وزير الري يتابع إجراءات تطوير منظومة إدارة وتوزيع المياه في مصر    رئيس جامعة القاهرة يفتتح المؤتمر العلمي الدولي لكلية الصيدلة لتعزيز التواصل العلمي لمستقبل المهنة    الدولار يتراجع أمام الجنيه المصري في بداية تعاملات الأربعاء 7 مايو    هل يمنح الدائن حقوق مطلقة؟ تعرف على قيود الرهن العقاري في القانون    البنك المركزي الصيني يخفض سعر الفائدة الرئيسي لدعم الاقتصاد    الهند تزعم ضربها ل معسكرات إرهابية في باكستان    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    مجازر جديدة.. استشهاد 23 فلسطينيا بقصف إسرائيلي على غزة    كريستيانو في مواجهة بنزيما.. التشكيل المتوقع لقمة الدوري السعودي بين النصر والاتحاد    «أنهى حلم برشلونة».. صحف كتالونيا تنتقد قرارات حكم مباراة إنتر في دوري الأبطال    مصيرهم مش بإيديهم| موقف منتخب مصر للشباب من التأهل لربع نهائي أمم أفريقيا    تجديد حبس تشكيل عصابي تخصص في النصب باستخدام قطع أثرية مقلدة بالقاهرة    النيابة تعاين موقع تعدى مدرس على طالبات بمدرسة فى الإسكندرية    المؤبد لعاطل لحيازته 7 كيلو لمخدر الهيروين بالإسكندرية    النشرة المرورية.. زحام الطرق الرئيسية فى القاهرة والجيزة    إيرادات تخطت 200 مليون جنيه، مفاجآت بالبوكس أوفيس للأفلام المصرية    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    مصر تبحث الاستعانة بالخبرات الفرنسية في الرعاية الصحية    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي على أصوله    كندة علوش تكشف علاقتها بالمطبخ وسر دخولها التمثيل صدفة    بعد حفل زفافها.. روجينا توجه رسالة ل «رنا رئيس»| شاهد    سعر اللحوم الحمراء اليوم الأربعاء 7 مايو    السيطرة على حريق بسيارة ملاكي بدار السلام في سوهاج    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    إحالة عاطلين للمحاكمة الجنائية لسرقتهما 6 منازل بمدينة بدر    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 7 مايو 2025 م    كندة علوش عن تجربتها مع السرطان: الكيماوي وقعلي شعري.. اشتريت باروكة وما لبستهاش    النائب عمرو درويش: لا إلغاء تلقائي لعقود الإيجار القديم.. والمحاكم هي الفيصل حال عدم صدور قانون    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. حديد عز ب39 ألف جنيه    مواعيد امتحانات العام الدراسي المقبل لصفوف النقل والشهادات الدراسية 2026    ترامب: لا يمكن لإيران أن تمتلك أسلحة نووية ولن يبقى أمامنا خيار إذا سارت في طريق آخر    مباراة برشلونة وإنتر تدخل التاريخ.. ورافينيا يعادل رونالدو    تحرير 30 محضرًا في حملة تموينية على محطات الوقود ومستودعات الغاز بدمياط    كندة علوش تروي تجربتها مع السرطان وتوجه نصائح مؤثرة للسيدات    إريك جارسيا يلمح لتكرار "الجدل التحكيمي" في مواجهة