظاهرة ندرة المياه. وحتي ندرك مدي التشابك بين مختلف دول العالم حول موارد المياه كان لابد لنا من النظر في تقارير الأممالمتحدة حول تلك المسألة ففي تقرير لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم( اليونسكو) أشارت المنظمة الدولية إلي أن ثلث أحواض الأنهار في العالم يتم تقاسمها بين أكثر من دولة كما أن15% من دول العالم تتلقي مياهها من دول أخري. كما أن اثنين من أصل ثلاثة أنهار أو آبار جوفية يتم تقاسمها بين عدة دول. والحقيقة أنه في ظل ذلك التشابك يمكن أن تكون هناك بيئة مواتية لحدوث توترات بسبب المياه في حال نقصها يمكن أن تؤدي إلي نزاعات. وتشير الإحصائيات إلي أن الموارد المائية المتاحة في العالم العربي من مياه جوفية وسطحية لاتتجاوز85,371 مليار متر مكعب. كما انه في عام1960 كان استخدام الفرد الواحد في العالم العربي من الماء يقارب3300 متر مكعب سنويا, أما اليوم فمعدل حصة الفرد لا تتجاوز1250 مترا مكعبا في السنة وهي أدني كمية ممكنة للفرد, ويتوقع أن تصل الي650 مترا مكعبا بمعني النزول الأكيد تحت خط الفقر لمعظم الدول العربية أو كلها. ولاشك أن هذا كله يجعلنا بكل تأكيد نهتم بأننا مقبلون علي تحد مائي يستلزم الانتباه والحرص. والحقيقة أنه رغم وجود نقاشات يمكن أن تكون حادة في بعض الأحيان حول تقاسم مياه نهر أو بئر إلا أن الأمر لم يؤد إلي حالة من التوتر الذي نتوقع معه إمكانية نشوب حرب. ولم نر في تلك النقاشات أي تهديد أو إشارة إلي ذلك. ناهيك عن أن هناك عددا من الخبراء الدوليين في مجال المياه رفضوا الأفكار التي تحدثت عن إمكانية وقوع حروب مياه وقالوا انه مجرد تهويل وان نشوب أي حرب بسبب المياه أمر بعيد المنال. وقالوا إنه علي الرغم من أن هناك مناطق في العالم ستواجه مشكلات في موارد المياه خلال السنوات العشر المقبلة إلا أن هناك العديد من الأحداث التي أثبتت أن الدول تحسن التعاون فيما بينها عندما تناقش مسألة المياه. كما ان دول العالم تظهر مرونة شديدة في حل مشكلات المياه عن طريق الحوار بل ولاحظنا خلال الآونة الأخيرة العديد من المؤتمرات الدولية التي تناقش مشكلة نقص المياه. وقد أدت تلك المؤتمرات إلي ازدياد الوعي الدولي بهذه القضية الأمر الذي ربما يكون قد ساعد في البحث بتعقل عن حل لأزمة المياه التي من الممكن أن تواجه العالم. والجديد في الأمر أن بعض الخبراء في مجال المياه أكدوا أن نقص المياه مجرد كلام فارغ وأن العالم لن يعاني منه قبل مائة عام وأن ما يواجهه العالم حاليا من مشكلة يتمثل في سوء إدارة الموارد المائية حيث يتم إهدار كميات هائلة من المياه دون جدوي وهذا هو التحدي الذي يواجه العالم حاليا. أما بالنسبة لمن يقولون إن الماء سيتحول إلي سلعة مثل النفط في المستقبل فهذا كلام مبالغ فيه, لأن كميات المياه في العالم ومواردها ليست قليلة, وعلي فرض أن الموارد المائية الطبيعية في طريقها للنضوب فهناك طرق يمكن من خلالها استغلال مياه البحار والمحيطات الشاسعة لتحويلها إلي مياه عذبة. وبالتأكيد عندما نصل إلي تلك الدرجة ستكون تقنيات تحلية المياه قد تطورت بدرجة كبيرة مما يجعل المسألة أكثر سهولة. ومن هنا ففكرة أن المياه يمكن أن تصبح سلعة أمر بعيد حاليا نظرا إلي أن نقص الموارد المائية ليست بالخطورة وما تعانيه دول العالم في الأساس هو سوء استغلال الموارد المائية التي لديه حاليا وهو أمر لايمكن التغاضي عنه بالطبع. كل ما سبق يجعل من الواضح أن هناك إدراكا بأن المياه أصبحت قليلة في بعض المناطق وستكون أكثر شحا ولكن هناك أيضا تفاؤلا بأن التعاون الإقليمي سيحول دون نشوب حروب وهذا لا يهون من أن العالم يواجه مشكلة بسبب المياه سواء كانت نقصا في المياه أو سوء إدارة ويجب أن يجد لها حلولا بل ويساعد الدول التي من الممكن أن تتعرض لمشكلات في هذا المجال. محمد فؤاد [email protected]