سعر الدولار اليوم في 10 بنوك ببداية تعاملات الاثنين    حماية المستهلك: شركة الشحن شريكًا في مخالفة نقل السلع المغشوشة .. قريبا    توقعات حول نتائج لقاء زيلينسكي وترامب في الولايات المتحدة    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    المعهد القومي للمعايرة يحصل على الاعتراف الدولي ل 19 قدرة قياس جديدة    الرئيس الأوكراني يصل إلى الولايات المتحدة للقاء ترامب    جوزيف عون: لبنان على مسار الازدهار.. والورقة الأمريكية تفتح باب التعاون مع سوريا    مصابون إثر استهداف طائرات الاحتلال شقة سكنية وسط قطاع غزة    موعد مباراة الجزائر والنيجر في كأس أمم أفريقيا للمحليين    "على أغاني عمر كمال والجسمي".. إمام عاشور ينشر صورة مع والده ووالدته    الحالة المرورية اليوم، انسيابية على أغلب المحاور بالقاهرة والجيزة مع تباطؤ في بعض المناطق    تحذير عاجل من التعليم بشأن استخدام أسوار المدارس في أغراض الدعاية والإعلان    ريهام عبدالغفور تنعي تيمور تيمور: فراقك وجعني    انخفاض سعر الذهب اليوم في مصر ببداية تعاملات الاثنين    بكم العدس والفاصوليا؟.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    كم سجل عيار 21 الآن؟ أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الاثنين 18 أغسطس 2025    يسرا عن رحيل «تيمور تيمور»: صعب تلاقي حد بالصفات دي في حياتك    حكيم يشعل أجواء الساحل الشمالي الجمعة المقبلة بأجمل أغانيه    وظائف شاغرة ب«الكهرباء».. التخصصات المطلوبة وآخر موعد للتقديم    منها الشاي والقهوة.. مشروبات شائعة تحتوي على جزيئات بلاستيكية دقيقة    «حالتك سيئة وراجع نفسك».. أيمن الرمادي يطالب باستبعاد نجم الزمالك من التشكيل    تحرك الدفعة ال 17من شاحنات المساعدات إلي معبر كرم أبو سالم    مصرع سيدة في حادث سير ب شمال سيناء    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    كل ما تريد معرفته عن مسابقة توظيف بريد الجزائر 2025.. الموعد والشروط وطريقة التسجيل    قرارات صارمة من وزارة التربية والتعليم استعدادًا للعام الدراسي الجديد 20262025 (تعرف عليها)    إساءات للذات الإلهية.. جامعة الأزهر فرع أسيوط ترد على شكوى أستاذة عن توقف راتبها    تامر عبدالمنعم: «سينما الشعب» تتيح الفن للجميع وتدعم مواجهة التطرف    ترامب يهاجم «وسائل الإعلام الكاذبة» بشأن اختيار مكان انعقاد قمته مع بوتين    "أي حكم يغلط يتحاسب".. خبير تحكيمي يعلق على طرد محمد هاني بمباراة الأهلي وفاركو    أرتفاع الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    وصفة مغذية وسهلة التحضير، طريقة عمل كبد الفراخ    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    هاجر الشرنوبي تدعو ل أنغام: «ربنا يعفي عنها»    احتجاجات غاضبة أمام مقر نتنياهو تتحول إلى مواجهات عنيفة    الأمم المتحدة: نصف مليون فلسطيني في غزة مهددون بالمجاعة    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    مصرع طفل أسفل عجلات القطار في أسيوط    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    بحضور وزير قطاع الأعمال.. تخرج دفعة جديدة ب «الدراسات العليا في الإدارة»    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    السكة الحديد: تشغيل القطار الخامس لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    أمسية دينية بلمسة ياسين التهامى فى حفل مهرجان القلعة    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة طريق الواحات    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نماذج التعايش مع الآخر‏(7-20)‏
