رد فعل فاتر بالأسواق على تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل    الرئاسة الفلسطينية تُدين عدوان الاحتلال الإسرائيلي على مدينة "طولكرم" ومخيميها    حصل على بطاقة صفراء ثانية ولم يطرد.. مارتينيز يثير الجدل في موقعه ليل    محمد إمام ينعى صلاح السعدني : "رحل العمدة "    افتتاح المؤتمر الدولي الثامن للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان    قناة مجانية تعلن نقل مباراة الأهلي ومازيمبي الكونغولي    "يد الأهلي" يهزم وفاق عين التوتة ببطولة كأس الكؤوس الأفريقية    درجة الحرارة تتجاوز 40 .. بيان هام بشأن الطقس الأسبوع المقبل: أعنف الموجات الحارة    متحدثة الأمم المتحدة للشئون الإنسانية: الموقف بغزة ما زال كارثيًا ومرعبا    محافظة الجيزة: قطع المياه عن منطقة منشية البكاري 6 ساعات    لا يقتصر على السيدات.. عرض أزياء مميز ل «التلي» برعاية القومي للمرأة| صور    عمارة : مدارس التعليم الفني مسؤولة عن تأهيل الخريج بجدارة لسوق العمل    وزارة الهجرة تطلق فيلم "حلقة وصل" في إطار المبادرة الرئاسية "أتكلم عربي"    أحمد صيام: صلاح السعدنى فنان كبير وأخ عزيز وصديق ومعلم    مرموش يقود آينتراخت أمام أوجسبورج بالدوري الألماني    وزيرا خارجية مصر وجنوب أفريقيا يترأسان أعمال الدورة العاشرة للجنة المشتركة للتعاون بين البلدين    محافظ أسيوط يوجه الشكر لاعضاء اللجنة النقابية الفرعية للصحفيين بالمحافظة    مطار مرسى علم الدولي يستقبل 149 رحلة تقل 13 ألف سائح من دول أوروبا    أخبار الأهلي : حقيقة مفاوضات الأهلي للتعاقد مع لاعب البنك فى الصيف    11 جامعة مصرية تشارك في المؤتمر العاشر للبحوث الطلابية بكلية تمريض القناة    وزير الاتصالات يشهد ختام فعاليات البطولة الدولية للبرمجيات بمحافظة الأقصر    الحماية المدنية تسيطر على حريق في «مقابر زفتى» ب الغربية    إخماد حريق بمخزن خردة بالبدرشين دون إصابات    ضبط لص الدراجات النارية في الفيوم    الهنود يبدءون التصويت خلال أكبر انتخابات في العالم    اعتقال مشتبه بهما في بولندا بسبب الهجوم على ناقد للكرملين في فيلنيوس    مهرجان كان السينمائي يكشف عن ملصق النسخة 77    التنسيق الحضاري ينهي أعمال المرحلة الخامسة من مشروع حكاية شارع بمناطق مصر الجديدة ومدينة نصر    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    دعاء يوم الجمعة قبل الغروب.. أفضل أيام الأسبوع وأكثرها خير وبركة    تسجيل أول سيارة بالشهر العقاري المتنقل في سوق بني سويف    وزير الصحة يتفقد المركز الإفريقي لصحة المرأة ويوجه بتنفيذ تغييرات حفاظًا على التصميم الأثري للمبنى    عمل الحواوشي باللحمة في البيت بنفس نكهة وطعم حواوشي المحلات.. وصفة بسيطة وسهلة    إسلام الكتاتني: الإخوان واجهت الدولة في ثورة يونيو بتفكير مؤسسي وليس فرديًا    حماة الوطن يهنئ أهالي أسيوط ب العيد القومي للمحافظة    محاكمة عامل يتاجر في النقد الأجنبي بعابدين.. الأحد    مؤتمر أرتيتا: لم يتحدث أحد عن تدوير اللاعبين بعد برايتون.. وسيكون لديك مشكلة إذا تريد حافز    إعادة مشروع السياحة التدريبية بالمركز الأفريقي لصحة المرأة    «التحالف الوطني»: 74 قاطرة محملة بغذاء ومشروبات وملابس لأشقائنا في غزة    بالإنفوجراف.. 