1 قال الدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار أن مسلة كليوباترا الموجودة في ميدان سنترال بارك بمدينة نيويورك تتعرض للإهمال الجسيم خاصة الكتابة الهيروغليفة المحفورة عليها وهدد باستردادها, وهو أمر تناقلته الوكالات كلها تقريبا, وقد خشي أحد الأصدقاء أن يكون الاعلام المحلي والعالمي هو المقصود بمثل هذا التصريح ولكنني طلبت منه أن يحيي معي هذا الموقف اليقظ من الرجل الذي أوكلت إليه مهمة حماية آثارنا سواء داخل مصر أو خارجها, ونجدها مناسبة للتذكير بهذه المسلات التي شاهدنا بعضها في ميادين كبري من عواصم العالم, وكيف شعرنا بالدهشة ونحن نراها قائمة تشق الفضاء هكذا مثل أنثي مصرية فاتنة تضفي البهاء والجلال علي الدنيا الغريبة من حولها. 2 هذه المسلات وغيرها من أثار منهوبة أو مهداة, وراء كل منها حكاية كانت جديرة بأن تحكي وأن تكون موضوعا لمؤلف يضعه باحث أو أكثر من باحثينا المشتغلين بميراثنا المعماري القديم, وإذا كان لا يوجد لدينا دليل يحصر هذه الأعداد الهائلة من آثارنا الفرعونية التي تشغل العديد من أجنحة الكثير من متاحف العالم فليس من المعقول ألا يكون تحت أيدينا دليل يحصر هذه المسلات ويعتني بدراستها من ناحية العصر التي بنيت فيه والخامة المستخدمة وأطوالها ووزنها والظروف التي خرجت فيها من مصر وتاريخ ذلك سواء كانت منهوبة أو مهداة إلي آخر هذه البيانات المهمة والمفيدة خصوصا وأن أعدادها مما يمكن حصره, والمؤكد أن هناك الكثير من المصادر التي يمكن أن تفيد في هذا المجال, والمؤكد أيضا أن حماسة الدكتور حواس للعمل علي تحقيق مثل هذا الأمر سوف تكون مبررة تماما, وبين يدي الآن الكتاب الذي كان وضعه القنصل الأمريكي في مصر ألبرت فارمان ابتداء من1876 وصدر مترجما إلي العربية بواسطة عبدالفتاح عنايت في العام1965, وألبرت فارمان هو الرجل الذي تلقي, بحكم منصبه, التكليفات بالتفاوض من أجل الحصول علي هذه المسلة كليوباترا التي وافق الخديو اسماعيل بعد مشقة علي اهدائها إلي مدينة نيويورك وأثار التدهور الذي أصابها حفيظة الدكتور حواس. وهي تفاصيل جديرة بأن ترو لأنها موثقة في لقاءات ومراسلات متبادلة. ولكنني أريد قبل ذلك أن أستعرض معك سيرة بعض من تلك المسلات الأخري التي سبقتها في الخروج من مصر سواء عن طريق النهب كما جري مع الرومان مثلا أو الإهداء كما جري مع محمد علي أو اسماعيل ولده. 3 المعلومات المتاحة مثلا تفيد أنه توجد في روما ثمانية مسلات بناها المصريون واستولي عليها الأباطرة الرومان. منها تلك المقامة في ساحة) سان جيوفاني( والتي تعد الأثقل)230 طنا( والأكثر رتفاعا)23 مترا( كما أنها صاحبة القاعدة الأكبر بين المسلات كلها. وكانت أخذت من معبد آمون في الكرنك عام357 م وتنسب إلي عصر التحتمسين الثالث والرابع. وهناك المسلة المقامة في ساحة الفاتيكان ويبلغ ارتفاعها25 مترا وهي من عصر أمنحتب الثاني وقد نقلت إلي روما بواسطة) كاليجولا( عام37 ويقال انه كان أضيف إلي قمتها كرة ذهبية وضع بها رماد يوليوس قيصر وأن هذه الكرة موجودة الآن بمتحف روما. واحدة أخري نقلت من الضفة الغربية للنيل وأقيمت خلف معبد الباثنيون في روما أيضا. ثمان مسلات علي هذا النحو فضلا عن خمس قام الرومان بمحاولة بنائها علي نفس الطراز. أما المسلة المقامة علي نهر التايمز بالعاصمة البريطانية فقد قدمها محمد علي الوالي العثماني آنذاك تكريما لأنتصار اللورد نيلسون في معركة النيل وهزيمته الجيش نابليون بونابرت وقد وصلت إلي لندن في21 يناير1878 ووضع بجوارها أسدان فرعونيان علي هيئة أبوالهول. ولا يبقي أمامنا الآن سوي المسلة الشهيرة والعلامة البارزة المقامة وسط ساحة الكونكورد بباريس والتي بنيت في فترة حكم رمسلس الثاني وكانت تزين مدخل معبد الأقصر ثم قام الوالي العثماني محمد علي نفسه بتقديمها أيضا كهدية إلي فرنسا بعد ما ظلت في مكانها لحوالي3300 سنة. وهي عمود واحد من الجرانيت الأحمر يرتفع23 مترا ويزن أكثر من250 طنا. وللكلام بقية