إنتر: نعرف ما حدث مع هذا الحكم من قبل    متحدث الأوقاف": لا خلاف مع الأزهر بشأن قانون تنظيم الفتوى    «تحديد المصير».. مواجهات نارية للباحثين عن النجاة في دوري المحترفين    موعد مباريات اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. إنفوجراف    سيد عبد الحفيظ يتوقع قرار لجنة التظلمات بشأن مباراة القمة.. ورد مثير من أحمد سليمان    عاجل.. الذهب يقفز في مصر 185 جنيهًا بسبب التوترات الجيوسياسية    ترامب يعلّق على التصعيد بين الهند وباكستان: "أمر مؤسف.. وآمل أن ينتهي سريعًا"    الذكرى ال 80 ليوم النصر في ندوة لمركز الحوار.. صور    كوكلا رفعت: "أولاد النيل" توثيق لعفوية الطفولة وجمال الحياة على ضفاف النيل    موعد إجازة مولد النبوي الشريف 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    «كل يوم مادة لمدة أسبوع».. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي 2025 بمحافظة الجيزة    المؤتمر العاشر ل"المرأة العربية" يختتم أعماله بإعلان رؤية موحدة لحماية النساء من العنف السيبراني    مُعلق على مشنقة.. العثور على جثة شاب بمساكن اللاسلكي في بورسعيد    ألم الفك عند الاستيقاظ.. قد يكوت مؤشر على هذه الحالة    الهند: أظهرنا قدرا كبيرا من ضبط النفس في انتقاء الأهداف في باكستان    مكسب مالي غير متوقع لكن احترس.. حظ برج الدلو اليوم 7 مايو    3 أبراج «أعصابهم حديد».. هادئون جدًا يتصرفون كالقادة ويتحملون الضغوط كالجبال    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    أطباء مستشفى دسوق العام يجرون جراحة ناجحة لإنقاذ حداد من سيخ حديدي    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات من ميدان التحرير
حين تدق المتاريس

السبت‏5‏ فبراير الساعة‏9‏ صباحا اليوم‏12‏ من الثورة اكتب بسرعة لأستبق فعل الذاكرة الخئون‏, الآن انا في شقتي الكائنة بالدور الثالث بشارع قصر النيل‏,‏ المشهد من البلكونة‏,‏ برودة شتوية صباحية‏.‏ كانت المتاريس الاربعة في مكانها‏,‏ لكن اختفي المقلاع الخشبي‏,‏ اين اختفي؟ كان المقلاع مكونا من ثلاثة قوائم خشبية تلتقي كلها في نقطة راسية‏,‏ مثبت بين القوائم الثلاثة عارضة خشبية تحمل ذراعا ينتهي بقصعة معدنية بغرض وضع الحجارة بها فاذا ما تم جذب ذراع المقلاع الخشبية لاسفل قام بقذف الطوب لأبعد نقطة‏,‏ ربما تتجاوز أبعد بلطجي من مؤيدي مبارك في ميدان طلعت حرب‏,‏ ولكن لماذا اختفي المقلاع؟ هل هو غير عملي؟ هل هدأت المعارك بعد الفضيحة الدولية لمعركة الجمل والاحصنة والسيوف والسنج وبعد القذف بقنابل الملوتوف والرصاص الحي من فوق كوبري اكتوبر وميدان الشهيد عبد المنعم رياض ومن فوق بعض العمارات داخل ميدان التحرير ذاته‏.