29 معلومة عن امتحانات الثانوية العامة 2024    جامعة القاهرة تحتل المرتبة 38 عالميًا لأول مرة فى تخصص إدارة المكتبات والمعلومات    "مصريين بلا حدود" تنظم حوارا مجتمعيا لمكافحة التمييز وتعزيز المساواة    العمدة أهلاوي قديم.. الخطيب يحضر جنازة الفنان صلاح السعدني (صورة)    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    خالد جلال ناعيا صلاح السعدني: حفر اسمه في تاريخ الفن المصري    «التنسيق الحضاري» ينهى المرحلة الخامسة من «حكاية شارع» بمصر الجديدة ومدينة نصر    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    استشهاد شاب فلسطيني وإصابة اثنين بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم "نور شمس" شمال الضفة    ضبط 14799 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ليفركوزن يخطط لمواصلة سلسلته الاستثنائية    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هو وهي
مصر يا ولاد
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 02 - 2011

فليعذرني من بلغ سني في أنني من هنا ورايح سوف أنصت أولا لقول الشباب قبل ما أدير رأسي بعدها إليه لأسمع حكمته وذكرياته وخلاصة تجاربه‏,‏ وحق القول وإن صيغ في القالب المصري الذي لا يترك حدثا دون ملاحقته بفكاهة. من أنه عندما ينادي الشاب والده الآن‏:‏ يا بابا فإن الرد يأتيه من الوالد بقوله‏:‏ ده انت اللي بابا‏..‏ وذلك بعدما قلب الشباب جميع الموازين في أيام معدودات ليغير من مفهوم المقولة الشائعة بأن التاريخ يعيد نفسه لنكتشفها مقولة تخالف طبيعة الأشياء‏,‏ وتناقض حركة الحياة التي تسير في خط مطرد نحو الأمام وليس بعقارب الساعة إلي الوراء‏,‏ ليغدو وائل غنيم أستاذا‏,‏ والشهيدة سالي زهران جامعة‏,‏ وشباب ميدان التحرير الأكاديمية الوطنية للمعارف والفنون‏.‏
الشباب الذي جعلني لأول مرة أضع جانبا كتابات الدكتور جمال حمدان أهم المراجع في علم الاجتماع صاحب موسوعة شخصية مصر التي يقول فيها‏:‏ خلال أكثر من‏500‏ سنة لم تحدث أو تنجح في مصر ثورة شعبية حقيقية واحدة بصفة مؤكدة مقابل هبات أو فورات فطرية متواضعة أو فاشلة غالبا‏,‏ ويقول حمدان الذي لو عاش في زمن جوجل والفيس بوك لجعل من ثلاثيته رباعية يلغي في جديدها قوله المتسرع‏:‏ وهكذا بقدر ما كانت مصر من البداية إلي النهاية شعبا غير محارب جدا في الخارج‏,‏ وكان مجتمعا مدنيا يحكمه العسكريون كأمر عادي من الداخل‏,‏ وبالتالي كانت وظيفة الجيش الحكم أكثر من الحرب‏,‏ ووظيفة الشعب التبعية أكثر من الحكم‏!!‏ الشباب الذي ظل الخطاب السياسي طيلة نصف قرن يطنطن من خلال الخطب والمنابر ووزارات باسمه اهتماماتها متمركزة في الدوري وكرة القدم وأسعار اللاعبين بأنه نصف الحاضر وكل المستقبل‏,‏ في حين كان الواقع السياسي يوغل في إقصائه في الشارع والجامعة والإعلام فخذلهم الحاضر وأنكرهم المستقبل لندفعه للهرب منا بلا رجعة مفضلا الموت غرقا في أمواج البحر علي العيش معنا مجهلا متفها مغيبا أبوابه للعمل في حكم المستحيل‏..‏ الشباب الذي قدم خلال عام‏2006‏ وحده‏8‏ ملايين شاب طلبات تأشيرة إلي أمريكا‏,‏ أي‏10%‏ من سكان البلد كارهين العيش فيه‏,‏ ولم يعد الفقراء وحدهم من أصبح زاهدا في مصره فهناك أكثر من مليون حامل شهادة عليا من الشباب يعيش هائما بقوت يومه المتدني في أمريكا وأوروبا‏..‏ الشباب الذي بدا لصاحب النظر السطحي وكأنه استسلم للسلطان الجائر فغشت عيونه عن السلاح السري العجيب‏,‏ السلاح الظاهري من السلبية والإهمال وقول شوقي‏:‏
