في هدوء وبلا ضجة, أطلقت مؤسستنا العريقة في عيدها السنوي الذي وافق الثلاثاء قبل الماضي28 ديسمبر موقعا علي الإنترنت يعد بلا تحيز علي الإطلاق فريدا من نوعه في مسيرة المواقع المصرية والعربية, من حيث حجم محتواه, وتركيبته ومنهجية بناء قاعدة بياناته, كما أنه يعد نقطة بداية مهمة وسليمة نحو بناء ذاكرة الأهرام الرقمية, فهو يتيح استعراض وثائق يعود تاريخ أقدمها إلي ما قبل بداية القرن العشرين, ويعود أحدثها إلي اليوم أو الأمس, وتعرض فيه هذه الوثائق بصورة كاملة متسلسلة تاريخيا بلا انقطاع, وبطريقة لينة طيعة سريعة, وهذا الموقع هو موقع الأهرام ديجيتالhttp://digital.ahram.org.eg/ الذي يتيح لك نصف مليون صفحة من الأهرام بدءا من عام1900 وحتي اليوم, ويجعلها تقفز بين أطراف أصابعك بكل رشاقة وسلاسة وسرعة حسبما تريد. والحقيقة لا أعرف كيف خرج هذا الجهد من دون أن يحصل علي ما يستحقه من اهتمام وترويج, حتي أن موقع الأهرام اليومي وكذلك موقع البوابة الإخبارية الجديدة يخلوان حتي الآن من أي إشارة أو رابط يدل علي أنه موجود, وهو أمر لا بد من تداركه علي وجه السرعة, لأن من حق الأهرام ديجيتال أن يعرض بوضوح علي الموقعين, ومن واجب الموقعين أن يفعلا ذلك. وبعيدا عن هذه الملاحظة العابرة, فإن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: لماذا يعتبر موقع الأهرام ديجيتال مميزا ونقطة بداية سليمة لبناء ذاكرة رقمية للأهرام؟ تقتضي الإجابة التعرف علي ملامح الذاكرة الرقمية لأي مؤسسة صحفية ومكوناتها, سواء في الأهرام أو غيره, وفي هذا السياق يمكننا القول إن الذاكرة التحريرية والفكرية الرقمية لأي مؤسسة صحفية تتشكل من ثلاثة مستويات من المحتوي, تعيش حالة تفاعل وتكامل طوال الوقت, المستوي الأول: يضم البيانات والمعلومات الساخنة المتحركة, وتجسدها المواد التحريرية أو المحتوي تحت التصنيع الذي يجري تجهيزه للنشر لحظيا وبلا انقطاع طوال الوقت داخل صالات التحرير في المؤسسة وفي مكاتبها وفروعها ومواقع وجود مندوبيها ومحرريها في قلب الأحداث. المستوي الثاني: يضم المعلومات والبيانات شبه الساخنة أو شبه الساكنة, ويجسده المحتوي التام التجهيز الذي خرج من صالات التحرير ووجد طريقه إلي مواقع الإصدارات المختلفة للمؤسسة وبواباتها الإخبارية علي الإنترنت, أو إلي النسخ المطبوعة التي وصلت للباعة بالأكشاك وأرفف المحلات, وبدأ يبرد ويهدأ ويتوقف مؤقتا في مكانه لحين بدء استهلاكه من قبل الجمهور. المستوي الثالث: هو المعلومات والبيانات الساكنة, التي يجسدها المحتوي بعد استهلاكه من قبل الجمهور, سواء بمطالعته علي موقع أو قراءته في نسخة مطبوعة او غيرها, وظهر بعده محتوي آخر جديد, وبات من المتعين إعادته إلي مخازن رقمية ليتراكم فيها طبقات فوق طبقات ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم, ويجب تنسيقه بشكل يسهل الغوص فيه والوصول إلي كل دقائقه بسرعة وبتكلفة رخيصة وبصورة كاملة في أي وقت, ليستخدم في أي لحظة كوقود لتوليد محتوي ساخن جديد في دورة عمل جديدة. وحينما يتوافر للمؤسسة نسق متكامل من النظم الالكترونية والأدوات التي تدير عملية إنتاج المحتوي التحريري الرقمي في صورته الساخنة والهادئة والساكنة, أي في صالات التحرير وفي المواقع وفي الأرشيف, تتهيأ الفرصة لحدوث امتزاج بين الثلاثة معا, وهنا يمكن أن نطلق علي هذا المزيج الذاكرة الرقمية التحريرية للمؤسسة, والتي ليس من بينها بالطبع الذاكرة الإدارية والفنية والتجارية. ويأتي ذلك انطلاقا من أن الذاكرة الرقمية في الوقت الحالي لم تعد أرشيفا أو وعاء تخزينيا فقط كما كان في الماضي, لأن القائم بإنتاج المحتوي الساخن الجديد قد ينطلق في عمله من معلومة أرشيفية ساكنة باردة, والقائم باستهلاك المحتوي قد يرغب في العودة إلي الأرشيف وهو يطالع معلومة ساخنة, وهو ما يتطلب العمل بمفهوم المزيج الثلاثي. في هذا السياق يمكن توصيف موقع الأهرام ديجيتالhttp://digital.ahram.org.eg/ باعتباره نقطة بداية جيدة تحاول تغطية المستوي الثالث الخاص بالمحتوي الساكن الذي جري إنتاجه بالمؤسسة عبر سنوات طويلة تمتد لأكثر من قرن, إضافة للمحتوي الذي يتحول يوميا من الحالة الساخنة والهادئة إلي الساكنة. ووفقا لهذا المنظور المتكامل للذاكرة الرقمية التحريرية, فإن الأهرام ديجيتال يتمتع بمستوي واضح من الجدارة علي صعيد البناء والأداء والتشغيل, فهو يتكون فعليا من قسمين متمايزين, الأول خاص بذاكرة المواد الحديثة المخزنة من الأهرام اليومي والإصدارات في صورتها الرقمية الحديثة كنصوص وصور وملفات سمعية وخلافه, والقسم الثاني خاص بالأعداد التاريخية للأهرام والمنقولة عن الملفات الميكروفيلمية القديمة, إضافة إلي ملفات البي دي إف الخاصة بالأعداد الحديثة, والتي تعرض جميعها في شكل صور وليس نصوص, وفي الحالتين اتبع فريق التطوير منهجية صعبة معقدة في البناء والتشغيل, جعلت بين أيدينا موقعا يستند إلي قاعدة بيانات ضخمة موحدة الهيكل متمايزة التقسيم.. كيف؟ إذا ما تناولنا القسم الأول من الموقع والخاص بذاكرة المحتوي الحديث والحالي والمستقبلي الذي يضاف كل يوم, سنجد أن مؤسستنا العملاقة والعريقة بها ما يقرب من22 إصدارا متنوعا, ما بين صحف ومجلات ونشرات وتقارير وكتب دورية وخلافه, تتنوع في كل مستوي من المستويات الثلاثة السابق الحديث عنها, فصحيفة صباحية عملاقة عريقة تختلف عن أخري مسائية شابة, ومجلة نسائية تختلف عن أخري رياضية, وصحيفة ناطقة بالفرنسية تختلف عن أخري بالانجليزية, ومجلة للديكور تختلف عن أخري في تكنولوجيا المعلومات, وهكذا. وهذا الوضع يستلزم بالضرورة أن يكون لكل إصدار من هذه الإصدارات شخصيته وطريقته الخاصة في التعامل مع المحتوي في مراحل التخزين والأرشفة, ومطلوب ممن يبني ذاكرة رقمية ألا يمس هذه الفوارق والتنويعات, أو يجعل شخصيته كمهندس للبرمجيات أو محلل للنظم تطغي أو تطمس أي من ملامح كل إصدار في المستويات الثلاثة. والشائع لدي الكثير ممن يدعون أنهم يبنون ذاكرة رقمية للمؤسسات الصحفية أو الإعلامية, أنهم يلجأون للحل السهل الذي يحدث فرقعة بأكثر مما يوفر قيمة حقيقية, فيبنون سلسلة من المواقع أو الكيانات المنفصلة تماما عن بعضها البعض, ثم يجمعون بينها في النهاية بواجهة سطحية من الخارج توهم من يستخدم الذاكرة أنه يتعامل مع كيان موحد علي خلاف الحقيقة. ولو طبق هذا المنهج الطفولي علي حالة الأهرام ديجيتال لكان قد قادنا إلي بناء22 أرشيفا مستقلا ب22 قاعدة بيانات لل22 إصدارا بالمؤسسة, ليس لأي منها علاقة بالآخر, ثم وضع بكل أرشيف أداة بحث, وكان من المتعين