وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين. بهذه الكلمات فهمت مريم أن الله يختارها, ويطهرها ويختارها ويجعلها علي رأس نساء الوجود.. هذا الوجود, والوجود الذي لم يخلق بعد.. هي أعظم فتاة في الدنيا وبعد قيامة الأموات وخلق الآخرة. وعادت الملائكة تتحدث: يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين كان الأمر الصادر بعد البشارة ان تزيد من خشوعها, وسجودها وركوعها لله. ونسيت مريم شجرة الورد وعادت للصلاة.. لم تعد تحس أنها صغيرة وضعيفة وتقف وحدها في المحراب. إنما أحست أنها تضم قرص الشمس في قلبها, وتشرب خصلات شعرها من ندي الحقول, وأحست أن الرحيق الذي يصعد في سيقان أشجار التفاح يصعد في عروقها, وتجمعت كل دموع الأطفال الأبرياء في الدنيا وانحدرت دمعة واحدة كبيرة من عين العذراء وهي تصلي, كانت دمعتها الوحيدة تضم مذاق اللبن وطراوة النسيم ومرارة أحزان البشر. ملأ قلب مريم إحساس مفاجئ بأن شيئا عظيما يوشك أن يقع.. كانت تحس ذلك إحساسا غامضا منذ أيام.. لكن إحساسها يتأكد الآن.. انحدرت الشمس نحو فراشها واستيقظ الليل.. وجلس القمر علي عرشه الفضي في السماء, وحوله رعيته من السحاب الجميل الأبيض.. وجاء منتصف الليل ومريم منهمكة في الصلاة, ثم أنهت صلاتها.. وتذكرت شجرة الورد فحملت بعض المياه في وعاء وخرجت لتسقيها.. كانت الشجرة في مكان يبعد عن المحراب خطوات.. وكان المكان مهجورا من الناس ولا أحد يقترب منه, كان معروفا أنه محجوز لمريم لتصلي فيه أوتتعبد. اقتربت( مريم) من شجرة الورد وسقتها. وفجأة سمعت( مريم) صوت أقدام تستقر علي الأرض. المزيد من أعمدة أحمد بهجت