لقد أنلتك أذنا غير واعيةورب مستمع والقلب في صمم
لكنه كان في تكتيمه تنظيما فريدا للثورة التكنولوجية يتبع سياسة معاوية في قوله لابنه‏:‏ كل من حاول أن يخدعك‏,‏ فتخادعت له حتي بلغت مأربك فقد خدعته‏..‏ شباب المفاجأة الذي قام بثورة ليست النموذج الفرنسي العلماني‏,‏ أو النموذج الإيراني الأصولي الذي يعاكسه تماما‏.‏ ثورة تمشي إلي الأمام وأخري ترجع إلي الوراء‏..‏ ليأتي المشهد الشبابي المصري ليعطي النموذج المصري أشبه بإشراقة الشمس بعد دياجير الظلام‏.‏ ثورة عفوية طيبة مفعمة بالنزعة الإنسانية لتدخل التاريخ من أوسع أبوابه لا يرفع فيها شعار تكفيري واحد‏.‏ ثورة لم تكن مذهبية أو طائفية‏.‏ ثورة هتفت فيها المحجبة بجوار السافرة‏,‏ والقس فيها يحمي صلاة المسلم‏,‏ وعلي مقربة المعبد اليهودي لم يمسسه سوء‏..‏ ثورة زمانها في القياسات تستغرق أجيالا تمت ما بين يوم وليلة‏.‏ ثورة هزأت من أطنان الأبحاث والدراسات والتحليلات الأجنبية التي فشلت في رصد مقدماتها‏,‏ ولم توفق في اكتشاف مواقع آبار الغضب فيها‏,‏ ومعرفة حجم قوة العداء الشعبية للسلطة التعسفية‏,‏ وهذا بالضبط ما قالته الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أمان من أنها أخفقت في التنبؤ به فكانت مفاجأتها بما حدث كبيرة حتي أفقدت إسرائيل توازنها‏,‏ ففي الوقت الذي تتهاوي فيه الأنظمة الرئاسية في المنطقة مصر وتونس ويصدر خامنئي عفوا عن مئات المعتقلين السياسيين لامتصاص غضب ثورة بلاده‏,‏ وتصعد المعارضة مطالبها في ليبيا قبل يوم الغضب مطالبة بتنحي القذافي وإطلاق الحريات والسماح بحرية التظاهر والتعبير‏,‏ وتتعالي أصوات ثورة اليمن مطالبة بتنحي علي عبدالله صالح‏,‏ وتطالب المعارضة المتظاهرة في البحرين بمواجهات مع الشرطة بإصلاحات سياسية و‏..‏والخ‏..‏ في مثل هذا التوقيت يقيم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لجنة خاصة لوضع دستور للدولة العبرية‏,‏ وتغيير نظام الحكم فيها إلي النظام الرئاسي وذلك بتأييد من ضفتي حكمه‏:‏ وزير الخارجية أفيجور ليبرمان ووزير دفاعه ايهود باراك‏,‏ ويعلق دافيد برواديت أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا علي خطة نتنياهو للوصول للكرسي الرئاسي بقوله لقد أصيب الرجل علي ما يبدو بمس من الجنون ولابد من إيقاظه‏!!‏ وإسرائيل هنا علي شفا الثورة علي الطريقة العبرية‏.‏