‏ يقف صف بشري علي بعد عشرة امتار من المتراس الاول الذي يحجز فوهة شارع قصر النيل عن الميدان‏,‏ وامام افراد المتراس الاول خط غليظ من الحجارة المعدة للقذف وعلي بعد نحو عشرين مترا اخري وقف صف بشري ينتهي طرفه الايمن الي جدار الجراج الضخم لشركة مصر لادارة الأصول العقارية‏,‏ وجانبه الايمن الي مشروع انشاء فندق حيث تقف آلات الحفر العملاقة‏,‏ وامام هذا الصف نحو خمسة وعشرين كوما من الحجارة المعدة للقذف‏,‏ وعلي بعد نحو عشرة امتار من هذا الخط الدفاعي يبدأ المتراس الثاني المكون من قطع الاخشاب والصفيح والحديد واعمدة الانارة المخلوعة والمشمع‏,‏ كان كل متراس يتراوح ارتفاعه ما بين متر ونصف الي ثلاثة امتار‏,‏ يلي المتراس الثاني شبكة من الاسلاك الشائكة التي شدت ما بين عمودي الإنارة علي الرصيفين شمالا ويمينا‏,‏ وبعد المبني الذي تشغل طابقه الارضي الخطوط الجوية السعودية‏,‏ وعلي بعد عشرة امتار اخري شد حبل غليظ اصفر اللون بين عمودي الانارة‏,‏ ثم امتد باقي شارع قصر النيل‏,‏ وقبل ان يصب في ميدان طلعت حرب وضع متراس كبير علي فوهة الميدان مكون من الشباك البلاستيكية والحديد والاخشاب والصفيح‏,‏ طرف المتراس الايمن هو الخطوط الجوية الفرنسية‏,‏ وطرفه الأيسر جروبي‏,‏ كان افراد الاشارة او الناضورجية يختفون في زوايا المباني وخلف المتاريس وفي مدخل الشارع الجانبي الضيق الذي يفصل عمارة الخطوط الجوية الفرنسية عن العمارة التي يوجد بها بار استوريل وكان للشارع الضيق الذي قطعه متراس مرتفع نسبيا اهمية استراتيجية‏,‏ حيث يؤدي لكشف التحركات في شارع طلعت حرب وشارع هدي شعراوي الذي يتعامد عليه‏,‏ فإذا ما لاحظ فرد الاشارة اي تحرك مريب كما لو رأي مجموعة من افراد السرية في زي مدني او مجموعة من البلطجية تحاول الوصول للميدان واختراق المتاريس‏,‏ راح يضرب صفيح المتراس بقطعة خشب‏,‏ وراح يطلق الصفير بوضع اصبعيه تحت لسانه‏,‏ ومن ثم ينتقل الصفير الي المتراس التالي ثم الذي بعده والذي بعده الي ان يصل الي ميدان التحرير حيث تنطلق مجموعة كبيرة لاحتلال مواقعها امام اكوام الحجارة فإذا ما تبين ان الانذار كاذب راح الافراد امام متراس المواجهة الاول يرفعون ايديهم الي اعلي ويشيرون بها ان‏:‏ انتهي‏,‏ فيعود الجميع ادراجه الي مواقعه السابقة‏,‏ علي ان حركة الدخول والخروج تسير في اثناء ذلك في النقاط الامنية بتنظيم شديد‏,‏ ولا تتوقف ابدا الا في حالة اشتعال معركة تقاذف بالحجارة‏,‏ حيث يتحول فضاء الشارع الي قطع من الحجارة الطائرة كأنها المطر لا يكف عن التساقط‏,‏ يتناهي الي من التليفزيون خبر عاجل من قناة الجزيرة‏:‏ انفجار خط انابيب الغاز المؤدي الي اسرائيل بالشيخ زويد بسيناء وحريق هائل‏.