تختزل الصراعات علي المقعد الرئاسي في ساحل العاج( الكوت ديفوار) الجارية حاليا المفردات التقليدية للمشهد الافريقي العام. الذي تلعب فيه التقاطعات القبلية والعرقية, إضافة إلي الانقسامات الدينية محددات حاكمة للتفاعلات السياسية بشكل عام. تبدو عملية التطور الديمقراطي بهذه المدخلات المتقاطعة ذات تكلفة عالية تصل إلي حالة الصراع المسلح وربما الحرب الأهلية, خصوصا أن عملية التنافس الانتخابي لاتقوم علي أساس البرامج السياسية للمرشح ولكنها تستدعي الولاءات الأولية لتلعب الدور الأساسي في الانحياز لمرشح دون غيره. وفي هذا السياق يمكن قراءة الموقف المأزوم في ساحل العاج, بكونه مهددا باندلاع حرب أهلية مثيلة لتلك التي عانت منها البلاد في العام2000 وذلك تأسيسا علي الصراعات المرتبطة بعمليات الترشح علي المقعد الرئاسي. حيث حرم االحسن وتاراب من الترشح علي المقعد الرئاسي علي خلفيات مرتبطة بانتمائه الإسلامي في العام1995 بمزاعم التشكيك في جنسيته حيث ينحدر من أم تنتمي الي بوركينا فاسو. وقد أسفر هذا التطور عن تفاقم للصراعات من جهة وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية العاجية علي أسس عرقية وذلك في أعقاب وفاة الرئيس المؤسس لدولة الاستقلال الوطني في ساحل العاج افيليكس هوفييه بونيييهب(0691 3991). وطبقا للدستور العاجي تولي رئيس البرلمان اهنري كونان بيديهب الرئاسة لمدة عامين, وانتخب رئيسا عام1995 في الانتخابات التي منع فيها االحسن وتاراب من حق الترشح. علي أن استبعاد اوتاراب للمرة الثانية في الانتخابات الرئاسية في العام2000, والتي تم التنافس فيها بين اروبير جيب و الوران جاجبوب أسهمت في تعقيد المشهد السياسي ودخول ساحل العاج في سلسلة من الإضطرابات خلال العقد المنصرم. في انتخابات عام2000 فاز اروبير جيب علي اجاجبوب الرئيس المنتهية ولايته حاليا بفارق10% من الأصوات, ولكن الأخير لم يعترف بهذه النتائج في خطوة مماثلة لموقفه الراهن من اوتاراب, ودعا أنصاره من عرقية االبتيب والتي تقدر ب18% من السكان للنزول في تظاهرات لمساندته. ولكن انتخابات محلية اكتسح فيها االحسن وتاراب الممنوع من الترشح للمقعد الرئاسي كانت كفيلة بأن يسعي إلي انتزاع السلطة التي تأهل لها بفوز ه في المحليات, وقد أنتجت هذه التطورات حربا أهلية في19 سبتمبر2002, بدأت بتصفية وزير الداخلية القوي اإيميل بوجا دودوب والشخص الثاني في الحزب الحاكم اأميل بوكاب, وانتهت بتمرد انطلق في منطقة الشمال وفي مدينة ابواكيهب تحديدا. هذا التمرد وإن شارك في قيادته مسيحيون إلا أن الشمال المسلم كان وراءه في إطار الإستقطاب الديني والعرقي الذي تشهده ساحل العاج منذ طرحت مشكلة جنسية االحسن وتاراب زعيم تجمع الجمهوريين. منذ هذا التاريخ إنقسمت السلطة في ساحل العاج فعليا إلي قسمين, شمال مسلم ومهمش تنمويا يقطنه الفلاحون من مزارعي الكاكاو, الذي يمثل أحد أهم مصادر الدخل القومي تحت سيطرة االحسن وتاراب وتجمع الجمهوريين, وجنوب وغرب مسيحي تقطنه النخب السياسية والأقتصادية المسيحية والمهيمنه علي عمليات صناعة القرار بقيادة الوران جاجبوب والجيش العاجي الذي تمت إعادة هيكلته علي أسس عرقية لتكون قياداته ومفاصله المؤثرة منتمية الي عرقية الرئيس اجاجبوب. وقد جرت الانتخابات في إكتوبر الماضي في محاولة لتوحيد البلاد وتدشين شرعية سياسية جديدة مؤسسة علي إنتخابات نزيهة, وقد فاز االحسن وتاراب في الجولة الثانية من هذه الانتخابات بأغلبية54% وأعترف المجتمع الدولي ممثلا في الأممالمتحدة والأتحاد الإفريقي بهذه النتيجة, ولكن الرئيس