مع انطلاق الألفية الثالثة بدأت أفريقيارحلة البحث عن الديمقراطية والحكم الرشيد من خلال اختيارحكومات تعبرعن إرادة الشعوب عبر انتخابات شفافة وحرة وعادلة لتنهض بمستوي حياة الفرد . ويمكن اعتبارالعقد الحالي بشكل عام عقد التغييرعبرالانتخابات في القارة..فقطعت غالبية دول افريقيا شوطا كبيرا نحو الديمقراطية,من خلال حرية العمل لأحزاب المعارضة, ووضع دساتير ديمقراطية تحد من صلاحيات الحاكم و تحدد فترات حكمه الي مدي معلوم لا يمكن تجاوزه, إضافة الي وجود لجان مستقلة للانتخابات, والسماح بالمراقبة المحلية والدولية لعمليات الاقتراع الشفافة. ويمكن تقسيم دول القارة من حيث التطور الديمقراطي والاستقرار السياسي الي دول شهدت تغييرات في نظم الحكم, وتحولا سلميا للسلطة وسقوط الاحزاب التقليدية التي حكمت لفترات طويلة مثل السنغال حيث نجح عبدالله واد في انتخابات الرئاسة في مارس2000 في إنهاء حكم الحزب الاشتراكي الحاكم بتغلبه علي الرئيس عبده ضيوف الذي حكم السنغال منذ.1981 وأيضاغانا عندما فاز مرشح المعارضة جون كوفور بالانتخابات الرئاسية في اول تجربة ديمقراطية لتداول السلطة في البلاد, وفاز بنسبة75% من اصوات الناخبين.وفي نيجيرياعادت الحياة الديمقراطية الي البلاد عام1999 بعد16 عاما من الحكم العسكري, وتولي أولوسيجون أوباسانجو رئاسة البلاد لفترتين متتاليتين حتي عام2007 ثم انتقلت السلطة سلميا في نفس العام الي الرئيس السابق عمر يارادوا الذي توفي في مايو العام الماضي وخلفه نائبه جوناثان جودلاك.الوجه الاخر للديمقراطية وهناك تحول ديمقراطي متعثر في أكثر من دولة مثل كينياحيث انتقلت السلطة فيها سلميا عبر الانتخابات الرئاسية ففي ديسمبرعام2002 فاز ايميليو مواي كيباكي مرشح الحزب الديمقراطي وتحالف' قوس قزح الوطني' أمام مرشح حزب الاتحاد الوطني الافريقي في كينيا' كانو' الذي حكم البلاد لمدة70 عاما, الا ان كيباكي سرعان ما واجه اتهامات بالتزوير في الانتخابات عام2007, مما ادي الي نشوب اضطرابات عرقية وقبلية كبيرة بين انصار كيباكي وانصار زعيم المعارضة اودينجا. وأيضا في كوت ديفوار الدولة ذات الرئيسين التي تعاني من تجربة ديمقراطية صعبة المخاض خلال العقد الماضي بسبب إستبعاد مرشح رئيسي من الانتخابات التي اعقبت الحكم العسكري في عام2000 وهو رئيس الوزراء السابق الحسن عبدالرحمن واتارا, ثم حدوث اضطرابات عرقية بين عامي2002-2004 إنتهت بتشكيل حكومة مصالحة بين الرئيس جباجبو وزعيم المتمردين في شمال البلاد جيوم سورو الذي عين رئيسا للوزراء, ثم تأجيل الانتخابات في البلاد منذ انتهاء الفترة الرئاسية الاولي للرئيس لوران جباجبو عام2005, وأخيرا عندما أجريت الانتخابات الرئاسية في اكتوبر الماضي بعد5 سنوات من موعدها, قام نظامه بالغائها رغم اعلان فوز منافسه الحسن واتارا بنسبة54% وإعتراف العالم به رئيسا للبلاد, ولايزال جباجبو متشبثا بالسلطة مستندا الي قوة الجيش فأصبحت كوت ديفوار,وحتي اشعار اخر,ظاهرة فريدة وعجيبة في افريقيا بكونها دولة ذات رئيسين. دولة أمراء الحرب والقرصنة الصومال دولة مزقتها الحرب الاهلية والصراعات بين زعماء القبائل وامراء الحرب, ويمثل اسوأ نموذج للتوتر في منطقة القرن الافريقي, وأدي غياب السلطة المركزية القوية بسبب الصراعات القبلية وتفتتها إلي ثلاث دويلات هي جمهورية ارض الصومال'صومالي لاند'في الإقليم الشمالي من البلاد, ثم دولة'بونت لاند', أما الجنوب فيحاول اقامة دولة اسلامية ويموج بالتقلبات والمعارك الدموية تارة بين الحكومة و بين ما يسمي ميليشيات المحاكم الاسلامية, وتارة بين الحكومة التي شكلها الزعيم السابق لميليشيات المحاكم الاسلامية شيخ شريف شيخ احمد,و بين معارضيه وهم جماعة