كالتقليد المعتاد في بداية عام جديد, تتكاثر وتشتد التكهنات والتخمينات, وتهتم وسائل الأعلام الوطنية والعالمية بأرضاء حب إستطلاع قرائها أو مشاهديها, الذين هم عادة في لهفة وشغف لمعرفة أهم أحداث( أو نجوم) العام الجديد, ولكن ليس لدي غالبيتهم الوقت أو الرغبة في الفهم أو التحليل, حتي تزداد المخاطرة في أن يصبح الدارس أو الباحث جزءا من فريق أشبه بالمنجمين. أعجبني تقليد مجلة الإيكونومست البريطانية العريقة. فهي تبدأ نهاية العام وقبل الدخول في نبوءات العام الجديد باستعراض ما تنبأت منذ عام ومدي صحته أو خطئه. سلوك محمود من هذه المؤسسة الإعلامية المحترمة تذكرنا بمحدودية قدراتنا علي التنجيم وتدعونا للتواضع. كغيري من الزملاء أعرض لمثل هذا الفيضان من الأسئلة عشية العام الجديد. وبما أن منطقتنا والحمد لله هي محط أنظار العالم وأزماته, تنضم إلي المطاردة بعض أجهزة الإعلام العالمية. والمطلوب أن تكون إجاباتك قاطعة وبسيطة مثل الطالب في المدرسة حتي ولو كان الموقف نفسه معقدا. فتضطر أن تحسم وتقول: قد تكون هناك حرب إقليمية جديدة ضد حماس أو حزب الله وبالتعاون مع آخرين, نعم ستستمر العقوبات ضد إيران وسيزداد الضغط علي حكومتها من الخارج ولكن أيضا من الداخل, فعلا ستشهد المنطقة مزيدا من الإنتخابات وكذلك الإعتراضات علي نتائجها دون الوصول إلي موقف ساحل العاج, ستزداد المشاكل اليومية في معظم المجتمعات العربية وكذلك الاحتجاجات الشعبية, وسشهد سنة1102 مزيدا من الهوة بين الفقراء والأغنياء, ليس فقط بين الدول مثل السودان وقطر, ولكن في داخل الدول العريية نفسها: من المغرب إلي سوريا إلي مصر, سيزداد فعلا عدد الدول الفاشلة وستحافظ الصومال عضو الجامعة العربية علي مكانتها المتميزة منذ6 أعوام كأكثر الدول فشلا في العالم.... من أجل بعث الأمل, طرحت علي بعض زملائي مسابقة: العثور علي بعض إمتدادات أحداث0102 إلي1102 من النوع السار وفي غير مجالات الاكتشافات العلمية أو الانجازات الفنية. جاءني البعض بأحداث ثانوية مثل بناء طرق جديدة أو تعمير الصحاري, ولم يرد علي حتي الآن غالبيتهم. قد يكون من المفيد في مقالة فترة الإنتقال هذه من عام يرحل وآخر يصل أن نركز علي ما قد يؤثر في حياتنا اليومية في1102: مثل إحتمال عودة الأزمة المالية العالمية وتأثيرها علي السياحة أو دخل قناة السويس, أو إستمرار إرتفاع أسعار الغذاء العالمي وتأثيره علي الدعم ورغيف العيش, ولكن إختياري هو ما يحدث حول ويكيليكس وآثار ما يعرف بالميديا الجديدة في العلاقة بين الفرد والحكومة. هناك بالطبع جزء إثارة وحتي فضائحي في هذه التسريبات يذكرنا بالقصص البوليسية, حتي لو كان تأكيدا لبعض الشكوك, ولكن تعرية علاقات واشنطن مع بعض نخب العالم وآرائها فيهم يشبه كمال قال رئيس الوزراء الإيطالي تكرار مهانة سبتمبر1002 ضد نيويوركوواشنطن ولكن من نوع آخر. كما