لاشك أن أنظار الملايين من أبناء العالم العربي تتطلع إلي وضع ما تسفر عنه القمة الاقتصادية التنموية والاجتماعية بشرم الشيخ من قرارات وتوصيات موضع التنفيذ علي ارض الواقع وبما تتمشي توجهاتها مع احتياجات العصر في العالم العربي ليتواكب مع المستجدات العالمية من ناحية, ومن الناحية الأخري تكليلا للجهود البناءة الهادفة الي التحول بالحلم العربي الكبير الي حقيقة وواقع يعودان بالعالم العربي إلي موقعه الصحيح علي خريطة العالم, إلي مركزه الذي يستحقه. ومع أحوجنا اليوم ونحن ننظر بعين الإعجاب للتجربة الأوروبية المبهرة والتي بدأت بالسوق الأوروبية المشتركة وانتهت بالوحدة الأوروبية والتي كانت معابرها التوافق والتناغم المرحلي في توفيق كافة عناصر الاختلاف لتصبح عناصر توافق واتفاق بدءا من المواصفات القياسية للسع والمنتجات علامات المرور ولوحات السيارات مرورا بالقوانين ذات العلاقة مثل قوانين العمل المصارف الاستثمار التجارة الملكية الفكرية الضرائب- الجنسية ألوان سيارات الشرطة شبكات المعلومات والربط بينها, و إنتهاءا بتوحيد العملة رغم ما اكتنف ذلك من تنازل مؤلم لعملات كان لها أمجادها ومدلولها القومي مثل المارك الألماني والفرنك الفرنسي وغيرها ليحل محلها اليورو وهو ما اتفق علي تسميته العمل علي توحيد الأنظمة المؤسسية التي تمثل البنية الأساسية للتكامل الاقتصادي منحية جانبا الجانب السياسي ليأتي في المرحلة الأخيرة من منظومة العمل الوحدوي الرائع الذي يترك لكل دولة حرية إدارة شئونها من خلال مجالسها التشريعية والنيابية المحلية والتي تتكامل من خلال تمثيلها في البرلمان الأوروبي الفيدرالي. والأمر ليس بخاف أننا في الوطن العربي الكبير كنا الأسبق في تبني هذا الاتجاه من خلال تجارب الوحدة متكررة الأنماط بين دول مختلفة انتهت في كل حالة بانفصال تعددت أسبابه والنتيجة واحدة. ولعل الباحث في حتمية الانفصال التي تلي كل حركة وحدة التيقن من أن السبب في ذلك أننا بدأنا بالوحدة السياسية ونحينا جانبا السعي وراء التوفيق المؤسسي بين هذه الدول وأهمية أن يدعم ذلك الجانب الاقتصادي وهو وقود الحياة ومستهدفها في نهاية المطاف ففتحنا الباب لأوجه الخلاف والاختلاف والفرقة والبغضاء وهو مجال رحيب لتفاقم عوامل الهدم. والسؤال يطرح نفسه مجددا من أين نبدأ؟ وما هي محاور العمل البناء الذي يجمع ولا يفرق.... يعظم ولا يبدد ويؤتي ببرنامج عمل يجتمع حوله كل الأطراف في منظومة عمل ايجابية ؟ لعل الخطوة الأولي تكون في ترتيب الأولويات حسب أهميتها و جاهزيتها للأخذ بها في سلاسة ويسر لدفع وتعزيز التعاون العربي المشترك نوجز أهمها في: أولا: الإسراع في تطبيق القرارات والأحكام اللازمة لتفعيل السوق العربية المشتركة وإطلاق آلياتها إذ أن إقامة السوق العربية بات مطلبا قوميا ملحا طال الحديث عنه لفترة امتدت أكثر من30 عاما. والأمر ليس بخاف أن توازن المسيرة الاقتصادية يرتبط بالبشر والمال والأرض, أما نجاحها فيحتاج بجانب ذلك إلي الميزة التنافسية أو إرساء مفهوم