هل يتحمل المجتمع مسئولية تحول شاب مصري إلي جاسوس يخون وطنه وأمته؟ بمعني آخر لماذا يفرز أي مجتمع جواسيس؟ هل التنشئة هي السبب؟ أم المناخ العام المحيط؟ بالتأكيد هناك عوامل أساسية وأخري ثانوية؟ البيت والأسرة, المدرسة, المناهج, الإعلام, القدوة, القيم, الفساد, كل هذه الجوانب مسئولة بشكل أو بآخر عن سقوط شخص ما في هذا المستنقع. خبراء علم الاجتماع لديهم تفسير وردود علي هذه الاسئلة. تري الدكتورة هدي زكريا( استاذ علم الاجتماع السياسي بكلية الآداب جامعة الزقازيق) أنه لايمكن القاء المسئولية علي المجتمع واتهامه باخراج جاسوس لأن فكرة الجاسوسية موجودة علي مدي التاريخ وفي كل المجتمعات وليس في المجتمع المصري وحده, فإسرائيل بها جواسيس وبالتالي نظلم المجتمع لو قلنا أنه يفرز جواسيس, فهناك ملايين الوطنيين يعيشون فيه, لكن تحول فرد الي جاسوس يعني أنه ضعيف أخلاقيا وليس لديه انتماء. ثم إنه منذ توقيع اتفاقية السلام وحتي الآن سيطرت فكرة التطبيع علي البعض بل وتم تفعيلها من خلال السياسيين ورجال الأعمال الذين يتعاونون مع إسرائيل ربما هذا مايغري البعض بالفكرة, والأكثر من ذلك أن تستعين وزارة الزراعة بخبراء من إسرائيل وهناك خبراء كثيرون يعملون في مزارع رجال أعمال مصريين أليس هذا المناخ يتربي فيه شبابنا. أين القدوة التي نتكلم عنها والعالم الذي أصبح قرية صغيرة وإسرائيل الجاره إذن شبابنا الضعفاء يقلدون القدوة الكبار, الذين يبحث بعضهم عن مصالحه علي حساب مصالح الوطن ومع ذلك هناك آلاف الشرفاء وقلة منحطة لا أخلاقية. إذن لايجب أن يدفع المجتمع فاتورة الذي سقط بأيدي من ربوه علي القدوة غير الحسنة أو مناخ مريض, شبابنا تربي علي عدم الانتماء في هذه الظروف المحيطة, خاصة أن هناك تلاعبا في المناهج الدراسية وهناك تشويه لبعض الحقائق مع أن اسرائيل لم يتغير أي شيء عندها ومازالت تتعامل كما كانت قبل التطبيع.. يجب علينا أن نتذكر صمود ونبل وشهامة شباب هذا الوطن ويزداد احترامنا لهم لأن شبابنا المطحون لديه من الاخلاق مالا يملكه غيره. لابد أن نحاسب أنفسنا كما نحاسب الجاسوس لأننا لانهتم بفكرة الانتماء بل نقوم بتحريف الشخصية الوطنية للمواطن من خلال المناهج والاعلام والفضائيات وغيرها. أتمني ان نستيقظ قبل فوات الأوان لأن النماذج الوطنية للانتماء أصبح الاعلام يتجاهلها ولا يركز عليها ويركز علي نماذج أخري ليسوا من المكافحين.. باختصار أري أن الشعب المصري يتسم بالعبقرية ويحتاج أن يستقوي بالقوة الدافعة وليس القوة الهدامة.. أن نربي فيه الانتماء والوطنية كجهاز مناعة, يحتاج لجرعة نشطة من جديد لهذا الإحساس بالوطنية لكي يعود المناخ العام كما كان قبل سنوات علي مستوي المجتمع والأفراد. وتختلف الدكتورة إيمان الشريف استاذ علم النفس الجنائي بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية مع وجهة النظر السابقة فتقول: بالطبع المجتمع مسئول عن إفراز جاسوس وهناك دوافع اجتماعية ونفسية بصرف النظر عن البعد الاقتصادي والنواحي المادية, فهناك الكثير من الفقراء لايخونون, ولايسرقون ولايتجسسون ولايبيعون ضمائرهم. الدافع الاجتماعي والنفسي في المقام الأول هو المسئول عن تحول الفرد الي جاسوس أو مجرم أو منحرف, لأن هذا الشخص مليء بالعديد من الشحنات العدوانية تجاه مصدر نشأته أي أسرته والمجتمع ككل, يريد أن ينتقم منهم ودوافع الكراهية داخله تدفعه للجاسوسية. وإذا أمعنا النظر في فكرة الجاسوس فسنجد أنه شخص عاني اجتماعيا داخل نطاق أسرته, وقد تكون العلاقات داخل الأسرة تفرز دوافع لا شعوريه لاتدري الأسرة عنها شيئا تكون مسئولة عن سلوك هذا الابن وطريقة التربية والتنشئة تؤدي بالإبن الي سلوكيات مجرمة ومنحرفة. خلاصة القول انه أثناء مراحل التنشئة ومن خلال وجوده داخل بيئة معينة وبنسبة تقترب من90% أفرزت هذه البيئة المحيطة شخصية تخون الوطن. هذا جرس إنذار لكل الأسر أو أغلبها لابد من الحرص علي الخصوصية, لأن عدم وجود الخصوصية يعني أن كل شيء مباح ويدفع ذلك الفرد الي عدم تعلم المحافظة علي البناء الأسري الذي هو في النهاية عدم الحفاظ علي الوطن وأمنه, فالتفكك موجود ليس بشكله الفيزيقي بل في افتقاد المشاعر والحب والعطاء والانتماء فكيف من تربي في ذلك المناخ ويفتقد هذه المشاعر وتقدير الذات أليس فاقد الشيء لا يعطيه, وقد يحاول أن يعوض ذلك خارج أسرته ويلفت الانظار مع مايترسب داخله من رغبة في الانتقام ويتحول الي انسان خائن. أيضا المجتمع كله عليه دور في غرس القيم بالأفعال وليس بالأقوال.