عندما شاهد وزير الثقافة فاروق حسني حوالي ثلاثة آلاف أديب مصري جاءوا إلي دار الأوبرا المصرية من مختلف أقاليم مصر جنوبها وشمالها أطلق الوزير كلمته التي أثلجت صدور هذا الجمع الكبير قائلا: انني أشعر الآن وبكل الاعتزاز والفخر أن هناك ثقافة حقيقية في بلادنا ليست هي ثقافة العاصمة فقط, ولكنها ثقافة كل هؤلاء الأدباء الذين يمثلون ثقافة وطن بأكمله. موضحا أن هناك من يتساءل وهم قلة غائبة عن العمل الثقافي يرون أن مصر لاتوجد بها ثقافة وان أكبر رد علي تساؤلهم أن يروا هؤلاء الرموز الذين ينشرون الثقافة في مختلف ربوع الوطن في القري والنجوع والمراكز والبنادر وعواصم المحافظات, ويحتفي بهم قرناؤهم من أدباء العاصمة ويشاركونهم فرحتهم بمؤتمرهم الكبير. ويأخذ هذا المؤتمر أهميته من وجهة نظرنا لأمرين مهمين: الأول أنه يواكب اليوبيل الفضي, أي مرور خمسة وعشرين عاما علي بدء مؤتمر أدباء مصر, والثاني أن هذا المؤتمر الذي دعا إليه بهذه الكثافة والتوسع رئيس هيئة قصور الثقافة د. أحمد مجاهد صنع جسرا قويا من الترابط والتلاحم والتقارب بين أدباء العاصمة وأقرانهم أدباء الأقاليم الذين يشعرون بجهودهم المخلصة ودورهم الثقافي الذي لاينكره أحد ولا يأخذون حقهم من الاهتمام الاعلامي لبعدهم عن أضواء العاصمة بقنواتها التليفزيونية وفضائياتها وكل وسائلها الاعلامية مسموعة ومقروءة ومرئية, وأستطيع أن أعرض في هذا المقال بعض الجوانب المهمة التي حققها المؤتمر في دورته الخامسة والعشرين مع بعض ملاحظاتنا ومقترحاتنا لدعم رسالته بشكل أكثر اتساعا في المرحلة المقبلة. * الوحدة الوطنية: نجح المؤتمر في أن يتخذ من موضوع الوحدة الوطنية مشروعا قوميا يلتف حوله كل أدباء مصر, وان تعليمات واضحة صدرت من رئيس الهيئة أحمد مجاهد إلي المسئولين عن قصور وبيوت الثقافة في مصر بأن يكون موضوع الوحدة الوطنية علي رأس قائمة اهتماماتهم وبرامجهم الثقافية اليومية مع إقامة مسابقات بين شباب المثقفين مسلمين وأقباطا في القصة وقصيدة الفصحي والعامية والموسيقي والغناء وتخصيص جوائز مالية وأدبية لأفضل هذه الابداعات ونشرها في جميع المجلات التي تصدرها هيئة قصور الثقافة. * الكتب المترجمة: يحسب لهذه الدورة تحويل الكتب المترجمة إلي سلسلة دائمة ودعم وزير الثقافة لهذا المشروع, موضحا أن الترجمة من العربية إلي الأجنبية تحتاج إلي مساعدين أجانب, بالإضافة إلي التعاقد مع دور نشر في الخارج, ورغم ذلك فإننا سنواصل دعمنا لمشروع الترجمة لأهميته, وهو من مكاسب المؤتمر, في الوقت الذي أجمع فيه الأدباء في ندواتهم الرسمية وجلساتهم الخاصة, علي أن الاضافة الحقيقية لهذه الدورة تتمثل في كتب الترجمة التي تتضمن القصة القصيرة وشعر الفصحي وشعر العامية لبعض كتاب مصر في أقاليمها لتكون أمام القاريء الأجنبي باللغة الانجليزية, موضحين أن من ثمار هذه الدورة اكتشافها مترجمين متميزين علما وخبرة, وأن أعدادهم سوف تتزايد في المرحلة القادمة. * مطر وجاهين: استقبل أدباء مصر قرار رئيس هيئة قصور الثقافة بإصدار الأعمال الكاملة لمحمد عفيفي مطر والأعمال الكاريكاتيرية الكاملة لصلاح جاهين في طباعة فاخرة باستحسان شديد تقديرا لدورهما في إثراء الحركة الثقافية والشعرية, بحيث تكون هذه الأعمال في متناول أيدي قرائهما في معرض الكتاب بعد أيام, ونحن من جانبنا نقترح علي رئيس الهيئة استمرار تواصل هذا المشروع المهم, بحيث يتبني في كل دورة طبعات كاملة لرواد آخرين وحبذا لو كانت لمبدعين راحلين من أمثال أمل دنقل وصلاح عبدالصبور, علي أن تكون أعمالهما الكاملة أيضا بين أيدي عشاق شعرهما في معرض الكتاب العام القادم وهكذا, وبذلك يحسب لرئيس الهيئة مبادرته غير المسبوقة بتكريم وتخليد ذكري هؤلاء الرموز كل عام. * إنشاء لجنة للوحدة الوطنية تكون ضمن لجان المجلس الأعلي للثقافة مطلب مهم لأدباء مصر في هذا التوقيت بالذات يستحق أن يتبناه وزيرالثقافة ورئيس الهيئة, بحيث يضم نخبة من رجال الأزهر والكنيسة والكتاب والنقاد المستنيرين وتكون مهمتهم ترسيخ دعائم أعظم وحدة وطنية عرفتها الانسانية واسهام أبنائها مسلمين وأقباطا في نهضة البلاد وتقدمها وازدهارها ووقوفهم صفا واحدا في مواجهة جميع الأحداث التي مرت بالوطن وكيف كانوا معا في خندق واحد يحملون السلاح يوم العبور العظيم وحققوا معا أكبر انتصار لمصر في تاريخ العسكرية المصرية. * وأخيرا فقد كشف المؤتمر أن مصر زاخرة بمبدعين مجيدين في كتابة السيناريو, ولكنهم بعيدون عن أضواء العاصمة ويمكنهم أن يقدموا أعمالا تحمل أفكارا جديدة تثري الشاشة الصغيرة في رمضان, والمسألة تحتاج إلي تعليمات واضحة من وزير الاعلام أنس الفقي ورئيس الاتحاد أسامة الشيخ إلي رؤساء القطاعات المنتجة للدراما التليفزيونية, بحيث يقدم كل قطاع ولو كاتبا واحدا جديدا كل عام تحقيقا لمبدأ تواصل الأجيال, وحتي لاتصبح أبواب الانتاج الدرامي مغلقة أمامهم إلي الأبد.