متابعة رامي ياسين : مصر تتحدث عن نفسها, مقولة وأغنية طالما رددها المصريون حبا في وطنهم ورغبة في التقدم, دماء سالت علي تراب الوطن في أكتوبر لتعيد الأرض وترفع الرأس ودماء سالت في الشوارع يوم جمعة الغضب, من أجل الحرية والكرامة من أجل أن تتقدم مصر الي الأمام في جميع المجالات السياسية والاقتصادية, دماء الشهداء من الشباب والسيدات ودموع الشيوخ والأمهات وصدمات الأحبة والأصدقاء مشاهد إنسانية عبرت عنها جلسة ضمت أسر الشهداء بالاسكندرية داخل مبني الأهرام بشارع فؤاد بوسط المدينة. ذلك المبني التاريخي احتضن أسر الشهداء تحدث معهم, ناقش اللحظات الإنسانية والمشاهد الأخيرة في حياة شهداء ثورة الشباب الذين كان منهم من يعبر عن رأيه وآخرين كانوا يمارسون أعمالهم ولكن طلقات الغدر لم تفرق بينهم. في البداية تحدث عم عبداللطيف ذلك الرجل الذي جلس حاملا أثقال الحزن حابسا دموع الحزن علي نجله أحمد الشاب الذي لم يتجاوز الحادية والعشرين من عمره, ذلك الرجل المسن الذي حارب في أكتوبر واستعاد الأرض وحفظ العرض والذي ضحي مع آلاف من المصريين من أجل تراب الوطن, واثبات أن مصر عظيمة وستظل دائما استطاع أن يزوج بناته الأربع, فالأولي تعمل مدرسة وأخري محامية واثنتين في مراحل التعليم والسند والعون في الابن أحمد, الذي خرج من المنزل عقب صلاة الجمعة يبحث عن رزق الأسرة, ذهب لورشة خاله لتصليح كاوتش واطارات السيارات واصل العمل والكد ليحقق حلم والده البسيط في أن يصبح صاحب ورشة خاصة به, إلا أنه ذهب عقب عودته ناحية قسم الرمل ثان, ذلك القسم الذي تحول الي ثكنة عسكرية وقام رجاله بإطلاق الرصاص الحي علي المواطنين, حاول الشاب انقاذ أحد المصابين ليصاب بطلق ناري في وجهه ويفارق الحياة, قالها الأب بنبرة حملت الأسي والحزن والحسرة علي شاب في مقتبل حياته كان الأمل في العون والخلاص من الذل, ضاع الحلم, وتبقي القصاص من الجاني. ويقطع صوت عم عبداللطيف الباكي انفعال سمير السيد في العقد السادس من العمر, مصري بسيط كل طموحاته أن يري المستقبل يتقدم في عيون نجليه أحمد وأميرة, ليس له في السياسة يريد أن يعيش فقط راضيا قانعا بالحياة مهما حملت من صعوبات, تناول الافطار صباح جمعة الغضب مع نجلته وأسرته وذهب لصلاة الجمعة يدعو الله أن يحفظ مصر وأن يرزقه وأن يري أسرته في أسعد حال, لم يكن يعلم أن الساعات المقبلة من ذلك اليوم تحمل ابتلاء من الله, ذهبت أميرة تلك الملاك البرئ في السادسة عشرة من عمره, طالبة بمدرسة ايزيس الثانوية الحكومية تحمل كتابا وأوراقا ذاهبة الي درس خصوصي استعدادا لامتحانات الثانوية العامة, فهي في الصف الثاني الثانوي علمي تحلم أن تكون أحد علماء مصر من أجل تطوير الوطن وتقدمه ذهبت الي الدرس في الدور الرابع في احد العقارات المجاورة لقسم الرمل ثان وسط اطلاق النار الكثيف الصادر من القسم, وقفت