حتي الله عز جلاله هناك من آمن به وهناك من كفر به وأنكره, وليس بمستغرب أن يختلف الناس حول حاكم, هناك من يؤيده وهناك من يعارضه, بل ان الأصل في الديمقراطية هو رأي يطارح رأيا ووجهة نظر تختلف مع رؤية أخري, ولعل من أبرز اندلاع ثورة52 يناير كسبب جوهري هو ذلك البرلمان المنحل الذي كان برلمان تستيف أصوات أكثر منه الاختلاف الصحي في الرأي, الملاحظ الآن, التطاول في الخلاف الي حد الشتائم والتشويه المتعمد وكأنه صادر من موتورين أو حقاد.. ولا أظن أن جيل وائل غنيم من ثوار التحرير يوافقون علي منهج الاغتيال المعنوي للآخر, فهذه التصفية الشخصية لن تصنع بناء عاليا من رفعة بلد, انها بالكاد تتوقف عند البدروم لأن المجتمع سوف ينشغل بهذه الحرب الباردة الشامتة المتشفية الدائرة الآن, كأن نمرا خرج من قفصه جائعا يريد الفتك بكل من يقابله, هكذا اختلط الحابل بالنابل وتعانق الحق مع الباطل والقيم غابت والوفاء انتحر والجحود طابت ثماره, وأنا أشعر صادقا ولا أبحث عن أدوار أو تطلعات, اني( أنشطر) الي نصفين, نصف متعاطف بحضارة مع مبارك في غيبوبته الصحية, والتعاطف هنا ليس فيه شبهة نفاق, بل مشاعر إنسانية بحتة لا أكثر, ونصف آخر مذهول, بل هو الذهول ذاته لغيبوبة مبارك كحاكم عما كان يجري في كواليس نظامه من هدر للمال العام بهذه الصورة التي فيها يبرطع المسئول في براري الفساد ذي الرائحة العفنة, وحين صدقت يوما رغبته في معرفة حقيقة مصنع أجريوم الذي اختار دمياط, ذهبت بالعدسات أتحري وعدت بكل وجهات النظر وأهمها التأثير علي مناعة الأطفال وحجبت السلطات البرنامج من الإذاعة, وعندما أوقف مبارك صفقة جزيرة آمون في أسوان ذهبت أتقصي الحقيقة وعدت بها وبالأسماء, غير أن السلطات حجبت البرنامج ومنعت بثه ثم اذاعته في الأسبوع التالي بعد حذف الأسماء, نجوم الصفقة المشبوهة! وكل من المحافظين أسوانودمياط علي قيد الحياة وهما مرجعية لمن يسأل, ولست في معرض الحديث عن بطولات ولا مواقف فلست أنافق أحدا ولا يعنيني رضاؤه, ولا أتنصل من حوارات أجريتها مع رئيس البلاد لمصداقية حرفية ومهنية قبل أن يولد أحفادي من المذيعين والمذيعات ولا أتنصل من حوارات أجريتها مع وزراء الدفاع الراحلين أبوغزالة وصبري أبوطالب والمشير طنطاوي مد الله عمره, ولا أتنصل من حوارات أجريتها مع وزراء داخلية مصر وليس حبيب العادلي فقط, لقد كان حلم المئات من اعلاميي هذا البلد يتوقون لهذه المهمة التي عشتها ليس لسواد عيوني ولا لقرابتي لأحد كبير, بل لاني كنت أول صحفي مصري يقدم الحوارات المرئية علي شاشة البلد, وفتحت الطريق أمام طابور طويل من الأسماء, واذا كان البعض نسي ربما متعمدا, فشاشة النت تذكره, اعترف بأني تغطيت بنظام عريان مزق ألحفة الضمائر وترك الناس في العراء, واعترافي صادر من قلم يقر بقناعة أن شهداء يناير أنقانا جميعا لو تعلمون. أما التغني بثوار يناير أو مخاطبتهم كزعماء, فمردوده خطأ كبير ودجل معجون بنفاق, وليس كل من نزل ميدان التحرير( جيفارا) أو( جميلة بوحريد) وليس كل من لم ينزل خائنا وعميلا, والأدهي من ذلك الذي يعطل البناء ويستبقينا في البدروم زمنا هو المطالب الفئوية من جميع فئات المجتمع التي خرجت عن بكرة أبيها تتظاهر وتطالب بحقوقها وهؤلاء علي حق بعد أن علموا وقرأوا أن عددا قليلا قد غرفوا من خزائن قارون المصرية! إن من يشكو ألم الروماتيزم في قدميه جاء وتظاهر, ومن رمي زوجها عليها يمين الطلاق وطردها, جاءت تتظاهر, والسجين الهارب الذي سلم نفسه للسلطات, جاءت زوجته تطلب له بطاطين, لم أكن أتصور أن كل هذه الجروح المتقيحة كانت مغطاة بالصبر والستر والطناش قبل أن يخرج النمر ويصرخ, ولكن هذه المطالب لن يستجاب لها صباح الغد, ومن هنا يتعطل سير العمل الباحث عن كيان متكامل لدولة مدنية هي هدية الجيش لأبناء مصر ومن الوطنية الحقة أن نساعده ولا نعوقه ونسرق وقته. تبقي البلاغات للنائب العام التي لا أظن أن بلدا في الدنيا قد جربت هذه البلاغات اليومية كل دقيقة والمنهمرة فوق رأس النيابة العامة وفي مصر أجهزة رقابية لها شأن واحترام, منها الرقابة الادارية ومباحث الأموال العامة وجهاز د. جودت الملط وأجهزة أخري لها عيون فاحصة, ويظل مكتب النائب العام يتلقي البلاغات وكله ضد كله وتنشر الصحف بيانات تكذيب, وقد كدت أتصور في لحظة ما, وعفوا اذا حبكت الصورة أن هناك من سوف يتقدم ببلاغ للنائب العام متهما الشمس بأنها أشرقت علي( العهد البائد) أكثر من ربع قرن! ويتقدم باتهام للمطر لسقوطه علي ثوار52 يناير في ميدان التحرير في أثناء ندائهم بإسقاط النظام! أسوق هذه الملحوظة الفولكلورية من فرط شعوري بفداحة المسئولية الملقاة علي النيابة العامة في فحص مدي جدية البلاغات أو كيديتها أو التشويش واللعب بسمعة صاحبها وكلها صادرة من صوت حق أو مزور أو منتقم لأسباب في ثنايا النفوس, لا يعقل أن يكون المجتمع كله باطلا ومشوها ولا يعقل أن تعلق المشانق ويجلس الشاكون مكان القضاة.. ولا يجدر بالأخلاقيات المصرية الاعتداء علي أحد من زمن ما قبل52 يناير حتي لو كان مؤمنا بمنطق ثان فهذه الثورة جاءت لترسي قيما جديدة ليس من بينها الشهوة الانتقامية فلدينا حصن حصين اسمه قضاء مصر, فإذا لم يقل قضاء الأرض كلمته فإن قضاء السماء( يمهل ولا يهمل). المزيد من مقالات مفيد فوزى