‏ من البلكونة علي يميني كان يمكنني رؤية شطر عرضي من ميدان التحرير واللافتة الضخمة لمشروع تطوير وتحديث فندق ريتز كارلتون وإحلال وتجديد المنطقة الخلفية ثم قطاع من الفندق ذاته‏,‏ وقد اقتلعت نوافذه‏,‏ وعن يساري كان يمكنني رؤية تمثال طلعت حرب يتوسط الميدان الذي يحمل اسمه‏,‏ كان ظهر السيد طلعت حرب تجاه ميدان التحرير‏,‏ بينما وجهه يطل علي امتداد شارع قصر النيل‏,‏ الذي يصل الي ميدان الزعيم الشاب مصطفي كامل‏,‏ كانت الحركة الصباحية في بداياتها‏,‏ علي الجانب الأيمن من الطريق بوابات دخول من المتاريس‏,‏ علي كل باب متراس لجنة أمنية مكونة من نحو اربعة افراد تقوم بالاطلاع علي البطاقة والتفتيش الذاتي عن الاسلحة‏,‏ وبعد اجتياز نحو اربع بوابات امنية يمكن الدخول الي الميدان‏,‏ اذكر نفسي ان اليوم هو السبت‏5‏ فبراير الصباح التالي لجمعة الرحيل‏,‏ وان بعض الاعلام الرسمي الذي يسيطر عليه النظام يتشدق بان جمعة الرحيل المليونية انتهت ولم يرحل حسني مبارك‏,‏ من القطاع العرضي المتاح لي عبر البلكونة اري اعدادا قليلة من المترجلين واري البوابات تعمل وان عدد القادمين قليل‏,‏ طمأنت نفسي ان ذلك معتاد فاليوم هو التالي لوقفة مليونية‏,‏ وايضا يوم اعداد لمليونية اخري هي غدا الاحد‏6‏ فبراير‏,‏ وهو اليوم الثالث عشر من عمر الثورة احاول تجاوز القلق وما تصورته نبرة حزن في صوت احمد اللباد‏,‏ وانا اتحدث اليه منذ ساعة علي الموبايل قال انه لم ينم‏,‏ وانه كان سهران في ميريت وقال انه لاحظ ان الناس تعبت في الميدان‏,‏ سارعت الي القول ان ده مش صحيح وان الثورة دي بتحركها طاقة متجددة‏,‏ الحقيقة كنت اقول هذا الكلام لنفسي لا للباد‏,‏ فالحكاية طالت والهجمة المرتدة تعلمت الخبث‏,‏ وتراهن علي الوقت‏,‏ وقد دست ناسا داخل المظاهرة يدعون الي الانهاء والي الاكتفاء بما تم‏,‏ كنت اتصور ان هذا النظام الذي عاش وشاخ داخل سلطة قمعية لا تتورع عن فعل اي شيء‏,‏ نظام له مجرموه وبلطجيته جاهزون وقت الحاجة‏,‏ نظام له اتباعه الذين استفادوا منه وله مؤيدون فعلا‏,‏ لطول عهدي باليأس كان يخايلني دائما في كل منعطف‏,‏ كنت ابحث عن لحظة يمكنني القول فيها بثقة عن استحالة العودة الي الماضي‏,‏ وكنت موقنا الي الساعة ونحن في اليوم الثاني عشر من الثورة ان مبارك لو تركت له الفرصة وانتهت الثورة لاستعاد نظامه وجميع مشاريعه بما فيها توريث ابنه الحكم ولصار اشد شراسة وبطشا بخصومه ولأنشأ نظاما قمعيا جديدا غير قابل للزوال ولنال تعاطف الغرب فالانظمة المؤيدة تميل اذا ما مالت مركب الثورة‏,‏ وهكذا أشعر ان الثورة تسير علي منحدر زلق او تصعد حائطا زجاجيا غير مسموح لها بالسقوط وإلا صارت هي الجريمة ولصار القائمون بها هم المجرمين الذين تنصب لهم المشانق في الميدان‏.‏
السبت‏5‏ فبراير
الساعة‏1.20‏ ظهرا
اليوم‏12‏ من الثورة