الميزة التنافسية وإلا بقينا عند حد الكفاية في الإنتاج والعدالة في التوزيع وهو حد لا تستقيم معه أية طموحات, ونحن في غني عن بيان إمكانيات العالم العربي المتاحة والغير مفعلة في هذه المجالات الثلاث. أما الميزة التنافسية الغير مختلف عليها فإنما هي مفهوم التكامل الاقتصادي العربي الهادف للوصول إلي الوحدة الاقتصادية وهو مبدأ كنا أول من نادي به وتم وضع خطط طموحه وجيدة ولكن غياب الإرادة في التنفيذ جعل منها أفكار إيديولوجية أخذها الغرب وسبقنا مثال لذلك التجربة الأوروبية والتي بدأت بعدنا بأحقاب أصبحت في مقدمة قصص النجاح علي مستوي العالم وأثبتت إمكانية تحقيق تكتل اقتصادي بصرف النظر عن اختلاف الأنظمة السياسية. ثانيا: توحيد المؤسسات في مختلف الأقطار العربية لتحقيق ما يسمي تناغم وذلك بالعمل علي إزالة كل ما يعترض طريق تلك المؤسسات والتي من أهمها: إزالة مشكلة الكفيل أو الإلزام بشريك محلي أمام المشروعات العربية. تجنب الازدواج الضريبي بين المشروعات متعددة الجنسيات العربية. تفعيل منظومة حماية الملكية الفكرية للحفاظ علي العقول والمبتكرات العربية من السطو مما يشكل عاملا جاذبا للاستثمارات في المنطقة. ثالثا: تحقيق التوافق والتناغم بين القوانين المختلفة وذلك بإنشاء لجان متخصصة للعمل علي إزالة التناقض بين القوانين المختلفة وأهمها: توحيد المواصفات القياسية العربية بدءا بالتناغم بين المحلي منها بعضه البعض وكذا تنشيط حركة إصدار المواصفات العربية المتوافقة مع المواصفات العالمية بالمعدلات المطلوبة لإحداث التعاون الاقتصادي القائم علي أساس توحيد المواصفات العربية. توحيد قوانين العمل اللازمة لتسهيل انتقال العمالة وتوفير المناخ المناسب لها بما يتيح للعمالة الفنية والماهرة حرية التنقل والعمل بين البلدان العربية تحت مظلة من القوانين تحميها من التعسف. تنقية وتحسين بيئة التشريعات القانونية المطبقة في الأقطار العربية لتشجيع الاختراعات والابتكارات والنمو الاقتصادي والاستثمار في كافة الأقطار العربية تحت مظلة صالحة وجذابة لنقل التكنولوجيا وتطبيقها وكذا محفزة للبحث العلمي. دعم سهولة انتقال رجال الأعمال بين الدول العربية بمنحهم تأشيرات سنوية وذلك عن طريق باسبور وتأشيره تصدر عن جامعة الدول العربية خاصة برجل الأعمال بعد استيفاء العرض الأمني من كل دولة علي حده مما يزيد من مساحة الإسهام المباشر لدور الجامعة العربية في إيجاد الحلول الإيجابية في صورتها المتكاملة. بقي أن نشير إلي جانب له أهميته وهو دور الإعلام الحيوي في استقطاب الإنسان العربي إلي الإطار الجديد الذي نستهدفه بوصف ذلك الإنسان أداة للتقدم وهو هدف هذا التقدم في ذات الوقت وذلك بإبراز قصص النجاح للإنجازات العربية علي مستوي الأفراد والمؤسسات. كما أن ما يصدر عن القمة من من توصيات وقرارات وبرامج ودراسات وكذا آليات لتنمية التجارة البينية والاستثمار هو أمر يعكس طموحات قابلة للتنفيذ والتي تنبيء بسرعة توالي الايجابيات نحو إقامة السوق العربية المشتركة.