لم يكن ابني محمد أو كما أناديه حمادة إرهابيا, او غوغائيا كما وصفوه هو وزملاءه في التليفزيون المصري, لم يكن لصا او متمردا او مشاغبا, كل ماقام به الشهيد محمد درويش هو انه رفض ان يعيش مظلوما او ان يكون نتاج اجتهاده ودراسته هو جلوسه بلاعمل.. رفض ألوان الفساد التي كان يسمع عنها, خرج يوم الجمعة بعد ان ودعني الوداع الأخير من مسجد النور بالعباسية لكي يشارك ملايين الشباب الذين اتفقوا علي ان يقولوا لا للظلم والفساد ونهب الثروات في وقت واحد, خرج من المسجد علي وضوء وسار وسط جموع الشباب حتي وصل الي شارع رمسيس ثم إلي كوبري المشاة الواصل الي منطقة الفجالة. وهناك اقتنصته رصاصة قناص فسقط بين أقرانه وأعادوه الي البيت جثة هامدة علي دراجة بخارية كان يستقلها احد المارة. لقد كانت صدمة قوية لي ولسكان الحي الذين يعرفون أخلاقه وتدينه جيدا, فبأي ذنب يقتل شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين عاما وهو اعزل من السلاح, وبأي جريرة ارتكب الجناة هذه الجريمة النكراء؟ ولم تسكت صرخاتي وينخفض صوت عويلي الا عندما سمعت فتوي من الدكتور يوسف القرضاوي يقول فيها ان الاموات في مظاهرات الغضب ممن خرجوا للجهاد ضد الباطل هم شهداء عند الله, وكنت أنتظر من التليفزيون المصري ان يواسيني وأنتظر من المسئولين ان يعتذروا عن حماقتهم وجرمهم, ولكنهم بدلا من ذلك وصفوه بأنه وامثاله من الشهداء غوغاء ورعاع وطائشون. لقد دفنت ابني وأنا متماسكة واحتسبه عند الله شهيدا, وذهبت لأجلس الي جوار امهات الشهداء بميدان التحرير وأنا احتضن صورته, ولم ولن اتلقي عزاءه الا بعد ان يأخذ ابني حقه فهذه هي عادتنا الصعيدية الاصيلة, فدمه معلق في رقبة وزير الداخلية السابق الذي اصبحت لا استطيع نطق او كتابة اسمه او حتي مجرد سماعه! ولا أدري حتي الآن من وراء الحملة المنظمة ضد ثورة الشباب فالاحاديث كثيرة, واختلط الحابل بالنابل, وعندما ذهبت الي ميدان التحرير لكي اطالب بحق ابني سمعت عن الإتهامات التي وجهها البعض عبر التليفزيون المصري الي الشباب بأنهم ينفذون تعليمات امريكا وحزب الله وايران واننا نتلقي الاموال بعملات مختلفة ونأكل وجبات الدجاج واللحوم الفاخرة, وزادوا همي وحزني علي ماوصلنا إليه. اعذرني ياسيدي لأن افكاري غير مرتبة ولكن بداخلي بركان من الألم والحزن والظلم.. وما أريده هو الا يذهب دم ابنائنا هدرا وألا تؤخذ حقوقهم فنحن نريد جزاء عادلا.. ويتم القصاص من القتلة السفاحين. * ابنك يا سيدتي واحد من شباب مصر الذين رووا بدمائهم ثورة الشعب وقادوا البلاد الي النصر علي الظلم والطغيان.. فلا تحزني واحتسبيه عند الله من الشهداء الأبرار الأحياء عند ربهم يرزقون. ألا تعلمين أن دماء أبنائنا الزكية هي التي أشعلت حماس الملايين فلم يبالوا بالخوف ولا بالرصاص واندفعوا في كل مكان للتأكيد علي أنهم لن يتراجعوا, وكان لهم ما أرادوا, فتحرر الجميع وهم لا يصدقون أن الشباب حققوا ما لم يستطعه الكبار الذين كانوا مستسلمين للواقع المؤلم دون أن تكون لهم حيلة. ما أسعدنا بشبابنا, وهنيئا لابنك الذي سجل التاريخ اسمه بأحرف من نور هو وزملاؤه, وسيكونون قدوة ومثلا للأجيال القادمة. أما رجال الشرطة فلقد استوعبوا الدرس, ولن يستطيع أحد أن يملي عليهم إرادته بعد اليوم.. وعلينا جميعا أن نبني جميعا علاقة جديدة مع الشرطة لكي يصبح الجميع يدا واحدة لمواجهة الفاسدين والبلطجية ويعود الأمان المفقود في الشارع الآن.. فهم جزء منا ولا يمكن للجزء أن ينفصل عن الكل. وتبقي كلمة أخيرة حول ضرورة أن نتكاتف لبناء بلدنا.. فالحقيقة أن المطالب التي ينادي بها الجميع مشروعة, ولا يختلف عليها اثنان.. لكن دعونا نتيح فرصة للمجلس الأعلي للقوات المسلحة لوضع أسس جديدة للدستور وقوانين مباشرة الحقوق السياسية, وانتخاب مجلسي الشعب والشوري.. ثم بعد ذلك يتم إعادة بناء الشركات والمؤسسات واختيار مجالس إدارات وجمعيات عمومية خالية من المتلونين الذين يركبون الموجة أيا كان اتجاه سيرها.. وهؤلاء ممن قال الله عز وجل فيهم واذا لقوا الذين آمنوا, قالوا آمنا واذا خلوا الي شياطينهم قالوا إننا معكم, إنما نحن مستهزئون, الله يستهزيء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون. نعم يا سيدتي.. هذا ما يجب أن نفعله لكي ننقي البلد من الأشرار والفاسدين.. وعندها لن يكون لقاؤك الأخير مع ابنك وداعا.. وإنما بداية للقاءات دائمة ومستمرة معه عندما تجدينه متمثلا أمامك في كل شاب حر ناجح علي امتداد مصر.