لم اتمكن من حضور ملتقي القاهرة للإبداع الروائي في اليومين الأولين بسبب الأحوال الجوية المتردية, ولكنني كنت علي اتصال دائم مع صديقات وأصدقاء عرب قدموا من عواصم شتي, ثم إنني اتجهت ظهيرة اليوم الثالث الي هناك وجلست في كافتيريا المجلس والتقيت بهم, لم ولك ان تعلم ان هناك صداقات تكونت منذ سنوات طويلة بين كتاب التقوا مرة في ملتقي أو آخر وظلوا لايلتقون إلا اذا تصادف ودعوا معا الي ملتقي في هذه العاصمة أو تلك. وهناك وجوه سوف تلتقيها إينما وليت, سواء كان الملتقي في دمشق أو جنيف أو تونس أو تورينو أو باريس أو القاهرة أو غيرها. وهناك وجوه لن تلتقيها هذه المرة وأخري ستختفي للأبد, وهناك شباب يدلفون دائما الي المشهد, بينما لم يبق من الوجوه القديمة إلا القليل, هو نوع استثنائي من الصداقة التي تجمع بين هؤلاء, لان اللقاء الأول يتم عادة بعدما يكون كل واحد تعرف علي شيء من عمل الآخر واقترب مما يشغله انسانيا وفنيا. المهم اننا جلسنا بباحة الكافتيريا الخارجية تتسع القعدة وتضيق حسب الظروف وكنا تحدثنا عن رواية صدرت في بيروت وراح كل يبدي رأيه فيها. كان مدهشا ان نمضي وقتا تجمعنا تجربة فنية واحدة, وبدا لي ان ذلك هو سحر القراءة وجدواها, لانك كقارئ عندما تقرأ رواية مثلا قرأها معك عدة آلاف من القراء علي امتداد العالم الواسع سواء في لغتها أو مترجمة, فان ذلك يعني اننا عشنا شركاء تجربة جمالية وانسانية واحدة, الامر الذي يعمق وحدة مشاعرنا نحن الناس علي اختلاف مشاربنا وثقافتنا, ولاشك ان قراء دستويفسكي مثلا او فلان الفلاني هم أقرباء علي نحو أو آخر, يحضرني الآن ان المشروع القومي للترجمة كان اصدر كتابا وضعه باسكال كازانوفا في عنوان جمهورية الأدب عالج فيه مثل هذه المسألة, وكم تمنيت لو انني اقتطفت لك بعضا مما قاله هذا الخواجة ولكن الكتاب ليست تحت يدي بل هناك في الكراتين المركونة وان كنت اذكر انه تحدث عن هؤلاء القراء الذين جمعت شملهم الاعمال الادبية والفنية باعتبارهم اعضاء في جمهورية الأدب تلك, وهو مجتمع غير مرئي ولكنه يمثل روح العالم ويتمتع بقدرة هائلة تسمح له بتوجيهه وامتلاك المستقبل فيه. ربما قال ايضا إن مجتمع المثقفين العالميين هذا يشكل وحدة رغم كل الحدود, لانهم مستقلون ومناهضون لكل التقسيمات السياسية واللغوية, وهم من يصنعون المشهد الادبي الكبير ومعاييره العالمية المقدسة. ولعل اهم ما تتيحه مثل هذه المؤتمرات علي اختلافها يتمثل في اللقاءات التي تتم خارج قاعاته, في المقاهي والبيوت والفنادق والسهر ليلا والكلام الحميم الذي لاينتهي, بينما الكل يعلم انه سرعان ما ينتهي الوقت, ويغادر كل الي بلده. في مساء نفس اليوم دعانا معالي السفير اللبناني خالد زيادة, وهو كاتب ومفكر وطني مرموق, جريا علي عادته في الترحيب بأبناء وطنه من الكتاب, حيث قضينا سهرة جميلة في بيته بحضور السيدة قرينته والشاعر عباس بيضون ومعهم الروائيون ايمان حميدان وحسن داود ورشيد الضعيف من لبنان وربيعة ريحان ومحمد برادة من المغرب واحلام وسعيد الكفراوي من مصر, وامتد السمر حتي انتهينا منتصف الليل, حيث توجهت انا الي الجريون للقاء اصدقاء آخرين. وعند الرابعة صباحا وبينما اجلس الي جوار صديقي المخرج مجدي احمد علي وهو يحملني بعربته الي المقطم, رحت أفكر في ذلك العارض الذي فت في عضدي وأورثني الكثير من الهم والوجل, حيث وجدتني في عز النهار أرحب بليانة قائلا: اهلا يا نجوي وأرحب بعلوية باعتبارها هدي, وهدي باعتبارها إيمان ولم انتبه لصحة الاسماء الا متأخرا. ولم يكن هذا يعني بالنسبة لي سوي انني وقد تقدم بي العمر اختلطت السيدات الجميلات وتداخلن في خاطري. هكذا جلست أترحم علي زمن كنت أفرق فيه تماما بين الصديقة والأخري ولا أخلط بينهما أبدا. ولا يبقي لنا من عزاء سوي ان قارئ الكتب في هذا العالم, ليس وحده.