لا اعتقد ان الشرطة المصرية التي تملك تجربة واسعة وعريضة في عمليات التظاهر في الشارع المصري التي كثرت مع زيادة حجم الحراك السياسي في المجتمع يمكن ان تستجيب لهذا الاستفزاز المقصود الذي يراهن عليه مجموعات من الشباب المصري اختارت طريق المعارضة وهذا من حقها, لكن الرؤي اختلطت عليها ولم تعد تستطيع التمييز بين مايجوز الغضب من أجله وبين عمليات استفزاز مقصودة لذاتها, لعل تطورات الأحداث تدفع الشرطة إلي ان ترد باستخدام السلاح في المليان ويسقط عشرات القتلي لينفتح الطريق امام عاصفة من الفوضي, ويحدث في مصر الذي حدث في تونس نفسه! واظن ان الشرطة لن تستجيب لهذه اللعبة مهما يبلغ حجم الاستفزاز, لان مبارك غير زين العابدين بن علي, ولان الشرطة جزء من الشعب المصري تحمل في النهاية ملامح طيبته وتسامحه, ولم يحدث علي طول التاريخ, باستثناء ماحدث فوق كوبري عباس بالجيزة قبل ثورة يوليو, ان اطلقت الشرطة النار علي المتظاهرين المصريين, علي العكس انحازت الشرطة في ساعات الاختيار الحاسمة إلي الشعب المصري في نضاله ضد الظلم والاحتلال كما حدث في مدينة الاسماعيلية وفي القاهرة في غضون الاسابيع القليلة التي سبقت ثورة يوليو عام.1952 اعرف ان للشرطة اخطاء كما هو حال الشرطة في كل انحاء العالم خاصة في تماسها اليومي مع جماهير الشعب المصري, وتعاملها الدائم مع الخارجين علي القانون, لكن اخطاء الشرطة المصرية تظل محدودة قياسا علي اجهزة اخري عديدة, درجت علي قسوة التعامل وفظاظته مع الخارجين علي القانون كما درجت علي عدم احترام حقوق الانسان. وفي وجود سلطة النائب العام الذي يشرف علي السجون واقسام الحجز في مراكز الشرطة المصرية من خلال الزيارات المفاجئة لوكلائه, يتعذر علي اي مسئول شرطي ان يفلت بجريمته ان اساء استخدام سلطاته, وتحفل ملفات حقوق الانسان بوقائع من المحاكمات التي جرت لضباط كبار صدرت ضدهم احكام بالسجن والرفت لانهم قاموا بتعذيب بعض المتهمين في جرائم جنائية للحصول علي اعترافاتهم بوسائل قسرية أما الجرائم السياسية فيندر ان تجد في سجلاتها حالة تعذيب واحدة, ومع ذلك ينبغي اجتثاث جرائم التعذيب علي نحو نهائي من جميع اقسام الشرطة, واعتبار ذلك هدفا عاجلا ينبغي ان تلتزم به وزارة الداخلية, خاصة ان جرائم التعذيب لم تعد تتجاوز ثماني حالات علي مستوي الجمهورية كل عام. غير انه من العدل ان ننظر ايضا في نصف الكوب الآخر, لنري ما فعلته الشرطة في معركتها الطويلة ضد الإرهاب التي لم تكن وقفا علي استخدام السلاح, ولكنها تمكنت من مواجهة الفكر المتطرف بفكر آخر نجح في الزام اكبر تنظيمين إرهابيين عرفتهما مصر بضرورة مراجعة افكارهما التي ثبت انها تمثل خروجا علي صحيح الإسلام.. ولا اظن ان مؤسسة شرطية تستطيع ان تحقق هذا الانجاز ان لم تكن مؤسسة وطنية, تدرك اهمية البعد الانساني في تعاملها مع الخارجين علي القانون.