شباب الميدان الذي أعطي الدرس جيدا واستوعبه الجميع حتي الإخوان وقياداتهم الشابة الواعية التي لم تعد ترفع شعارات كانت تملأ الأجواء إلي ما قبل عشر وعشرين عاما‏,‏ بل نزعم بأن الإخوان أنفسهم قد تغيروا فلم نسمع في ثورة الشباب شعارات تكفيرية لأحد‏..‏ الكل يدعو للتخلص من الاستبداد والفساد‏,‏ وتأمين لقمة الخبز وفرص العمل‏,‏ وتحقيق الحد الأدني من الكرامة الإنسانية‏..‏ الشباب الذي وضع مصر ما بين يوم وليلة لتغدو قاضي الديمقراطية‏..‏ الشباب الذي خرج بمصر لتقول أنا لا أرضي إلا بالصدارة ولا أحب إلا الصف الأول‏..‏ مصر الفصل الجليل من تاريخ كل دين‏.‏ علي أرضها كلم الله موسي وبعثه هداية للعالمين‏,‏ وأقبل عليها يسوع في المهد وكانت به أسبق المؤمنين‏,‏ ثم صارت من بعد حصن الإسلام ومعقله الحصين‏..‏ مصر التي جاء ذكرها في القرآن أكثر من ثلاثين مرة‏..‏ مصر الثورة التي ما أن هبط القريب الشاب أول أمس في مطار نيويورك حتي فوجئ بضابط كابينة الجوازات يرفع جوازه لأعلي هاتفا في الطابور الطويل انظروا‏..‏ في يدي جواز سفر مصري واسترد قريبي دماءه الهاربة في ثوان عندما سمع تصفيق صالة المطار كلها احتفاء بالمصري القادم من أرض ميدان التحرير الأسطورة‏..‏ الشباب الذي ذكرنا بأن الإسلام بجعله لا إله إلا الله محور الدين كان كفيلا بأن يذكر المسلمين دائما بأن العزة لله وحده‏,‏ وأن النفوس لا يصح أن تذل لأحد سواه‏,‏ وأن هذه الجملة توحي بالضعف أمام الله والقوة أمام من سواه‏,‏ ولكن بتراكم سنوات الفساد أصبح القول يبعث الضعف ولا يبعث القوة مما يبيح أن يشرك مع الله الحاكم المستبد‏,‏ بل المال والجاه‏,‏ ليغدو ثلاثتهم بدورهم آلهة للنظام‏!!‏
الشباب الذي كنس الميدان من أمثال الخضوع والاستسلام‏:‏ اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي وارقص للقرد في زمانه وبلد بتعبد تور حش وارمي له وطاطي راسك مع الروس أحسن الماشي عليك يدوس‏..‏ حرر الميدان من أمثال تؤصل في الجينات الرضا بالواقع واليأس من إمكانية تغييره‏:‏ إن طلع من الخشب ماشة يطلع من الفلاح باشا ومهما الفلاح إترقي تبان علي قورته الدقة‏..‏ نأي بالميدان عن أمثال الخنوع لأصحاب الثراء‏:‏ طلب الغني شقفة كسر الفقير زيره‏..‏ نقي الميدان من أمثال اليأس الذي أفرغ اللامبالاة‏:‏ أردب ما هو لك ما تحضر كيله‏,‏ تتعفر دقنك وما ينوبك غير شيله‏..‏ برأ الميدان من أمثال فقدان روح المغامرة وإيثار السلامة‏:‏ امشي سنة ولا تخطي قناة‏..‏ طهر الميدان من أمثال فقدان الأمل في العدل‏:‏ الميه ماتجريش إلا في العلالي‏..‏ ارتقي بفكر الميدان من تقبل الوعظ الموجه بقبول التميز الاجتماعي‏:‏ لكل صغير كبير‏,‏ ولكل رئيس مرؤوس‏,‏ واللي مالوش كبير يشتري له كبير‏,‏ ولما أنت أمير وأنا أمير مين حيسوق الحمير‏..‏ محا غيبوبة الميدان من أمثال تحمل الظلم التماسا لعون من السماء برفع الغيم‏:‏ اصبر علي جار السوء ليرحل يا تجيله مصيبة تاخده‏,‏ ويا بخت من بات مظلوم وماباتشي ظالم‏..‏ ورغم تحمل المصريين للظلم طويلا وصبرهم عليه كحقيقة تاريخية‏,‏ فإن الصبر كان له حدود فقد رفع ثائر الميدان الشاب لافتته الصريحة البريئة الواضحة وغير المندسة التي لم يمول طهارة كلماتها المباشرة مخطط إرهابي‏,‏ أو تنظيم قاعدة‏,‏ أو جماعة محظورة‏,‏ أو جيش الإسلام الفلسطيني‏,‏ أو المدرجون في الملاحقات الدولية من خلال الانتربول‏..‏ لافتته الكرتون رفعها للأعالي بعد أن كتب عليها بخط نكش الفراخ‏:‏ امشي بقي إيدي وجعتني‏!!‏
