بعد رفض "الوطنية للانتخابات" اعتذار "الدالي" عن خوض جولة الإعادة.. خبير: قرار الهيئة سليم دستوريًا    مصر تستعد لإطلاق السجل البيئي الصناعي خلال ديسمبر المقبل    ارتفاع حصيلة قتلى الفيضانات في فيتنام إلى 90 شخصًا    لفصل بعضهم.. زامير يستدعي ضباطا كانوا على رأس عملهم ب7 أكتوبر    رئيس لبنان عن العدوان على ضاحية بيروت: إسرائيل ترفض مبادرات وضع حد للتصعيد    تشكيل المصري لمباراة كايزر شيفز في الكونفدرالية    مدرب يوفنتوس يهاجم لاعيبه عقب التعادل امام فيورنتينا    تشكيل إنتر ميلان ضد ميلان المتوقع في قمة الدوري الإيطالي    تفاصيل إصابة 23 عاملًا في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالطريق الصحراوي بالمنيا    بأمر النائب العام.. متابعة حالة الطفلة حور ضحية التنمر    التحويل إختياري ونظام سداد ميسر..كيف تحصل على المركبة الجديدة بديل التوك توك في الجيزة    مفتي الجمهورية: تاريخ دار الإفتاء يزيد على قرن وربع القرن من العطاء    شيرين عبدالوهاب تحرر محضر ضد شقيقها.. لهذا السبب    ب80 لوحة فنية.. ثقافة جنوب سيناء تفتتح معرض الفنون التشكيلية    وزير الصحة يبحث مع «جنرال إلكتريك» توطين صناعة الأجهزة الطبية    "القاهرة الإخبارية": الغارة الإسرائيلية ببيروت أسفرت عن عدد كبير من الضحايا شهداء ومصابين    إنشاء محطة لتموين قاطرات قناة السويس بالغاز الطبيعي المسال    مركز المناخ بالزراعة يحذر من أمطار تصل لحد السيول يومي الأحد والاثنين    تأجيل محاكمة 80 متهم ب " خلية الأسر التربوية " التابعة لجماعة الأخوان الإرهابيية    البابا تواضروس: نعمل معًا من أجل تمجيد اسم المسيح.. والكنيسة تختتم احتفالات 17 قرنًا على مجمع نيقية    الإفتاء تكرم المفتين السابقين وأسر الراحلين في احتفالها بمرور 130 عامًا على إنشائها    رئيس جامعة أسيوط يهنئ طلاب ذوي الهمم لحصولهم على 22 ميدالية    سعر الذهب اليوم الأحد 23 نوفمبر 2025.. عيار 24 بدون مصنعية يسجل 6211 جنيها    وكيل صحة سوهاج يكلّف لجنة مشتركة من الطب العلاجي بالمرور على مستشفى طما    أغنية إيطالية عن "توت عنخ آمون" تشعل المنصات وتعيد وهج الحضارة المصرية للعالم    الفنانة التونسية عفاف بن محمود تحتفي بجائزة أحسن ممثلة بمهرجان القاهرة.. ماذا قالت؟    الشروط والمستندات.. وظائف مشروع الضبعة النووي برواتب تصل ل45 ألف جنيه    تعرف على غيابات الزمالك في مواجهة زيسكو الزامبي بالكونفدرالية الليلة    وزارة الصحة: لقاح الأنفلونزا هام لكبار السن لحمايتهم من العدوى    قصف إسرائيلي يستهدف سيارة في عيتا الشعب جنوبي لبنان    تحصين 94,406 رأس ماشية عبر 1,288 فرقة بيطرية خلال 4 أسابيع بأسيوط    تزايد القلق داخل ليفربول بعد السقوط أمام نوتنجهام فورست بثلاثية نظيفة    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    مواعيد الاجازات.. بالرابط تفاصيل التقييمات الأسبوعية للمرحلة الابتدائية لتعزيز