الحزب الإسلامي التي يتزعمها الشيخ حسن طاهر أويس, اضافة الي حركة شباب المجاهدين بزعامته ووصل الامر الي تدخل القوات الاثيوبية في ينايرعام2006 لمساعدة الحكومة الصومالية وهو ما افضي بدوره الي ظاهرة خطيرة انتشرت بشدة بداية من عام2008, وهي ظاهرة القرصنة البحرية واختطاف السفن التجارية امام سواحل الصومال وخليج عدن وهو ما اثر بدرجة كبيرة علي الملاحة وحركة التجارة العالمية في تلك المنطقة وعبر قناة السويس. السودان والتهديد باعتقال الرئيس البشيرخلال هذا العقد يقف السودان كنموذج فريد للدولة التي يسيطر عليها التوتر, وعدم الاستقرار وغموض المستقبل, فبعد ان انتهت الحرب الاهلية في البلاد عام2005 بتوقيع اتفاق السلام الشامل في نيفاشا والتي أعطت جنوب السودان الحكم الذاتي والحق في تقرير المصير من خلال استفتاء علي الاستقلال بعد6 سنوات من توقيع الاتفاق, مازال الخلاف علي اشده بخصوص الاستفتاء الذي قد يؤدي خلال ينايرالمقبل الي انفصال جنوب السودان عن شماله, أو الي حرب اهلية جديدة بين الشمال والجنوب, وربما تمزق الجنوب نفسه الي جماعات متناحرة, ناهيك عن ما قد يتبعه من انفصالات اخري خاصة في دارفور.ولم تكد الحرب الاهلية تنتهي حتي تفجرت ازمة اخري في السودان في اقليم دارفور بغرب البلاد, وقالت الاممالمتحدة إن أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم تظهر جلية في تلك المنطقة حيث فر نحو مليون شخص من منازلهم وقتل اكثر من50 ألفا آخرين.وبسبب ازمة دارفور- وفي اول سابقة من نوعها- اصدرت المحكمة الجنائية الدولية في مارس2009, ويوليو2010 مذكرتين دوليتين لاعتقال الرئيس السوداني عمر البشير, بسبب اتهامه بالضلوع في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور ثم أصدرت المحكمة امرا ثانيا باعتقاله في يوليو عام2010, للاعتقاد بأنه مسئول جنائيا عن ثلاث جرائم إبادة جماعية بحق الجماعات العرقية في الإقليم دارفور, ليصبح البشير أول رئيس دولة يصدر ضده أمر اعتقال أثناء وجوده في السلطة. ورغم ذلك هناك ظواهر ايجابية تمثلت في نهاية الحرب الاهلية في سيراليون وأنجولاوبوروندي.واختفاء المجاعات خلال العقد الحالي,وعلي الرغم من مواجهة بعض دول القارة, مثل كينيا والصومال وأثيوبيا و اقليم دارفور, لمشكلة نقص الغذاء خلال العقد الحالي بسبب الصراعات السياسية أو للجفاف في بعض المناطق أو بسبب ارتفاع اسعار السلع الغذائية علي المستوي العالمي الا ان القارة استطاعت الصمود خلال هذه العشرية بشكل كبير ولم تشهد مجاعات مثل تلك التي شهدتها في نهاية الالفية الثانية.وإتبعت بعض دول القارة سياسات وإجراءات حمائية للتغلب علي أزمة نقص الغذاء, حيث فرضت حظرا علي تصدير جميع أنواع السلع الغذائية نتيجة لنقصها في الاسواق العالمية و للإرتفاع الحاد في أسعارها,اضافة الي الغاء الرسوم الجمركية والضرائب عن استيراد السلع الأساسية من الخارج.و قد شهدت ليبيريا عقب انتهاء الحرب الاهلية تولي إيلين جونسون سيرليف عام2006 كأول سيدة ترأس بلدا أفريقيا في التاريخ الحديث, وكانت من قبل تشغل منصب وزير المالية في بلادها, الي ان فازت بالانتخابات الرئاسية عام2005 التي تنافست فيها علي الرئاسة مع لاعب الكرة الشهير جورج وياه.