الشباب الذي سالت دماؤه الزكية علي أرض الميدان ما أن جاء ذكر شهدائه علي لسان جيشه ممثلا في أحد قادته العظام حتي توقف الجيش عن الكلام ليضرب سلاما معظما يماثل تحية الجندي لقائده‏..‏ ولاء المعجب لملهمه‏..‏ تبجيل حامي الحمي للوطن‏..‏ للنهر الخالد‏..‏ للعلياء‏..‏ للعطاء والشموخ والإباء والفداء والشباب‏..‏ سلام الإجلال لمن استحق الاحترام‏..‏ الاعتراف بالولاء لمن قدم روحه فداء للشعب بجميع طوائفه والجيش بجميع أجنحته‏..‏ تلك اليد القوية التي رفعت بالتحية الرسمية ترجمت في لحظات روح الملحمة المصرية التي أنطقت أوباما علي الأرض البعيدة بأن ثورة مصر كانت إلهاما لأكبر قوة علي ظهر الأرض‏..‏ يد جيش بلادي عندما ارتفعت بتحيتها العسكرية قالت الكثير‏..‏ الكثير‏..‏ رددت آيات الذكر الحكيم‏..‏ استشهدت بالحديث القدسي وأقوال النبي صلي الله عليه وسلم‏..‏ عبرت عن المصري الطيب الصبور الذي حمل علي صدره أحجار الهرم وارتفع بها‏,‏ وحمل علي كتفه القوس والسهم والسيف والبندقية وسار خلف تحتمس ورمسيس وصلاح الدين وقطز وبيبرس ومحمد علي‏,‏ وأمسك الفأس ليشق المحمودية والإبراهيمية والإسماعيلية ليعم الخير والنماء علي أرض مصر‏,‏ ثم حفر قناة السويس ليربط الغرب بالشرق‏..‏ يد المصري الذي هو في صمته مرغم وفي صبره مكره فتكلم فإذا بصيحة اليقظة تجتاح الجموع‏,‏ صيحة شدت ظهور الركع فمحت أصداؤها عار الخضوع‏,‏ صيحة بعثت فينا مجدنا عندما قال فيها كل فتي إني هنا إني هنا وأنا يا مصر فتاك بدمي أحمي حماك ودمي ملؤ ثراك‏..‏ يد الجيش عندما ارتفعت بالتحية كان نبض دمائها مصطفي كامل ولو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا‏,‏ وثورة عرابي وعمر مكرم وقبضة سعد زغلول عندما دب بها فوق مكتب الملك فؤاد يطالبه بحتمية الامتثال لرغبات الثورة‏,‏ ليقوم بعدها يفتح نافذة القصر يسمعه هتافات الشعب الثائر‏,‏ وأنغام سلامة حجازي وسيد درويش واسلمي يا مصر إنك الفدا‏,‏ وانتفاضات الصعيد عام‏1812,‏ وفلاحي المنوفية عام‏1823,‏ وجرجا عام‏1865‏ بزعامة أحمد الطيب التي قتل فيها آلاف الثائرين‏,‏ ورشيد ودمياط وطنطا‏,‏ وعبدالقادر مختار مأمور كفرالشيخ الذي انحاز للمتظاهرين‏,‏ ومثله مأمور جمهورية زفتي المستقلة‏,‏ وجمهورية المنيا برئاسة الشيخ عباس الجمل‏,‏ وثورة المنوفية وطنطا والمنصورة وقليوب التي حفر الثوار حولها خندقا‏,‏ والفيوم‏,‏ وأسيوط وجرجا وقنا وأسوان‏..‏ تحية قالت شكرا ومشاركة وحبا وعزاء وحزنا وشجنا ومؤاخاة ومواساة وأبوة وأخوة وأسوة حسنة وجامعا وكنيسة ومحمد وبطرس‏,‏ والوعد الحق والدم الحق والوطن الحق والتغيير الحق‏..‏ وسلام علي الشهداء‏..‏ سلام لأم الشهيد وأخت الشهيد وعروس الشهيد وابن الشهيد وساكن الرحم‏..‏ سلام لجنود دبابات الميدان حضن الثوار التي وجدوا أمنهم بين جنازيرها عندما لانت بمعجزة لتغدو خدورا ومرقدا وملجئا لأجسادهم الشابة تحيطهم بالدفء وتحميهم من غدر‏..‏ جنازير دبابات بلدي أذرع أمهات وحارس المدفع يقظا في الأعالي يحمي بعيون صقر جيل مصر الجديد المارد‏..‏ و‏..‏أقسم أن تلك التحية والسلام لم يخطط لها قائد الجيش الذي تجمع قسماته خليطا مذهلا من المهابة والصرامة والرجولة والقوة وقمم الإنسانية‏..‏ أقسم أن الموقف قد أنطقه عفويا بدلا من الكلام السلام‏..