لم أخرج بعد للمظاهرة‏,‏ كل يوم أقضي في الميدان من ثلاث إلي أربع ساعات‏,‏ انزل إلي الميدان وداخلي شعور انني ارغب في عمل شيء كبير بحجم الثورة‏,‏ اذرع الميدان جيئة وذهابا بحثا عن شيء ما‏,‏ كان ثمة شيء ينتظرني لأفعله فأصبح جزءا من هذا الشيء الذي يجري أمامي‏,‏ لا يمكنني اخذ قطعة من هذا الشيء‏,‏ أسير في مظاهرة واردد الهتافات رافعا ذراعي لأعلي يا سوزان صحي البيه كيلو العتس بعشرة جنيه أو أقف في مظاهرة ثابتة مثل المظاهرة الضخمة شرق الميدان أمام مطعم هاردييز أو تلك التي أمام كنتاكي وأردد بحماس هيلا هيلا هيلا والليلة آخر ليلة ولا يمكن اقتناص الشيء‏,‏ بالرغم من ذلك لا أتصور عدم الذهاب‏,‏ شغف غريب يجتذبني للعودة دائما‏,‏ رغم الخطورة الشديدة‏,‏ رغم اجتياز البوابات الأمنية العنيدة بالخضوع للتفتيش الذاتي‏,‏ وأتوجس دائما من انفضاض هذا الشيء‏,‏ لذلك ارغب في تسجل اكبر قدر ممكن مما رأيت‏,‏ لا يمكنني التعويل علي الذاكرة فقط‏,‏ ربما اكتفيت اليوم بالكتابة وبمراقبة المشهد من البلكونة‏,‏ ألا يقوم المختصون بالمتاريس الأربعة في شارع قصر النيل بالإمساك بمقشات وكنس الشارع‏,‏ لقد كنسوا مساحة كبيرة‏,‏ أكيد ما دفعهم لذلك هو الهدوء النسبي‏,‏ علي جبهات قذف الحجارة لا ظهور اليوم للبلطجية أمام متراس طلعت حرب‏.‏ صارت هذه اللجان الأمنية‏,‏ هي المسيطرة في محيط وسط البلد علي مرحلتين‏,‏ الأولي‏:‏ حين ابتلع الحوت جميع قوي الأمن المركزي والبوليس المصري فاختفي من جميع محافظات ونجوع وقري وشوارع وحارات جمهورية مصر العربية في تمام الساعة الخامسة من يوم جمعة الغضب‏,‏ والثانية يوم الأربعاء المسمي‏:‏ بموقعة الجمل‏.‏
بالأمس نزلت إلي مليونية الرحيل مع صديقي الشاعر إبراهيم السيد‏,‏ كان هناك توقع أن هذا اليوم الأخير للنظام‏,‏ قال إبراهيم إن هذا النظام قد وزر جميع خطايا ثورة يوليو‏,‏ وان من خرجوا ضده منذ يوم‏25‏ يناير‏,‏ لم يكونوا ضد نظامه فقط بل ضد النظام الذي أنشأه الضباط سنة‏1952‏ قلت‏:‏ لكن لابد تحصل خناقة كبيرة بعد نجاح الثورة بين من قاموا بها الاختلافات كثيرة‏,‏ وأشرت إلي كثرة الإخوان‏,‏ قال‏:‏ لن يبقي اتجاه علي حاله فالاخواني سار جنبا إلي جنب مع باقي الاتجاهات ورأي زميله يقتل إلي جواره‏,‏ وأحيانا دفاعا عنه‏,‏ ورأي فتيات جميلات يرتدين ملابس حديثة وضيقة مزز يعني وشباب يصففون شعورهم علي هيئة ذيل حصان‏,‏ والجميع يقومون بنفس الدور وفي نفس الخندق فوق إسفلت ميدان التحرير‏,‏ كنت قلقا من أن يخذل الناس التوقع المليوني في يوم جمعة الرحيل‏,‏ قال إبراهيم إن البلطجية ومباحث أمن الدولة تمنع الناس علي مداخل القاهرة من الوصول إلي ميدان التحرير‏,‏ كنا مندهشين من موقف الجيش فلا يمكن أن تلقي زجاجة ملوتوف من البلطجية علي دبابة وتمسك بها النار ويقف علي الحياد‏,‏ ذهبنا إلي تجمع من المتظاهرين حول دبابة بالقرب من المتحف كان الجيش قد قص الجزء الشمالي من ميدان التحرير المؤدي إلي ميدان عبدالمنعم رياض ووضع به سلكا شائكا ومنع المتظاهرين من الوصول إليه وكانت هذه المنطقة أشرس جبهات القتال التي تحصن بها البلطجية يوم الأربعاء الدامي وبها سقط الكثير من الشهداء والجرحي‏,‏ حين حاول بعض أعضاء اللجان اجتياز هذا الحاجز للسيطرة عليه ولكونه امتدادا طبيعيا‏,‏ انبري مقدم أمام دبابة وأشار بيده إلي جنوب ميدان التحرير قائلا كده اقدر أحميك ثم أشار إلي شمال الميدان وقال كده أنا مش مسئول عنك وما اقدرش أحميك ثم قال هنا البلطجية والسيوف وولاد‏...