مهارة الطلاب    وزير الخارجية يبحث مع رئيس وزراء قطر تطورات الأوضاع في قطاع غزة    ازدحام غير مسبوق للشاحنات الإنسانية عند معبر رفح وسط استمرار الأزمة بغزة    ترامب يستعرض قوته وتايلور جرين تظهر ضعفه.. خلاف يفجر أزمة فى الحزب الجمهورى    محافظ الشرقية: المرأة شريك أساسي في بناء الوطن وحماية المجتمع    جامعة بني سويف ال 8 محليا و 130 عالميا في تصنيف تايمز للعلوم البينية 2025    «التموين» تنتهي من صرف مقررات نوفمبر بنسبة 94%    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    نصر: قيمة رعاية الزمالك لا تصل للربع بالنسبة للأهلي    مقتل سائق توك توك على يد عاطل بشبرا الخيمة.. تدخل وفض مشاجرة بين شقيقه والمتهم    سعر كيلو الفراخ بالقليوبية الأحد 23/ 11 /2025.. البيضاء ب60 جنيها    مصطفى كامل: محدش عالج الموسيقيين من جيبه والنقابة كانت منهوبة    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    مركز المناخ يتوقع تقلبات جوية قوية يومى الإثنين والثلاثاء.. وسيول محتملة    «سويلم» يتابع منظومة الري والصرف بالفيوم.. ويوجه بإعداد خطة صيانة    أنواع الطعون على انتخابات النواب.. أستاذ قانون يوضح    وزارة الصحة: معظم حالات البرد والأنفلونزا ناتجة عن عدوى فيروسية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساحل العاج‏..‏ الحرب الأهلية وصراعات القوي الدولية
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 12 - 2010

تختزل الصراعات علي المقعد الرئاسي في ساحل العاج‏(‏ الكوت ديفوار‏)‏ الجارية حاليا المفردات التقليدية للمشهد الافريقي العام‏. الذي تلعب فيه التقاطعات القبلية والعرقية‏,‏ إضافة إلي الانقسامات الدينية محددات حاكمة للتفاعلات السياسية بشكل عام‏.‏ تبدو عملية التطور الديمقراطي بهذه المدخلات المتقاطعة ذات تكلفة عالية تصل إلي حالة الصراع المسلح وربما الحرب الأهلية‏,‏ خصوصا أن عملية التنافس الانتخابي لاتقوم علي أساس البرامج السياسية للمرشح ولكنها تستدعي الولاءات الأولية لتلعب الدور الأساسي في الانحياز لمرشح دون غيره‏.‏ وفي هذا السياق يمكن قراءة الموقف المأزوم في ساحل العاج‏,‏ بكونه مهددا باندلاع حرب أهلية مثيلة لتلك التي عانت منها البلاد في العام‏2000‏ وذلك تأسيسا علي الصراعات المرتبطة بعمليات الترشح علي المقعد الرئاسي‏.‏ حيث حرم االحسن وتاراب من الترشح علي المقعد الرئاسي علي خلفيات مرتبطة بانتمائه الإسلامي في العام‏1995‏ بمزاعم التشكيك في جنسيته حيث ينحدر من أم تنتمي الي بوركينا فاسو‏.‏
وقد أسفر هذا التطور عن تفاقم للصراعات من جهة وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية العاجية علي أسس عرقية وذلك في أعقاب وفاة الرئيس المؤسس لدولة الاستقلال الوطني في ساحل العاج افيليكس هوفييه بونيييهب‏(0691‏ 3991).‏
