علي مدي الاسبوع الماضي نشرت الصحف عشرات المقالات والتحليلات التي تناولت جريمة كنيسة القديسين بالإسكندرية. وهناك اتفاق عام علي أننا إزاء حادث إرهابي ارتكبه الجناة لتحقيق أهداف سياسية. لذلك فمن المطلوب أن نتعرف بدقة علي هذه الأهداف وألا يكون في ردود أفعالنا أو تصرفاتنا ما يمثل مساعدة أو دعما لتلك الاهداف التي سعي إليها المجرمون. فما هي اهداف هذه العملية الارهابية ؟ الهدف الاول لاي عمل ارهابي هو ترويع الناس وخلق حالة من الخوف والفزع والشعور بعدم الطمأنينة بينهم. وكان اختيار الجناة للكنيسة كهدف وتوقيت العمل الإرهابي في ليلة رأس السنة عاملا مساعدا علي زيادة تأثير الحادث. فبيوت العبادة- بحكم التعريف- هي اماكن امن وسلام يقف فيها الناس بين يدي الله يصلون ويتعبدون ويدعون. والهدف الثاني للعمل الارهابي هو اثارة غضب المسيحيين وتأجيج الروح الطائفية بين ابناء الوطن الواحد وخلق الموقف الذي يجعلهم يتصرفون بروح طائفية وليس بروح المواطنة المصرية. وكل ذلك وصولا الي الوقيعة بين المكونيين الرئيسين للشعب المصري. وهناك هدف آخر شرير وهو اظهار الحكومة واجهزة الامن في صورة العجز وعدم القدرة علي حماية المسيحيين ودور عبادتهم. والهدف الثالث يتعلق بالأسباب. فلماذا الرغبة في الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين في مصر؟ ومن هم أصحاب المصلحة في ذلك؟ وهناك أكثر من طرف له مصلحة. منهم داخليا قوي ظلامية لا تؤمن بالمواطنة ويتضمن فكرها التمييز بين المواطنين علي اساس الدين وتسعي لإقامة دولة علي اساس فهمها الضيق للإسلام. وتعمل هذه القوي علي إشاعة مناخ التطرف والتعصب الديني وإيجاد مشاعر التوجس والريبة والشك المتبادل بين المسلمين والمسيحيين. وهناك خارجيا قوي دينية إقليمية تناصر الطرف الداخلي وتدعمه وعلي رأسها تنظيم القاعدة الذي هدد صراحة باستهداف الكنائس المصرية. وقوي إقليمية أخري تهدف إلي اضعاف الكيان الوطني للدولة لكي يدخل دوامة التناحر الطائفي وعدم الاستقرار الاجتماعي الموجود في المنطقة. وهناك الأطراف الإقليمية والدولية التي تجد مصلحتها في شغل مصر بمشاكلها الداخلية حتي تنفرد إسرائيل بالقضية الفلسطينية وتلتهم ما تبقي من الأرض. وهناك أطراف إقليمية ودولية تسعي لتعطيل عملية النمو الاقتصادي المصري وتقليل تدفق الاستثمارات الخارجية والتي هي شريان النمو وقاطرة التوظيف والتشغيل وآلية زيادة الناتج القومي. إن هذا التحليل يؤكد أن الحدث إرهابي وأن المستهدف هو مصر الدولة والمجتمع وأن اختيار الكنيسة كهدف للعمل الإرهابي هو لإعطاء الجريمة دلالة طائفية وللاستفادة من جو التوتر الطائفي الموجود. الهدف هو تفكيك مصر وإضعاف مجتمعها علي اساس طائفي وقد كان البعد الطائفي هو الثغرة التي طالما تسللت منها القوي الخارجية لضرب الوحدة الوطنية ولحماية مصالحها الاستعمارية. ووصف الأستاذ غسان شربل رئيس تحرير جريدة الحياة اللندنية في مقاله بتاريخ1/2 ما حدث بأنه محاولة اغتيال مصر, والتي وضع فيها جريمة الإسكندرية في سياقها الإقليمي الذي يتضمن ضرب الكنائس في عدد من البلاد العربية والعمل علي تفريغ العراق من المسيحيين وتدهور العلاقات بين المسلمين والمسيحيين العرب. وهذا بيت القصيد, فإذا كانت الجريمة إرهابية وليست طائفية فإن نتائجها وتداعياتها أخذت شكلا طائفيا يمكن فهمه علي ضوء المناخ العام المتوتر خصوصا وأنه سبقها بأسابيع حادثة العمرانية. وهو ما يتطلب منا نظرة شاملة لما أسماه تقرير مجلس الشوري والمناقشة الرفيعة التي شهدها المجلس يوم الاثنين1/3 بالقضايا العالقة. وتضم هذه القضايا دائرة من الموضوعات التي تشمل مدارس خاصة لا تقبل المسيحيين المصريين فيها, وممارسات ومضمون تعليمي يستحق المراجعة, ومقالات وعناوين في صحف وقنوات فضائية تبث روح الفتنة إلي غير ذلك من أمور تم شرحها أكثر من مرة. واعتقادي اننا لا نحتاج إلي مزيد من البحث أو الدراسة, فالموضوعات معروفة ومحددة منذ صدور تقرير اللجنة التي رأسها د.جمال العطيفي عام1972 بعد أحداث الزاوية الحمراء والحلول أيضا معروفة ومتداولة. المطلوب هو حسم هذه الأمور واتخاذ القرار بشأنها. ونحن لا نحتاج إلي قوانين جديدة بشأن أغلب هذه الموضوعات. فالممارسات التي يقوم بها بعض الأفراد والجماعات تمثل خروجا مباشرا وانتهاكا صريحا لقانون العقوبات. كما أنها تمثل تحديا لمبدأ المواطنة الذي أكده الدستور في المادة الأولي منه. والمطلوب هو قرارات واجراءات تنفيذية يكون من شأنها تعضيد أركان الدولة المدنية التي تتفق حولها جميع الأحزاب السياسية والقوي المدنية في البلاد. المطلوب ألا نساعد المجرمين علي تحقيق أهدافهم... نفعل ذلك أولا بفهم الجريمة في سياقها الصحيح علي أنها جريمة إرهابية موجهة ضد كل المصريين... ونفعل ذلك ثانيا بسد الثغرة التي يتسللون منها بتفعيل ممارسات المواطنة والدولة المدنية. بهذين الأمرين نفوت علي المجرمين أهدافهم ونهزم الإرهاب.