‏ تلفت حولي بحثا عن إبراهيم لم أجد له أثرا دائما كلما خرجت مع احد تهنا من بعضنا في الزحمة‏,‏ رحت أسير تجاه غرب الميدان‏,‏ الساعة نحو الواحدة والنصف ظهرا‏,‏ تقريبا انتهت صلاة الجمعة في اغلب مساجد القاهرة‏,‏ كما انتهت الصلاة في الميدان‏,‏ ومازال عدد المتظاهرين اقل من يوم جمعة المليونية الأولي‏,‏ سمعت احد المتظاهرين يتصل علي الموبايل يسأل شخصا هو العدد بقي كام علي قناة الجزيرة وعندما رد عليه الصوت قال‏:‏ لا هاتي الجزيرة أو قناة المستقلة‏,‏ سألته‏:‏ قالتلك كام؟ قال القنوات الحكومية تقول خمسة آلاف‏.‏ كانت الحشود حولي تزيد علي نصف المليون‏,‏ تتكتل اغلبها جنوب الميدان لاحظت وجود كاميرا‏..‏ في الدور قبل الأخير في الركن الشرقي بالعمارة الضخمة تحذير للصحفيين الأجانب بمغادرة الفنادق المطلة عن الميدان‏,‏ رجحت أن هذه الكاميرا تخص الجزيرة وأنها نجحت في زرعها في هذا المكان‏,‏ وشعرت بالارتياح لذلك فهذه الثورة التي انطلقت اعتمادا علي الوسائط الحديثة تظل في حاجة لهذه الوسائط في معركتها ضد نظام متحجر ولا يستحيي لكنه يحسب حسابه للصورة التي سيراها الغرب‏,‏ والغرب ذاته يتمني لو أن هذه الصورة لم تصل ولم يرها جمهوره‏,‏ لقد لاحظت صباحا تغيرا في المشهد الذي تبثه الجزيرة لميدان التحرير تبعا لتغير مكان الكاميرا‏,‏ جلست علي الرصيف المواجه لمجمع التحرير‏,‏ كانت الأعداد تتزايد ببطء‏,‏ تذكرت رجلا ستينيا رأيته في المساء السابق علي المليونية الثانية‏,‏ كان نحيلا ويتكلم بصوت خفيض وبتأتأة خفيفة‏,‏ كان يحمل حقيبة جلدية قديمة كان مازال إلي جانبي علي رصيف الحديقة المواجهه لمجمع التحرير مساحة فارغة تتسع لشخص استأذنني في الجلوس في المساحة الباقية إلي جواري كان يبدو موظفا في الضرائب العقارية علي المعاش أو مدرس ابتدائي قديما أحيل للمعاش أيضا سألني عما إذا كان يوجد محل قريب يشتري منه سجائر قلت له إن ذلك صعب جدا لان الأمر يتضمن العبور ببوابات عديدة للتفتيش عند العودة فضلا عن وجود البلطجية عند بعض المخارج وان المحال اغلبها قد أغلق بسبب حظر التجول وعرضت عليه سيجارة من علبتي التي بقي فيها سيجارتان‏,‏ رفض بحزم رغم عرضي عدة مرات‏,‏ اقترب مني وقال انه ليس من القاهرة وانه لا يحب هذه البلد‏,‏ ولا يعرف فيها اي شيء‏,‏ وانه من الإسكندرية وانه يعرف ميدان رمسيس لأنه المكان الذي يراه عندما ينزل من القطار‏,‏ وانه يعرف دار القضاء العالي وانه ركب مشروعا من رمسيس وانزله بالقرب من دار القضاء العالي وهناك تلقاه أشخاص