وطبقا للدستور العاجي تولي رئيس البرلمان اهنري كونان بيديهب الرئاسة لمدة عامين‏,‏ وانتخب رئيسا عام‏1995‏ في الانتخابات التي منع فيها االحسن وتاراب من حق الترشح‏.‏ علي أن استبعاد اوتاراب للمرة الثانية في الانتخابات الرئاسية في العام‏2000,‏ والتي تم التنافس فيها بين اروبير جيب و الوران جاجبوب أسهمت في تعقيد المشهد السياسي ودخول ساحل العاج في سلسلة من الإضطرابات خلال العقد المنصرم‏.‏
في انتخابات عام‏2000‏ فاز اروبير جيب علي اجاجبوب الرئيس المنتهية ولايته حاليا بفارق‏10%‏ من الأصوات‏,‏ ولكن الأخير لم يعترف بهذه النتائج في خطوة مماثلة لموقفه الراهن من اوتاراب‏,‏ ودعا أنصاره من عرقية االبتيب والتي تقدر ب‏18%‏ من السكان للنزول في تظاهرات لمساندته‏.‏
ولكن انتخابات محلية اكتسح فيها االحسن وتاراب الممنوع من الترشح للمقعد الرئاسي كانت كفيلة بأن يسعي إلي انتزاع السلطة التي تأهل لها بفوز ه في المحليات‏,‏ وقد أنتجت هذه التطورات حربا أهلية في‏19‏ سبتمبر‏2002,‏ بدأت بتصفية وزير الداخلية القوي اإيميل بوجا دودوب والشخص الثاني في الحزب الحاكم اأميل بوكاب‏,‏ وانتهت بتمرد انطلق في منطقة الشمال وفي مدينة ابواكيهب تحديدا‏.‏ هذا التمرد وإن شارك في قيادته مسيحيون إلا أن الشمال المسلم كان وراءه في إطار الإستقطاب الديني والعرقي الذي تشهده ساحل العاج منذ طرحت مشكلة جنسية االحسن وتاراب زعيم تجمع الجمهوريين‏.‏
منذ هذا التاريخ إنقسمت السلطة في ساحل العاج فعليا إلي قسمين‏,‏ شمال مسلم ومهمش تنمويا يقطنه الفلاحون من مزارعي الكاكاو‏,‏ الذي يمثل أحد أهم مصادر الدخل القومي تحت سيطرة االحسن وتاراب وتجمع الجمهوريين‏,‏ وجنوب وغرب مسيحي تقطنه النخب السياسية والأقتصادية المسيحية والمهيمنه علي عمليات صناعة القرار بقيادة الوران جاجبوب والجيش العاجي الذي تمت إعادة هيكلته علي أسس عرقية لتكون قياداته ومفاصله المؤثرة منتمية الي عرقية الرئيس اجاجبوب‏.‏
وقد جرت الانتخابات في إكتوبر الماضي في محاولة لتوحيد البلاد وتدشين شرعية سياسية جديدة مؤسسة علي إنتخابات نزيهة‏,‏ وقد فاز االحسن وتاراب في الجولة الثانية من هذه الانتخابات بأغلبية‏54%‏ وأعترف المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة والأتحاد الإفريقي بهذه النتيجة‏,‏ ولكن الرئيس المنتخب محاصر حاليا في فندق السلام بأبيدجان‏,‏ ومحروس من قوات الأمم المتحدة بعد أن أعلن الجيش حالة الطوارئ وإغلاق حدود البلاد‏.‏
وطبقا لهذا المشهد يتحكم في تفاعلات الأزمة العاجية الراهنة أربعة فاعلون أساسيون‏:‏ الأول الجيش العاجي الذي يستند إليه الرئيس المنتهية ولايته‏,‏ ومن هنا تحاول واشنطن حاليا اختراقه في محاولة لتحويل ولاءاته‏.‏ كما تدعو واشنطن علنا مع الاتحاد الأروبي الجيش لأعلان العصيان علي جاجبو وهو مايرصده الرئيس اجاجبوب جيدا ويتحوط له بمحاولة اللعب علي نغمة القومية العاجية ضد التدخلات الأجنبية ودعوته علنا إلي الكف عن تحريض الجيش‏.‏ الفاعل الثاني يتمثل في حزب تجمع الجمهوريين بقيادة االحسن وتاراب وهو كيان سياسي وتنظيمي مسلح يسيطر بالفعل علي جزء من السلطة ومدعوم من قبيلة االجيولاب المسلمة‏,‏ وإن كان الأمين العام للحزب امرأة مسيحية‏,‏ وذلك في رسالة واضحة للغرب بوسطية هذا الحزب‏.‏