وثيقة المدينة‏..‏ ودستور المواطنة
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 01 - 2011

منذ عقود عديدة والعالم كله يسعي بدوله ومؤسساته ومنظماته إلي تحديد الأسس والقواعد التي تنظم حقوق الأفراد وواجباتهم‏,‏ وترسم حدود العلاقات البينية بين الأفراد من جهة‏. وبينهم وبين الدولة ومؤسساتها وهيئاتها من جهة أخري‏,‏ وهو ما يمكن تسميته‏'‏ بالحق في المواطنة‏',‏وهو مفهوم حديث ارتبط بوجود الدولة الحديثة‏,‏وكان مصدر فخر للعالم الحديث منذ اكتشافه وتحديده‏,‏ كأحد أهم إنجازات الحضارة الحديثة‏,‏وطبقا لهذه الحضارة فمفهوم‏:'‏ حق المواطنة‏',‏ يقوم علي أساس المساواة في الحقوق والواجبات‏,‏ دون النظر إلي الانتماء الديني أو العرقي أو المذهبي أو أي اعتبارات أخري‏,‏ فالاعتبار الوحيد هنا هو الإنسانية والمواطنة‏.‏
ولقد عرف الإسلام هذا الحق ورسخه منذ أربعة عشر قرنا‏,‏فحين هاجر الرسول صلي الله عليه وسلم إلي المدينة وجد فيها عقائد مختلفة وقبائل شتي‏,‏تشكلت بعد استقراره إلي فئات ثلاث في ذلك المجتمع الجديد‏,‏هم‏:‏المسلمون‏,‏واليهود‏,‏ والعرب المشركون‏,‏ ويتألف المسلمون من المهاجرين والأنصار الذين يتألفون بدورهم من الأوس والخزرج‏,‏ وهو ما يمثل نسيجا غريبا ومخالفا لتقاليد العرب وأعرافهم في ذلك الوقت في الجزيرة العربية‏.‏
وفي ظل ذلك التنوع أراد الرسول صلي الله عليه وسلم أن يؤسس دولة قوية يسودها السلام والتعاون والمشاركة بين جميع أطيافها علي مختلف مشاربهم‏.‏
ومن هنا جاءت وثيقة المدينة كأول دستور للدولة المدنية في العالم‏,‏يحدد ملامح دولة الإسلام الجديدة‏,‏ولا يفرق بين مواطنيها من حيث الدين أو العرق أو الجنس‏,‏فأكد‏:'‏ أن أطراف الوثيقة عليهم النصر والعون والنصح والتناصح والبر من دون الإثم‏',‏ وحرصت الوثيقة علي أن يكون الدفاع عن حدود هذه الدولة مسئولية الجميع‏,‏مؤكدة روح المساواة والعدل والتعاون والتعايش السلمي بين أطرافها‏.‏
وكان من أبرز أسس هذه الوثيقة‏:'‏العدالة‏',‏وتمثلت في توافق الحقوق والواجبات وتناسقها‏,‏إذ تضمنت حقوق الأفراد جميعا في ممارسة الشعائر الدينية الخاصة‏,‏وحقوقهم في الأمن والحرية وصون أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ودور عبادتهم‏.‏
وقد قامت وثيقة النبي صلي الله عليه وسلم بين أهل المدينة علي أربعة محاور‏:‏
الأول‏:‏الأمن الجماعي والتعايش السلمي بين جميع مواطني دولة المدينة‏,‏ حيث قال صلي الله عليه وسلم‏:'‏أنه من خرج آمن‏,‏ ومن قعد آمن بالمدينة‏,‏ إلا من ظلم وأثم‏,‏ وأن الله جار لمن بر واتقي‏',‏ كما حفظ حق الجار في الأمن والحفاظ عليه كالمحافظة علي النفس‏,‏ حيث قال‏:'‏وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم‏'.‏
والمحور الثاني‏:‏ضمان حرية الاعتقاد والتعبد‏,‏ فقرر‏:'‏لليهود دينهم وللمسلمين دينهم‏,‏ مواليهم وأنفسهم‏,‏ إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ‏-‏أي يهلك‏-‏ إلا نفسه وأهل بيته‏'.‏