‏ قائد من الجيش أصبحت له طلعة حميمية‏,‏ ما أن يظهر علي الشاشة بملابسه العسكرية محاطا بأعلام وطننا الغراء حتي نستبشر خيرا‏,‏ ونستشف شفافية‏,‏ ونقرأ واقعا نأمل فيه مزيدا من قرارات إرساء دعائم التغيير‏,‏ ونتخذ حذرنا‏,‏ ونوحد صفوفنا‏,‏ ونتعالي عن ثأرنا‏,‏ ونستعد لثورة إرساء الديمقراطية البرلمانية المنقذة للثورة‏,‏ ديمقراطية الحكم‏,‏ وديمقراطية التشريع‏,‏ وديمقراطية المجتمع التي بمفهومها البسيط أن يكون الشعب قادرا علي اختيار حكامه باقتراع حر‏,‏ وأن يكون الشعب قادرا علي أن يغير حكامه باقتراع حر‏,‏ وحيث توجد الديمقراطية يوجد الشعب‏,‏ وحين تختفي وتغيب يوجد القطيع‏..‏ وأبدا لم نكن نتخيل يوما يأتي علي مصرنا نتعجل فيه سماع لفظة البيان العسكري التي ظلت ثقيلة علي الأذن والقلب ثقل أطنان الحديد عندما كانت في زمانها تضيف مع كل رقم جديد قيدا جديدا يزيد من تكبيل نوافذ الحياة ويطبق علي الأنفاس‏...‏ سلام تعظيم لقيادات جيش لا ينام فعين ساهرة علي الأمن الداخلي‏,‏ وعين علي أمن الحدود‏,‏ ويقينا أن أرواح الشهداء الذين لا يموتون فهم أحياء عند ربهم يرزقون قد ردت السلام لتحف الملائكة بمن أبدي السلام ومن رد السلام‏,‏ ومن أعاد السلام لقلوب تنشد السلام الاجتماعي الذي غاب في الأفق طويلا‏..‏
ثورة الشباب التي تذكرني منذ أكثر من عشر سنوات عندما أقيم احتفاء في القاهرة بمناسبة زيارة مدير مستشفي كليفلاند لجراحة القلب ضم جمعا ممن أجريت لهم الجراحة الخطيرة هناك‏,‏ وكنت واحدة من المدعوين بحكم جراحتي فأنصت للدكتور زكريا عزمي السكرتير الخاص لرئيس الجمهورية الذي يقول متباهيا علي جانب من الجمع الموجود‏:‏ إنه لا يستمع إلي أحد غيري‏,‏ فأنا الوحيد الذي ينقل لأذنه كل ما جري ويجري‏,‏ وأتي بعدها الاحتفال بافتتاح مطابع الأهرام الجديدة في مدينة السادس من أكتوبر حيث اصطفت الآلاف المؤلفة من أفراد الحراسة علي طول الطرق والكباري والميادين من مصر الجديدة إلي مطبعة أكتوبر‏,‏ من طلعة الفجر‏,‏ ويمكن من قبل شقشقته‏,‏ لا يفصل بين الغلبان وزميله المتخشب متر واحد‏..‏ واحسبوها بقي‏..‏ ومن بعد الدخول في بوابات الرقابة الإلكترونية والكشف الذري علي هيكلك وما تحت ثيابك الذي بحمد الله لم يصل بكل إمكاناته إلي ما في قلبك دخلنا لنقف بعيدا في الركن القصي نرقب التجوال الرئاسي المكوكب في ردهات الاحتفالية الإعلامية‏,‏ وبعدها قادونا إلي قاعة خاصة للقاء المهم الذي نبه علينا مسبقا بأنه لن يتعدي دقائق لا غير‏,‏ وعلينا الحرص بألا يقال فيها ما ينغص علي الرجل مسامعه‏,‏ ومن هنا ألقي الأستاذ أنيس منصور إحدي دعاباته ليخفف من إطار التوتر‏,‏ فلم يبتسم لها علياء الدكتور نظيف‏,‏ وأبدا لم يفتح داخل المجال المحظور إلا حديث القشور حول مسألة الجامعات الأهلية‏,‏ حيث ضم السؤال المسطح عنها في بطنه جوابه كتحصيل حاصل‏,‏ وعلي مدي الدقائق المتوترة للقاء كان السكرتير الخاص يحثنا بناظريه ويديه وتحفزه لمسألة الإنهاء وعدم المط أو التطويل لضيق وقت الرئيس فابتلعنا ما كنا قد ابتلعناه من أسئلة منذ ليلة الأمس من جراء التنبيهات الواضحة والملتفة لنغدو الواجهة المرجوة الصماء البكماء التي دفعت الرئيس ذات نفسه بأن يطلب من السيد السكرتير أن يدعنا نتكلم‏..