كثيرون وراحوا يسلمونه لبعضهم‏,‏ من أشخاص بملابس مدنية إلي أشخاص بملابس عسكرية‏,‏ وأنهم ادخلوه إلي عربة ثم انزلوه منها وقالوا له بعد أن اخذوا بطاقته انه سينتظر إلي حين قدوم الرائد‏,‏ وقال انه هاج عليهم‏,‏ وراح يزعق فيهم فقد تركوه ينتظر عدة ساعات‏,‏ قال لما شفت الأولاد دول وأشار علي المتظاهرين علي التليفزيون بيحاربوا عشانا قلت لو لسه يوم في حياتي لازم أعيشه بكرامه‏,‏ كان شكله وخجله يوحي انه لا يمكن أن يزعق فيهم‏,‏ وأنا أنصت إليه محاولا اكتشاف تفاصيل حكايته رن الموبايل في يدي فقمت فتحركت نحو ثلاثة أمتار بعيدا عنه لأتكلم براحتي‏,‏ عندما انتهيت عدت إلي المكان فلم أجده‏,‏ راحت أعداد المتظاهرين تتزايد من كل مداخل ميدان التحرير خاصة مدخل كوبري قصر النيل كان شريانا لا ينقطع يأتي من الجيزة عبر الكوبري وعلي جانبي الطريق اصطفت جماهير من المتظاهرين يستقبلون القادمين من الجيزة بالهتاف وبتحريك الأعلام مرحب مرحب بالثوار اللي انضموا للأحرار بينما كاميرات الموبايل وكاميرات بعض الأجانب من شتي الجنسيات تلتقط صورا للمشاهد فيما يرفع بعض الوافدين يده بعلامة النصر‏,‏ قرب المغرب كانت المليونية قد اكتملت وفاضت بعض التقديرات وفقا لقناة الجزيرة ذكرت رقما يزيد علي المليون ونصف المليون أما المتظاهرون فقد قدروها علي أنها تزيد علي المليونية الأولي اي أنها بلغت اكثر من اثنين مليون ونصف‏..‏ المتاريس الموجودة تحت بيتي رايتها جنوب غرب الميدان حين ذهبت اشق الكتل المليونية ليوم جمعة الرحيل باحثا عن دورة مياه لا تبول بها كان المتراس الذي يسد الميدان من هذه الناحية يقطع عرض الطريق المؤدي لميدان سيمون بوليفار ويصل مابين جدار جامع عمر مكرم وجدار مجمع التحرير ولا اعرف ما إذا كان هناك متاريس أخري تجاه فندق شيبرد من عدمه‏,‏ رأيت شابا يتبول إلي جوار جدار المجمع في النقطة المغلقة من الحاجز الأمني رحت أمشي إلي جوار المتراس مفكرا أن افعل مثله لكني اعرف نفسي لا يمكنني التبول أمام كل هذا العدد من البشر سيحتبس البول داخلي فكرت في اجتياز الحاجز الأمني بحثا عن مكان آخر لكن فكرة تعرضي للتفتيش مجددا جعلتني اصرف النظر عن ذلك لم أفكر في دورة مياه جامع عمر مكرم أصلا فقد كانت صلاة المغرب قائمة وكان منتظري دخول دورة المياه للوضوء طوابير يستحيل أن تلمح نهايتها‏,‏ تحت إلحاح ضغط البول قررت التوجه إلي البيت ثم العودة بعد فترة راحة‏,‏ رحت اخترق الحشود البشرية لأصل إلي بوابة قصر النيل بعد ما يزيد علي ربع الساعة وصلت إلي بوابة الخروج وانزلقت منها بيسر‏,‏ قبل أن أخطو خطواتي الأولي راحت المتاريس تدق‏,‏ وانطلق الصغير‏,‏ وفوجئت بحشود ضخمة تجري شرقا تجاه ميدان طلعت حرب‏,‏ احتميت بجدار شركة ايجيتراف للسياحة عن يساري منتظرا هطول الحجارة فوق راسي‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.