اما الفاعل الثالث فهو المجتمع الدولي الذي طالب اجاجبوب بتسليم السلطة الي الرئيس الفائز االحسن وتاراب وأعلن عن إمكانيات تفعيل أسلحة المقاطعة والعقوبات الإقتصادية ضد الرئيس المنتهية ولايته‏.‏ ثم تأتي الولايات المتحدة الأمريكية كفاعل رابع‏,‏ حيث تحتل ساحل العاج التي تقع علي الساحل الإفريقي أهمية كبيرة في ضوء الأهتمام الذي توليه واشنطن لدول غرب أفريقيا الواعدة بانفط‏,‏ حيث سبق أن قامت واشنطن في هذا السياق بإرسال بعض العناصر المسلحة الي غانا المكتشف فيها النفط أخيرا إبان الحرب الأهلية العاجية عام‏.2004‏
وتذهب بعض التقديرات الي دعم واشنطن للحسن وتارا الذي يقود صراعا لتمثيل المسلمين في السلطة والحصول علي جزء من كعكة الثروة‏,‏ يعود إلي أنه من المتوقع في حالة صعوده للرئاسه أن يؤدي ذلك إلي التقليل من النفوذ الفرنسي وخسارته لموارد هائلة يحصل عليها من ساحل العاج منها الكاكاو الذي ينتج منه‏40%‏ من حجم الأنتاج العالمي إضافة للذهب‏.‏ وذلك في ضوء التحالف بين النخب العاجية والنخب المالية الفرنسية واللبنانية الموجودة في ساحل العاج‏,‏ وهو التحالف المتهم بتهميش منتجي الكاكاو المسلمين‏.‏
وبطبيعة الحال لايمكن إهمال دور الاحتقان التاريخي الناتج عن حملات التبشير التي قادتها فرنسا في مستعمرتها السابقة ودعمها للنخب السياسية في سياسات التنصير ضد الإسلام الذي دخل ساحل العاج عام‏1025‏ وتكونت فيه إمارة إسلامية واسعة في القرن ال‏18‏ بزعامة ساموري توري‏(5381‏ 0091)‏ وهو الذي حارب الفرنسيين لمدة‏17‏ عاما ولقب بنابليون الإفريقي‏.‏
التفاعلات الراهنة بين هؤلاء اللاعبين مفتوحة علي سيناريوهين متوقعين في ساحل العاج الأول‏:‏ إندلاع الحرب الأهلية مجددا والثاني‏:‏ النجاح في تحويل ولاء الجيش العاجي عن الرئيس المنتهية ولايته‏,‏ وتأسيس محاولة جدية للتطور الديمقراطي مثيله للمحاولة الغينية التي أستغرقت نحو عامين‏.‏
وأخيرا تبقي الدلالات الناتجة عن الأزمتين العاجية والغينية في غرب إفريقيا وهي التي تشير الي خطورة تأثير التركيب العرقي في الجيوش الإفريقية علي حالة الاستقرار في الدولة وإمكانيات نجاح تجربة التحول الديمقراطي فيها‏.‏
وعلي ذلك يكون من الأهمية بمكان أن يتبني الاتحاد الافريقي مبادرات بشأن عمليات اصلاح الجيوش الإفريقية بما يعني دعم العقيدة القتالية علي أسس وطنية وضمان تنوع التمثيل العرقي بنسب ممثلة للواقع علي الأرض‏,‏ واجراء إصلاحات دستورية معنية بتحييد الجيش في حالة الصراعات السياسية‏,‏ وقد يكون الاتحاد الإفريقي في حاجة الي دعم المجتمع الدولي في هذا الأمر الذي يبدو ضروريا لتحجيم فرص الانقلابات المسلحة والحروب الأهلية في افريقيا‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.