تلك البريئة ممسكة بهاتفها المحمول تسجل تلك اللحظات الفارقة في تاريخ مصر إلا أن طلقة نارية في منتصف وجهها لتسيل دماء الملاك علي أوراق وكتاب المدرسة والأب يتحسر علي ابنته التي كانت تذهب الي دار الأيتام لرعاية طفل تقتصد من مصروفها لترعاه, هذه هي ابنة مصر التي راحت ضحية الغدر. ووسط حديث الأب وضع محمد محمود مدرس يده علي وجه ذلك الرجل الذي حارب ضمن القوات الخاصة المصرية في حرب تحرير الكويت, تحدث بحسرة عن الظلم, تحدث عن شقيق زوجته مصطفي عمر في الحادية والعشرين من عمره, ذلك الشاب الذي كان من المقرر أن يتزوج الخميس الماضي وذهب الي عمله في احدي الورش يوم جمعة الغضب يريد أن يعمل ليجلب رزقه ويكمل التزامات زفافه, لم يرتكب معصية أو خطأ كان يبحث عن أسرة وبيت ومستقبل, ذهب الي قسم الرمل ثان تحدث مع زوج أخته الذي أخبره في تلك اللحظات أن اطلاق النار هو اطلاق لذخيرة حية طالبه بالشجاعة والذهاب لمساعدة الأهالي المصابين, ذهب واطلاق النار كشتاء الاسكندرية ارتمي علي الأرض يحاول انقاذ وسحب جثة سالت دماؤها في الشارع وقف علي الأرض شجاعا رافعا يده الي السماء قائلا كفاية.. حرام ولكن الرصاص والأيدي المرتعشة الخائفة لم تمهله, أطلق النار باحتراف في أعلي رأسه ليسقط الشهيد ولم تجد خطيبته التي كانت تستعد للزفاف سوي أن تكف عن الكلام وتفقد النطق بعد أن سالت الدماء علي فستان الزفاف, ويلتقط الحديث كريم سعيد, أمين مخازن, يتحدث عن شقيقه أحمد الذي راح في مجزرة الرمل يتحدث عن أحمد صاحب السادسة والعشرين عاما الذي يعمل في أحد النوادي يبحث عن مستقبل ضاع علي مشارف قسم الرمل أثناء عودته من العمل. أما شعبان عبدالرحمن, موظف في كلية الزراعة, فلم يتحمل السكوت وهو يتحدث عن شقيقه مصطفي عبدالرحمن, في العقد الرابع من عمره متزوج ولديه طفل, عامل يبحث عن رزقه ودائم الصلاة في مسجد القائد إبراهيم اتهم الشرطة بالقبض علي شقيقه عقب الصلاة يوم الجمعة وأنه تعرض لتعذيب داخل أحد السجون, وتقدم شعبان ببلاغ إلي النيابة العامة التي قامت بتشريح الجثة وتقدم لالأهرام بصور لشقيقه ظهر بها آثار تعذيب وطلق ناري في الصدر. أما مصطفي عبدالباقي, المحامي, فتحدث عن نجل شقيقه ذلك الشاب الذي ذهب إلي عمله كمحاسب في أحد محلات المنشية للورق يوم الجمعة وعندما ارتفعت وتيرة المواجهات بمنطقة المنشية ذهب مع أصدقائه إلي أحد المقاهي بقصد الاحتماء إلا أن ضباطا اقتحموا المقهي واطلقوا النار بشكل عشوائي ليسقط الشهيد خالد عبدالجليل بلا ذنب اقترفه, ويأخذ طرف الحديث أحمد الشاطر أمين شرطة بقسم المنتزه الذي تقدم باستقالته من وزارة الداخلية احتجاجا علي ممارسات ضباط المباحث, وذلك قبل شهر من الأحداث, ذلك الشاب الذي يبحث عن حق شقيقه سعد الذي راح ضحية الأحداث وكان يعمل بائع ملابس وتيتم طفله الذي لم يتعد عمره خمسة أشهر