أما ثالث المحاور فهو‏:‏ضمان المساواة التامة لمواطني دولة المدينة في المشاركة الفاعلة في مجالات الحياة المختلفة‏,‏تحقيقا لمبدأ أصيل تقوم عليه الدول الحديثة في عالم اليوم‏,‏وهو مبدأ المواطنة الكاملة‏,‏ والذي لم يكن جليا حيئذ‏,‏ إلا أن دستور المدينة الذي وضعه المصطفي ضمن هذا الحق لكل ساكنيها‏,‏في وقت لم يكن العالم يعي معني كلمة الوطن بالتزاماته وواجباته‏.‏
ورسخ المحور الرابع إقرار مبدأ المسئولية الفردية‏,‏وأصل هذه المسئولية الإعلان عن النظام‏,‏ وأخذ الموافقة عليه‏,‏وهو ما أكدته الوثيقة‏:'‏ أنه لا يكسب كاسب إلا علي نفسه‏,‏ وأن الله علي أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره‏,‏ وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم‏'.‏
وتعتبر صحيفة المدينة أول دستور ينظم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين‏,‏حيث اعتمد الرسول صلي الله عليه وسلم في الوثيقة مبدأ المواطنة‏,‏ فوضعت فيها الحقوق والواجبات علي أساس المواطنة الكاملة التي يتساوي فيها المسلمون مع غيرهم من ساكني المدينة المنورة ومن حولها‏.‏ وفي ظل التنوع الديموغرافي الذي ساد المدينة حينذاك‏,‏ كان اليهود أبرز هذه الفئات‏;‏ولذا فقد ذكرهم الرسول في أكثر من بند من هذه الوثيقة‏,‏حيث أكد في الوثيقة أن اليهود من مواطني الدولة الإسلامية‏,‏ وعنصرا من عناصرها‏;‏ فقال في الصحيفة‏:'‏وإنه من تبعنا من يهود‏,‏ فإن له النصر والأسوة غير مظلومين‏,‏ ولا متناصر عليهم‏',‏ كذلك قال‏:'‏وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين‏'.‏
وفي هذا الدستور الحقوقي الأول من نوعه في التاريخ نري أن الإسلام قد عد الآخرين‏-‏خاصة أهل الكتاب الذين يعيشون في أرجائه‏-‏ مواطنين‏,‏ وأنهم أمة مع المؤمنين‏,‏ما داموا قائمين بالواجبات المترتبة عليهم‏,‏ فاختلاف الدين ليس سببا للحرمان من مبدأ المواطنة‏.‏
إن هذه الوثيقة أول دستور مكتوب في التاريخ يعترف بحقوق المواطنة لجميع سكان الدولة باعتبارهم‏:'‏ أمة من دون الناس‏',‏ فهم جميعا شركاء في نظام سياسي واحد يضمن لهم حقوقا متساوية‏,‏ ويستظلون بحماية الدولة‏,‏ مقابل أدائهم واجباتهم في الدفاع عنها‏,‏ لذا فقد وقع علي هذه الوثيقة سكان المدينة كلهم‏,‏ ورضوا بها دستورا حاكما بينهم‏,‏ لما وجدوه بها من عدل ومساواة‏.‏
لقد شكلت وثيقة المدينة‏,‏ أو دستور المدينة بمصطلحاتنا الحالية‏,‏ ثورة في علاقة الأفراد بالمجتمع‏,‏ وما تفرضه تلك العلاقة من التزامات وواجبات‏,‏ فسبقت المدينة غيرها من مناطق العالم ومدنه في تحقيق دولة مدنية قوية‏,‏ تضمن حقوق المواطنة‏,‏ وتنمي شعور الهوية والانتماء لدي أفرادها‏,‏ وتنير العالم بنظامها المدني الحديث‏,‏ ودعوتها الدينية السامية‏,‏ فكانت بحق أنموذجا لدولة القيم والأخلاق والدستور والمواطنة‏.‏وإذا كانت تلك الوثيقة تدعو لهذه القيم الرفيعة مع أهل الكتاب من اليهود‏,‏ فكيف الظن بمن أوصانا الله تعالي بهم في قوله‏:(‏ ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون‏)(‏المائدة‏:82)‏؟‏!‏

المزيد من مقالات د‏.‏ علي جمعة‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.