‏ لكن التوقيت المسبق فض اللقاء الإعلامي القومي في دعة مثلما بدأ ناعما سلسا تحبوه الغبطة وتغلفه مظاهر السرور تبعا لتخطيط الدكتور زكريا‏..‏ و‏..‏لماذا يا سيدي جعلتنا دمي‏..‏ لماذا لم تقل له ما يجري؟‏!..‏ لماذا حجبت عنه ما جري؟‏!..‏ لماذا صبغت في ناظريه كل شيء باللون الوردي؟‏!..‏ لماذا قلت له إن كل شيء تمام يا ريس ولم يكن أي شيء في أي شيء تمام؟‏!..‏ لماذا وأنت الذي قلت يوما بعنترية وكأنها المعارضة الديمقراطية‏:‏ الفساد في المحليات للركب‏..‏ لماذا يا دكتور ومنظومة الفساد لم تكن في المحليات وحدها بل قد استشرت في جسد الوطن كله وعششت داخل الأسوار التي تتنقل فيها بحكم وظيفتك الرئاسية‏..‏ بل لقد طالت القنابل المسيلة للدموع ذات نفسها‏,‏ فصلاحيتها كانت قد انتهت من قبل التظاهر بكثير لصالح مستورديها المسعورين‏,‏ مثل الفراخ والسماد والقمح والأمصال وأكياس الدم‏,‏ ليؤكد من جربوها هذه المرة أنها تحدث تدميرا بالغا في قرنية العين بعدما كانت تزول آثارها في ماضيها الأمني الرحيم بمجرد غسلها بالماء‏...‏لماذا؟‏!!..‏ لن نقول هنا إن الذنب ليس ذنبك‏..‏ بل هو ذنبك‏..‏ وجريرتك‏..‏ وذنب من لم يكن يدري وكان عليه أن يدري وعندما دري وأنت في الصورة والجوار و الاجتماع الأخير كان الشباب قد أنزل الستار بكلمة النهاية في ميدان التحرير و‏:‏مش حنمشي انت اللي حاتمشي‏!!‏
الشباب الذي فتح الطريق‏..‏ بعدما كان موكب نظيف من قصره في منتجع الياسمين لمكتبه في القرية الذكية يغلق تماما مراوح الطريق الصحراوي من قبل ما يقلع سيادته بيجامته ويحلق ذقنه عريسا في مرآة حمام الهنا ويضع الكولونيا‏,‏ فنضطر نحن المسافرين علي الطريق إما للركن جانبا في طابور الصبر وزن المحركات حتي تعبر مرسيديسات التمويه في البداية وموتسيكلات الحماية وذيول التأمين والترهيب‏,‏ وإما اختراع سبيل للفرار يلتف بك في الدائري والجانبي وشرق وغرب وفوق التفريعة وحول المزارع والحارات لتصل إلي وجهتك في كلتا الحالتين بعد ساعات مؤمنا بغصة الحلق علي القول المهترئ بأن الرجل قد أراح وراح بعيد ببيته ومكتبه‏,‏ ولم يسكن في ميدان لبنان كي تشعر بحق بالمعني الحقيقي لزحف الموتورات وانهيار الأعصاب للعبور من عنق الزجاجة الأمنية‏..‏ وفي هذا المجال مازلت أذكر زيارة لألمانيا كانت مرافقتي فيها تتبادل التحية مع بعض المارة علي رصيف تجوالنا بهزة من الرأس لتذكر لي بطريقة عابرة لمعلوماتي الصحفية أن من ألقي التحية في البداية هو وزير الخارجية‏,‏ ومن ذهب ليعبر الإشارة وسط الجمهور هو رئيس الوزراء‏..‏ وفي هذه الذكريات الديمقراطية تحضرني المهمة الصحفية التي زرنا فيها أيرلندا لنجتمع كوفد قادم من مصر ضم الكاتب أحمد بهجت ببعض مسئوليها في البرلمان الأيرلندي‏,‏ وطلبت بحكم تواجدي موعدا لإجراء حوار مع رئيسة البلاد ماري ماكليز المحامية التي فازت بمنصبها بأصوات الانتخاب الحر‏,‏ فأتي طلبي ليمثل مشكلة ومفاجأة لأكثر من وزير الذين انشغلوا جميعا في سؤال بعضهم البعض فيما إذا كانت مسز ماكليز داخل البلاد في الوقت الحالي‏,‏ ومع الصباح التالي أتت المرافقة الأيرلندية وعلي وجهها بشر النجاح في مهمتها العويصة تحمل في يدها إحدي الصحف الأيرلندية لتفتحها علي الصفحة الأخيرة التي نشر في ذيلها صورة صغيرة للسيدة الأولي في أيرلندا تزور مزرعة لأبقار الفريزيان في الريف الأمريكي ربما لتبادل الخبرات في هذا المجال المهم‏!!!‏