جائزة مو إبراهيم للحكم الرشيدأسس رجل الاعمال السوداني محمد إبراهيم المقيم في بريطانيا والذي يعمل في مجال الاتصالات عام2007 مؤسسة' مو ابراهيم' التي تمنح أكبر جائزة في العالم لتشجيع الديمقراطية و الحكم الرشيد في القارة التي ينتشر فيها الفساد. ويؤهل للجائزة القادة السابقون للدول الأفريقية الذين انتخبوا ديمقراطيا والتزاما بالدستور طوال مدة حكمهم. انقلابات عسكرية للدفاع عن الديمقراطية! فرغم تراجع معدلات الإنقلابات العسكرية في العالم الا ان افريقيا مازالت تعد أكثر القارات تعرضا للإنقلابات العسكرية طبقا لدراسة أجراها معهد الأبحاث الدولية التابع لجامعة هيدلبيرج الألمانية, الا ان الايجابي في هذا الصدد هو ان تطور الجيوش الإفريقية واقترابها من معايير الاحترافية المهنية, ورفض مؤسسات المجتمع الدولي وعلي رأسها الاتحاد الافريقي الاعتراف بأي حكومة تقوم علي الانقلابات من الأسباب التي قلصت عدد تلك الإنقلابات خلال العقدين الأخيرين بصورة كبيرة.وخلال النصف الثاني من هذا العقد وقعت عدة انقلابات عسكرية أطاحت بأنظمة حكم ثلاثة رؤساء أفارقة منتخبة ديمقرا طيا في كل من غينيا بيساو, ومدغشقر, وموريتانيا.فبعد ثلاث محاولات انقلابية بين عامي20042003 شهدت موريتانيا انقلابا ابيض ضد الرئيس معاوية ولد سيدي طايع عام2005- بدعوي انهاء الحكم الديكتاتوري وإستعادة الديمقراطية, وشكل الانقلابيون بزعامة الجنرال أعلي ولد محمد فال حكومة انتقالية اجرت بعد عامين أول انتخابات ديمقراطية سليمة فاز بها الرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله كأول رئيس منتخب في البلاد في مارس2007, وبعد14 شهرا وبسبب خلاف بين الرئيس والبرلمان وإقالة مجموعة من ضباط الجيش, أطاح انقلاب عسكري آخر قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز بالرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبدالله في اغسطس2008 ليحل محله في رئاسة البلاد ويتحول ولد الشيخ عبدالله من رئيس دولة الي إمام مسجد بمسقط رأسه في مدينة' لمدن' في عجيبة اخري من عجائب افريقيا. القبلية وشخصنة السياسة وغياب الدولةمازالت القبلية والاثنية تسيطر علي مجريات الامور في القارة في ظل تراجع دور دولة المؤسسات والقانون وأدت هذه النزعات القبلية والإثنية إلي شخصنة السياسة واختزالها في الفرد الحاكم علي حساب دولة المواطنة والمساواة.وهناك أيضاالعنف القبلي وهو ما ظهر جليا في المواجهات التي تعقب الانتخابات في كينيا بين قبيلتي الكيكويو التي ينتمي اليها الرئيس مواي كيباكي, وقبائل لوو التي ينتمي اليها منافسه زعيم المعارضة راييلا اودينجا في اعقاب الانتخابات الرئاسية عام2007. وفي كوت ديفوار بين مواطني الشمال المسلم و الجنوب المسيحي عقب الانتخابات الرئاسية عام2000, والتي استمرت حتي عام2007, اضافة الي الصراع والعنف القبلي في الصومال و إقليم دارفور في السودان.ويجب ألا نستبعد خلافات دول حوض النيل و بوادرر حرب المياه.عقدالنمو والتعاون مع الدول الصاعدة وعلي الصعيد الاقتصادي نما اقتصاد افريقيا بصورة مطردة في السنوات الاخيرة نتيجة عدد من الاوضاع الداخلية والخارجية المواتية, وقال المحللون أن السلام والاستقرار, وارتفاع اسعار البترول والمواد الخام التي تزخر بها القارة, والسياسات الاقتصادية الجديدة لدولها كانت أهم العوامل التي عززت التنمية في افريقيا.وأكد صندوق النقد الدول, ان اقتصاد القارة سجل معدل نموا بلغ في المتوسط5.3 و5.4% علي التوالي في عام2004 وعام2005 بعد ان كان3.5% بين عامي1995-.2003 كما تتجه القارة نحو الوحدة الاقتصادية بين تجمعاتها الاقليمية وإنشاء اتحادات جمركية بين دولها.بالإضافة إلي تعزيز التعامل مع الشركاء الأكثر تعاونا مع القارة الإفريقية في التمويل مثل الصين والبرازيل والهند وروسيا حيث يمثل التبادل التجاري بين هذه الدول وأفريقيا20% من حجم التجارة الدولية للقارة. قد أدركت دول القارة من تجاربها المريرة علي مدي50 عاما اعقبت الاستقلال أن السلام والاستقرار هما شرطان جوهريان لتجديد القوة والتنمية, لذلك تمثل الديمقراطية والحكم الرشيد أهم التحديات لتحقيق النمو والتقدم في افريقيا في الألفية الجديدة.