في القاعة الرئيسية للفنون التشكيلية بدار الأوبرا المصرية يقام حاليا المعرض الاستيعادي لأعمال الفنان المصري الأرمني هرانت كشيشيان, ويضم63 عملا بنفس عدد سنوات عمر الفنان. الذي اختارها من بين أكثر من600 لوحة لتمثل مختلف مراحله الفنية بما فيها بداياته المبكرة في سنوات الصبا والتي صنفها علي أنها المرحلة( صفر) وتمثلها في المعرض3 لوحات بعناويين( علي شاطئ ميامي بالإسكندرية) والتي رسمها عام1955 و(بورتريه جدي هرانت) الذي رسمه عام1957 والثالثة( الغزال الجريح) في ديسمبر.1958 وقبل أن نستعرض باقي لوحات المعرض نذكر نبذة عن الفنان ونستمدها من الترجمة الذاتية المختصرة التي ذكرها في كتالوج المعرض, فهو يعتبر نفسه محظوظا لأقصي درجة لكونه مولودا بالقاهرة, وكان ذلك في العاشر من إبريل عام1947, فمصر هي حبه الأول وغالبا ستكون حبه الأخير كما يقول وكان والده يمتلك دكانا لتجارة السجائر بالجملة ورثه عن جده وكان منزل الأسرة بالجيزة وكان كثيرا ما يزور مع والده الأهرامات وحديقة الحيوان وضفاف النيل, وهذا هو السبب في أن تصبح الأهرامات من الموتيفات المفضلة التي استخدمها في فنه, كما صور عددا من المناظر الطبيعية نصف التجريدية في مرحلته الإبداعية الثانية(1967 ذ1971) الحيوان. وقد ورث هرانت كشيشيان ولعه بالفن التشكيلي عن والدته التي كانت فنانة تطبيقية هاوية, أما حبه الكبير للموسيقي فقد ورثه عن والده ومن عمته التي كانت تدرس العزف علي البيانو, وكان والده يصحبه معه إلي المعارض والمتاحف وكان التغيير المصيري في حياته في ربيع عام1961 عندما حضر حفلتين أوركستراليتين لآرام خاتشاتوريان أحد أهم المؤلفين الموسيقيين في القرن العشرين والذي كان يزور مصر.. فبعد أن حضر كشيشيان الحفلتين اكتشف أنه ولد لكي يكون فنانا, ومنذ ذلك الوقت صار هاويا جادا للموسيقي والفن. أما دراسته للفن التشكيلي فقد درس بكلية الفنون الجميلة بالزمالك من19711966 بقسم التصوير فاكتسب مهارات فنان محترف بفضل الأستاذ الدكتور ممدوح عمار. وفي صيف عام1969 حقق أكبر أحلامه آنذاك بزيارته لأوروبا لمدة شهرين تغيرت خلالهما حياته جذريا كإنسان وكفنان, وبعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة تم تعيينه مدرسا للفن في مدرسة ابتدائية بإحدي القري القريبة من أسوان لكنه عاد بعد أسبوع واحد فقط بإحباط لكن تفجرت طاقاته الفنية وأدت هذه الواقعة إلي إبداع واحد من أقوي أعماله وهو البورتريه الذاتي بيدين متعامدتين ليبدأ بعده إبداع سلسلة من اللوحات تحت عنوان( ميكروكوزموس) أصبحت منطلقا لكل إنتاجه اللاحق. وفي أوائل عام1974 حدثت نقطة تحول في مسار حياته أدت إلي تغييرها بالكامل وذلك بهجرته إلي أرمينيا السوفيتية وفي هذه المرحلة أبدع العديد من اللوحات وخلال الأعوام الأولي لهجرته اكتشف أنها كانت أكبر غلطة ارتكبها في حياته فلم يفهم أحد فنه أو يدرك قيمته هناك وهو ما فسره الفنان بأنه راجع إلي أن شخصيته وفنه كانا نتاج لمجتمع مختلف تماما, ورغم ذلك فقد استطاع الفنان خلال هجرته التي دامت16 عاما أن يتغلب علي احباطاته وآلامه المريرة وشعوره بالوحدة فنظم حياته ووزع طاقته بين الموسيقي والفن التشكيلي وكانت أعماله أحيانا عبارة عن إسقاطات من الترجمة الذاتية, لكنها كانت عادة إسقاطات لأفكاره ومشاعر إنسانية عالمية. وتمكن الفنان من العودة إلي مصر في أكتوبر1989, وقد ساعده صديقه الفنان عادل الشرقاوي في تنظيم معرضه الفردي الأول عام1990, فكان هذا المعرض فرصة لقبوله عضوا بنقابة الفنانين التشكيليين بالقاهرة وكانت هذه هي المرة الأولي التي يتم الاعتراف فيها بأنه فنان محترف ليحصل علي منزلة اجتماعية لم تمنح له في أرمينيا. كما ساعدته صديقته عنايات وصفي في العودة إلي نشاطاته الموسيقية, ويذكر الفنان أنه وجد التشجيع من المقربين إليه وجميع أعضاء مجلس رئاسة جمعية القاهرة الخيرية الأرمينية العامة, وفي هذه الفترة بدأت المرحلة الإبداعية السادسة في حياته وتمكن من تخطي الجراح النفسية التي حملها معه من أرمينيا, ومنذ عام2007 قرر أن ينجز في المرحلة السابعة والأخيرة من حياته عملين مهمين بجانب أنشطته الإبداعية أولهما, هو إعداد الكتالوج الشامل لأعماله التشكيلية والتي تتجاوز2200 عمل. والثاني, هو الإعداد لنشر أعماله الموسيقية كلها تحت رعاية جمعية القاهرة الخيرية الأرمينية العامة. نعود إلي الأعمال المعروضة في المعرض الاستيعادي بدار أوبرا القاهرة ومنها5 لوحات تمثل المرحلة الأولي للفنان( مرحلة ما قبل الأكاديمية من19661962), بعناوين: الإنقاذ منظر بحر ذ ذ ذ10 تمثل المرحلة الثانية(1967 منتصف1971) وهي ما أطلق عليه الفنان( المرحلة الأكاديمية مشتملة الوحشية19711968) ومنها أعمال بعناوين: بورتريه ذاتي بذقن شارع في القاهرة الإسلامية- بورتريه جدتي المونيه كشيشيان بورتريه فرام نالبنديان الخليج السعيد بورتريه والدة الفنان سيرفارت. والمرحلة الثالثة( منتصف1971 نهاية1973) يطلق عليها الفنان( مرحلة التعبيرية الأولي) وتضم10 لوحات في المعرض منها بورتريه ذاتي مع فتاة اثنان من أولاد الشوارع العطش سعادة رقصة تكوين بالظلال. أما المرحلة الرابعة(19781974) فيسميها الفنان ب( التعبيرية الذاتية أو المرحلة البيضاء), والمرحلة الخامسة( مرحلة الفحم) من1979 ذ1989(1991 ذ1997) الاكريليك.والمرحلة السابعة( منذ أغسطس عام2008 وحتي الآن), والتي عاد فيها إلي الإبداع التصويري بعد توقف دام لأكثر من10 سنوات, وينعكس علي أعمال هذه المرحلة بوجه عام هدوء النفس وراحة البال.