ولست قلقة ولا متوجسة من التظاهرات الفئوية التي خرجت من جسد الثورة الضخم‏,‏ فقد كان حجم الفساد هائلا بينما كان العقاب في يد من يستحق العقاب لكنه داخل سياج الحصانة فكان حاميها حراميها‏,‏ وكان حجم الثوار بالملايين‏,‏ وكان حجم الاحتقان في أوجه‏,‏ ومثلما يظل المرء يجري فترة بعد هبوطه من القطار بجواره حتي يضبط من خطواته الطبيعية فلن تستمر تظاهرات التظلم طويلا خاصة عندما ينصت لمطالبها في قنوات شرعية تمنح لممثليها من جمعياتها العمومية الثقة الكاملة في تنفيذ الوعود‏..‏ وسوف تمر مياه كثيرة تحت جسور النيل قبل أن تهدأ البراكين‏..‏ و‏..‏سوف يعلق رجل الشرطة ميكروفونا في عنقه كي يسمع رئيسه كيف يخاطب الناس الذين يوقفهم أو حتي يستوقفهم‏..‏ و‏..‏سوف نعرف سر السحابة السوداء التي تحجب شمس والقاهرة وقمرها‏..‏ و‏..‏سوف نعرف سر اختفاء كل من الونش والصحفي رضا هلال الذي لن أمل السؤال عنه‏..‏ و‏..‏سوف لا نتحسر طويلا علي أيام‏1881‏ من بعد ثورة عرابي التي كان فيها الاقتصاد المصري مزدهرا منافسا لدول صناعية كبري إلي درجة أن بريطانيا التي لم تكن تغيب عنها الشمس كانت تقترض من مصر‏..‏ وسوف تفتح أبواب القصور الملكية التاريخية ليزورها الشعب وأفواج السائحين بعدما كانت قد ذهبت وزينت وتخايلت أعطافها وحان قطافها للموعود‏..‏ و‏..‏سوف تزال أسوار الحدائق المعنية ليجلس فوق مقاعدها الرخامية يشم النسيم الأسطي عطية وخالتي صفية‏..‏ و‏..‏سوف نحتضن العشوائيات بالتهذيب والتشذيب كأمر واقع بدلا من إزالتها‏,‏ ونعيد لسكانها كرامتهم فهم من يقومون علي خدمات المدينة‏..‏ و‏..‏سوف تعود ثرواتنا المهاجرة‏..‏ و‏..‏سوف تتنازل وتتواضع رواتب الآلاف والملايين من عليائها لتلقي نظرة إنسانية أخوية لرواتب العشرات والملاليم‏..‏ و‏..‏سوف ننظف آذاننا أخيرا من كلمات غدت كاللكمات أمثال تحت رعاية وسيد قراره والقرية الذكية والخصخصة وعمر أفندي وأمينة التنظيم ولجنة السياسات وقيادات الحزب وورشة العمل و‏....‏حصريا‏!!..‏ و‏..‏سوف يتبين الرشد من الغي‏..‏
هذا وقد سبق نشيد النصر الفرعوني ثورة الميدان بستة آلاف عام لكنه كان توأما لانتصار الشباب‏:‏
الشمس قشعت غيما كان علي مصر
فأزاحت جبلا من نحاس عن كاهل الناس
وثبتت أفئدة المئات والألوف
الفرح العظيم حل بمصر
والحبور انطلق من مدائن مصر
ما أحلي الآن الجلوس والناس يتسامرون
فلا خوف الآن في القلوب
إذ هجرت قلاع الظلم زبانيتها
وفتحت الآبار للظمأي
وغدت متاريس القلاع آمنة في الشمس
ووضع الحراس أسلحتهم يتسامرون
والمسنون ينامون في دعة
والصبايا الغيد والأطفال يرتعون في المروج كما يشاءون
وأنعام الحقول تركت في المراعي بغير راع
وصرخة الليل قف لم تعد تنطلق
والناس في غدو ورواح يصحبهم الغناء
فقد جفت الدموع في المآقي وصمت عويل الأحزان
ومن حرث حصاده سوف يأكله
فقد عاد العدل لأرض مصر
وكل من كان ظالما يرسخ الآن في الأغلال
وذلك بفضل الفتي حبيب آمون
من يمشي في ثقة واسع الخطي
وأينما يمشي في خطاه السلام‏..‏
‏....‏ يا سلام
[email protected]
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.