ان شخصية الأسترالي أسانج ذي أل93 عاما هي جزء من الإثارة نفسها. وحتي لو تم سجنه أو تحييد الباقي من مئات الآلاف من الوثائق في حوزته, فلن تعود الساعة إلي الوراء فيما يتعلق بصورة الحاكمين وعلاقتهم بمجتمعاتهم المدنية في الدول المختلفة, بما فيها منطقتنا. وفي هذا الصدد يقدر أن عدد الوثائق عن العراق تأتي في المقدمة بنحو7766 وثيقة, وإسرائيل1145( نشر منها22 فقط), أما مصر فتحظي بحوالي2572 وثيقة. هذه تقديرات فقط ولا شك سيزيد عددها في المستقبل. نحن إذن في بداية الطريق, ولكن الآثار ستمتد بالتأكيد إلي1102 وحتي فيما بعده, ويمكن بالفعل في هذه اللحظة استخلاص بعض النتائج التالية: 1 استمرار تدهور مصداقية السياسة الأمريكية ليس فقط في منطقتنا ولكن عالميا, وخاصة عندما تتزايد المعلومات عن الخلط بين الدبلوماسية والجاسوسية, فيقال مثلا أن بعض مستشاري وزيرة الخارجية الأمريكية كانوا يطلبون معلومات عن الحامض النووي لبعض أعضاء النخبة الحاكمة في دول العام الثالث, بما فيها المنطقة العربية. 2 عدم قدرة أقوي الحكومات علي المحافظة علي سرية العلاقات الدولية, ويتعدي ذلك بكثير قواعد بعض الدول للكشف عن بعض وثائقها بعد52 عاما كما هو حال بريطانيا أو03 عاما كما هو حال الولاياتالمتحدة أصبح كشف هذه الوثائق الآن فوريا, وليس من اختيار حكومة هنا أو هناك, بل من إختيار أفراد. 3 أصبح عالم الفضاء الإلكتروني حقيقيا بعد أن كان إفتراضيا, بمعني أنه أصبح من مؤثرات السلوك لدي الدول, ويجب أخذه في الحسبان في تخطيط قرارات السياسية الخارجية وحتي الداخلية. 4 ستزداد عمليات القرصنة والتلصص الإلكتروني, وقد يكون من الصعب دمغها بالجريمة في حالة التعاطف المنتشرة حول ويكيليكس وحتي شخصية أسانج نفسه والمثيرة للجدل, وبدأ البعض فعلا يعتبر مثل هذه القرصنة الإلكترونية جزءا من ثورة الشباب ضد سياسات الحكومات في المحافظة علي الوضع القائم, وسيكون التعاطف أكثر وأكثر مع التلصص الإلكتروني عندما نكتشف المزيد عن السلوك المافياوي لبعض أعضاء النخبة الحاكمة. فمثلا يقال إن كثيرا من الأموال الأمريكية لم تصل بالمرة إلي مستحقيها في أفغانستان, و أحد كبار معاوني كرزاي غادر مطار كابول وفي حوزته75 مليون دولار. 5 سيثار النقاش بلا شك من جانب الإعلاميين عما إذا كانت هذه الوسيلة من الميديا الجديدة جزءا من الإعلام فعلا؟ وما مدي مصداقيته؟ ماذا أفعل مثلا إذا إعتمد طالب دكتوراه في كتابة رسالته علي بعض هذه الوثائق في البرهنة علي أطروحاته؟ كيف أتأكد من أن معايير الإختيار من جانب هذا الطالب أم من أسانج نفسه ورفاقه موضوعية فعلا ولم يتم العبث بها عن طريق حذف بعضها مثلا الكلام المكرر عن عدم التعرض للسياسة الإسرائيلية حتي الآن. ألم أقل أن العالم الإلكتروني تحول من عالم إفتراضي إلي عالم حقيقي يؤثر علي أحوالنا في عام1102 وحتي فيما بعده.