تمثيلية فجة رأيتها علي شاشة تليفزيون الدولة الذي يملكه الشعب المصري. رأيت وقائع عرض هزلي استعرض فيه مقدمو البرامج في الفضائية المصرية الملايين من الجنيهات التي يتقاضونها في الوقت الذي يتقاضي فيه عشرات الآلاف من المخرجين والمذيعين ومعدي البرامج في التليفزيون المصري جنيهات معدودة. ماحدث يمثل قمة العبث في تليفزيون الدولة الرسمي الذي ينبغي أن يمثل قيم الموضوعية والنزاهة والشرف ولن نذهب بعيدا فأمامنا نموذج التليفزيون البريطاني وهيئة الاذاعة البريطانية اللذين يتابعهما مجلس مستقل يتشكل من أعضاء شخصيات عامة لا علاقة لهم البته بالحكومة. رأيت محاولات للتنصل من النظام القديم انتهي بها الامر الي فتح الملفات التي كانت خافية علي85 مليون مصري يدفعون الضرائب والتي منها يتم الانفاق علي تليفزيون الدولة. ولندخل في الموضوع مباشرة. مساء الاربعاء الماضي استضاف محمود سعد في برنامج مصر النهاردة رئيس قطاع الاخبار بالتليفزيون عبد اللطيف المناوي لتبرير ماحدث.. كيف تعثر الاداء التليفزيوني تحت قيادة أنس الفقي وزير الاعلام السابق وعبد اللطيف المناوي ولم يتمكن من ان يقدم تغطية اخبارية وتحليلية وموضوعية لما حدث في مصر بدءا من يوم25 يناير! كيف استخف تليفزيون الدولة بالملايين من المصريين المشتاقين الي الحرية واستخدم تعبيرات من عينة قلة مندسة, دعاة الفوضي, مجموعة محدودة من المتظاهرين في الوقت الذي تدفق فيه ملايين من المصريين علي ميدان التحرير! كيف اندفعت الجموع الهادرة من شباب مصر25 يناير و6 ابريل وكفاية وغيرهم الي ميدان التحرير فاتحين صدورهم لرصاصات الامن ليسقط منهم300 شهيد آملين تغيير مصر سلميا الي الديمقراطية والحرية والعدالة وانهاء حكم الفرد الواحد الذي عطل التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي لامة عريقة مثل مصر..في الوقت الذي صدرت فيه تعليمات الفقي والمناوي بتوجيه كاميرات التليفزيون المصري نحو نهر النيل والتجاهل التام لارادة الشعب المصري..بل والتجاهل التام للحد الادني من قواعد الحرفية والمهنية والعمل الصحفي بتغطية الاحداث بموضوعية.. بدون مبالغة وبدون تهوين في نفس الوقت. انصرف الملايين من ابناء مصر الي الوسائط المتعددة الاعلامية مثل الانترنت ومواقعه الشهيرة فيس بوك وتويتر, كما ركزوا عيونهم وأبصارهم علي شاشات الجزيرة والعربية ومن يتحدث الانجليزية الي شاشاتCNN وBBC وغيرها من القنوات العالمية. شاهدنا اداء مرتفعا من قبل الجزيرة بعد تغطية شاملة لا نظير لها علي القناة الاساسية ثم علي الجزيرة مباشر ثم علي الجزيرة انترناشيونال.. تغطية رفيعة المستوي انحازت الي العدالة والحرية والديمقراطية..قدمت كل مساعدة ممكنة للمصريين لايصال صوتهم الي العالم..لقد خرجت من الجزيرة أصوات كل المعذبين والمكلومين والمقهورين من ابناء الشعب المصري يتحدثون بفخر وعزة وإباء عن ثورتهم.. عن إصرارهم علي تنحية النظام بشكل سلمي أثار أعجاب العالم كله. وشاهدنا اداء تعيسا علي القناة الاولي والفضائية المصرية وقنوات النيل. الي ان انتصرت الثورة..ذهب الرئيس..وظل رجاله يدافعون عن القصر والتليفزيون والاذاعة ولايزالون. ظل الفقي عدة ايام والمناوي عدة ايام أخري يخرجون علي الناس.. يتحدثان.. يبرران ماحدث..لكن هيهات! جاء محمود سعد بالسيد المناوي يتحدث..لا أدري لماذا تحدث فقد ظهرت الوقائع امام مصر كلها وفشل التليفزيون المصري بامتياز في هذه اللحظة الحاسمة في تاريخ البشرية والتي تفوق ماحدث في الثورة الاشهر الثورة الفرنسية لعدم جنوحها الي العنف. دخل وزير الاعلام السابق علي الخط لكي يقول لمحمود سعد: الآن تتبرأ مما حدث.. ألم تطلب مقابلة جمال مبارك مرات عدة؟ الم تحصل علي7 ملايين جنيه عن البرنامج مصر النهارده وطلبت9 ملايين جنيه! رد سعد: نعم وسوف أطلب15 مليون جنيه..أنا أحصل علي راتبي من الاعلانات. قال الفقي: أية اعلانات..أليست اعلانات تأتي الي التليفزيون المصري. بعد برهة دخل علي الخط المذيع خيري رمضان وتحدث قائلا: هي الثورة دي عايزة ايه؟ قال سعد: ألم تأخذ الملايين ياخيري مثلي. رد خيري: ملايين بس موش بالضبط كده. وفي وسط هذا الحوار الدامي كان هناك صوت الضمير يحاسب ويراقب ويلهب الذمم المنقوصة بالسياط.. صوت عمار الشريعي الموسيقار الذي انحاز الي ابناء مصر..انحاز الي الوطن..استلهم منه موسيقاه..وقدم له أحلي الألحان..والاهم انه حظي بالاحترام البالغ من كافة قطاعات الشعب المصري تندفع منه الكلمات فيطلب منه محمود سعد ان يتوجه بخطابه الي خيري الذي سيظهر غدا علي شاشة التليفزيون. ماحدث يوضح بجلاء ان الفوضي تدب عارمة في تليفزيون مصر. ماحدث يوضح أن هناك أفرادا محدودين يديرون هذا الجهاز بالغ الاهمية لحسابهم الشخصي. ماحدث يتطلب من المجلس الاعلي للقوات المسلحة الذي يمثل الجيش المصري الذي قدم نموذجا رائعا في حماية المصريين خلال المظاهرات وثورة25 يناير ان يتدخل. نعلم ان المسئولية جد ثقيلة علي قادتنا العظماء.. لكن أبناء مصر قادرون علي مساعدتهم في عبور تلك اللحظات الحرجه من تاريخ مصر بتصحيح مايحدث في المؤسسات الاعلامية التي تمثل المال العام. لاينبغي ترك المال العام نهبا لافراد مازالوا يتربعون علي السلطة. نريد تحقيقا واسعا مفتوحا لما يحدث في تلك المؤسسات يماثل ذلك التحقيق الذي بدأ مع الفساد في كثير من المؤسسات والوزارات. المزيد من مقالات جمال زايدة