علي من يستخدم الذاكرة أن يبحث في كل منها علي حدة, ومرة تلو الأخري, وفي هذه الحالة تنشأ ذاكرة مهلهلة مشتتة متشظية, لا تستطيع أن تمد الباحث أو المتعامل معها بصورة بانورامية كاملة لما فكرت أو تفكر فيه المؤسسة بكل إصداراتها تجاه قضية معينة بعملية بحث واحدة, بعبارة أخري كنا سنجد أنفسنا أمام ضجة مواقع لا معني لها. هذا المنهج السهل البدائي لم يتبعه الزملاء بمركز أماك الذين طوروا وبنوا الأهرام ديجيتال, وإنما اتبعوا منهج توحيد قاعدة البيانات علي المستوي التحتي الأفقي ومستوي البيانات, ثم تنويعها علي المستوي الرأسي, بحيث تم وضع جميع بيانات ومعلومات ال22 إصدارا في وعاء موحد, يمكن التعامل معه بالبحث والاسترجاع باعتباره كيانا واحدا, وفي الوقت نفسه المحافظة علي القدر المطلوب من التمايز والتصنيف الذي يسمح بالتعامل مع محتوي كل إصدار علي حدة, بل واستخدام الطريقتين معا إذا اقتضت الحاجة, وبالتالي فقاعدة البيانات تحقق تكاملية مطلقة وربطا عميقا علي مستوي البيانات بين محتوي22 إصدارا في المؤسسة, وفي الوقت نفسه تحافظ علي طبيعة محتوي كل إصدار بشخصيته وتقسيماته الداخلية وتجعل منه محتوي مميزا, لكنه ذائب كلية داخل التصميم الموحد للموقع, بألوانه وتقسيماته الفرعية التي لا تتغير بتغير الإصدار, وتجعله يعمل تحت نطاق العنوان الموحد للموقع وهوhttp://digital.ahram.org.eg/, مضافا إليه نطاقات فرعية مقسمة حسب موضوعات البحث وليس حسب الإصدار, مثل/Arts التي تظهر عند مطالعة موضوعات فنية, و/Policy عند مطالعة موضوعات سياسية, أما المادة المعروضة نفسها فيمكن أن يكون مصدرها الأهرام اليومي أو الرياضي أو نصف الدنيا أو لغة العصر أو غيرها من الإصدارات بدون أن يظهر أمامك نطاق فرعي من قبيل/mssaie للأهرام المسائي وict/ للغة العصر وغيرها, ويتاح ذلك كله يوما بيوم مع الرجوع بالمحتوي للوراء عدة سنوات. وقد جري الاعتماد علي هذه المنهجية الصعبة لأن ذاكرة الأهرام الرقمية, يجب أن توفر لك- كقاريء للأهرام ومحب له- كل ما تطلبه عن موضوع معين داخل كل الإصدارات بضغطة ذر واحدة ومن مدخل واحد وليس22 موقعا, أي تتيح لك أن تسبح في هذه الذاكرة بطريقة عرضية أفقية, وإذا غيرت رأيك ورغبت في الحصول علي شيء من إصدار بعينه فلابد أن تتيح لك هذه الذاكرة وصولا مباشرا سهلا إلي هذا الإصدار وحدة, لتسبح في معلوماته بطريقة( رأسية) وتحصل علي ما تريد منه هو فقط, وأيضا تقوم بذلك من منفذ واحد للدخول وبسرعة وبلا تعقيدات. وعمليا تتجسد هذه المنهجية داخل الموقع في آليتين: - الأولي نوافذ العرض الدوارة, التي تظهر فيها إصدارات المؤسسة بشكل متتال وتعرض مقتطفات مما حمله العدد الأخير من كل إصدار وبالدخول علي نافذة العرض أثناء التدوير يدلف الزائر أو الباحث في الذاكرة إلي محتوي هذا الإصدار فقط, وهذه هي السباحة أو الإبحار الرأسي في ذاكرة الأهرام. - الثانية: لوحة عرض المحتوي المجمع, وهي تحتل النصف الأسفل من صفحة واجهة الموقع, ومقسمة إلي سبع فئات هي الرياضة والسياسة والحوادث والفن والاقتصاد والدين والمجتمع, وفي هذا الجزء تظهر عناوين الأخبار والمقالات المتعلقة بهذه الفئة, كما نشرت وظهرت في جميع إصدارات المؤسسة معا, وهذه هي السباحة العرضية في الذاكرة.. وإلي الأسبوع المقبل.