المنتخب محاصر حاليا في فندق السلام بأبيدجان, ومحروس من قوات الأممالمتحدة بعد أن أعلن الجيش حالة الطوارئ وإغلاق حدود البلاد. وطبقا لهذا المشهد يتحكم في تفاعلات الأزمة العاجية الراهنة أربعة فاعلون أساسيون: الأول الجيش العاجي الذي يستند إليه الرئيس المنتهية ولايته, ومن هنا تحاول واشنطن حاليا اختراقه في محاولة لتحويل ولاءاته. كما تدعو واشنطن علنا مع الاتحاد الأروبي الجيش لأعلان العصيان علي جاجبو وهو مايرصده الرئيس اجاجبوب جيدا ويتحوط له بمحاولة اللعب علي نغمة القومية العاجية ضد التدخلات الأجنبية ودعوته علنا إلي الكف عن تحريض الجيش. الفاعل الثاني يتمثل في حزب تجمع الجمهوريين بقيادة االحسن وتاراب وهو كيان سياسي وتنظيمي مسلح يسيطر بالفعل علي جزء من السلطة ومدعوم من قبيلة االجيولاب المسلمة, وإن كان الأمين العام للحزب امرأة مسيحية, وذلك في رسالة واضحة للغرب بوسطية هذا الحزب. اما الفاعل الثالث فهو المجتمع الدولي الذي طالب اجاجبوب بتسليم السلطة الي الرئيس الفائز االحسن وتاراب وأعلن عن إمكانيات تفعيل أسلحة المقاطعة والعقوبات الإقتصادية ضد الرئيس المنتهية ولايته. ثم تأتي الولاياتالمتحدةالأمريكية كفاعل رابع, حيث تحتل ساحل العاج التي تقع علي الساحل الإفريقي أهمية كبيرة في ضوء الأهتمام الذي توليه واشنطن لدول غرب أفريقيا الواعدة بانفط, حيث سبق أن قامت واشنطن في هذا السياق بإرسال بعض العناصر المسلحة الي غانا المكتشف فيها النفط أخيرا إبان الحرب الأهلية العاجية عام.2004 وتذهب بعض التقديرات الي دعم واشنطن للحسن وتارا الذي يقود صراعا لتمثيل المسلمين في السلطة والحصول علي جزء من كعكة الثروة, يعود إلي أنه من المتوقع في حالة صعوده للرئاسه أن يؤدي ذلك إلي التقليل من النفوذ الفرنسي وخسارته لموارد هائلة يحصل عليها من ساحل العاج منها الكاكاو الذي ينتج منه40% من حجم الأنتاج العالمي إضافة للذهب. وذلك في ضوء التحالف بين النخب العاجية والنخب المالية الفرنسية واللبنانية الموجودة في ساحل العاج, وهو التحالف المتهم بتهميش منتجي الكاكاو المسلمين. وبطبيعة الحال لايمكن إهمال دور الاحتقان التاريخي الناتج عن حملات التبشير التي قادتها فرنسا في مستعمرتها السابقة ودعمها للنخب السياسية في سياسات التنصير ضد الإسلام الذي دخل ساحل العاج عام1025 وتكونت فيه إمارة إسلامية واسعة في القرن ال18 بزعامة ساموري توري(5381 0091) وهو الذي حارب الفرنسيين لمدة17 عاما ولقب بنابليون الإفريقي. التفاعلات الراهنة بين هؤلاء اللاعبين مفتوحة علي سيناريوهين متوقعين في ساحل العاج الأول: إندلاع الحرب الأهلية مجددا والثاني: النجاح في تحويل ولاء الجيش العاجي عن الرئيس المنتهية ولايته, وتأسيس محاولة جدية للتطور الديمقراطي مثيله للمحاولة الغينية التي أستغرقت نحو عامين. وأخيرا تبقي الدلالات الناتجة عن الأزمتين العاجية والغينية في غرب إفريقيا وهي التي تشير الي خطورة تأثير التركيب العرقي في الجيوش الإفريقية علي حالة الاستقرار في الدولة وإمكانيات نجاح تجربة التحول الديمقراطي فيها. وعلي ذلك يكون من الأهمية بمكان أن يتبني الاتحاد الافريقي مبادرات بشأن عمليات اصلاح الجيوش الإفريقية بما يعني دعم العقيدة القتالية علي أسس وطنية وضمان تنوع التمثيل العرقي بنسب ممثلة للواقع علي الأرض, واجراء إصلاحات دستورية معنية بتحييد الجيش في حالة الصراعات السياسية, وقد يكون الاتحاد الإفريقي في حاجة الي دعم المجتمع الدولي في هذا الأمر الذي يبدو ضروريا لتحجيم فرص الانقلابات المسلحة والحروب الأهلية في افريقيا.