بعد مضي ما يقرب من عام علي ضبط إسرائيل متلبسة بجريمة اغتيال القيادي الفلسطيني محمود المبحوح في دبي لم نشهد بعد فورة الغضب الأولي التي أعقبت الجريمة أي اهتمام دولي بالجريمة رغم توافر الأدلة التي تبيح حق الإحالة للمحاكم الجنائية الدولية وذلك أمر لا يمكن تفسيره سوي أنه إقرار بحق إسرائيل في الملاحقة والتصفية الجسدية لكل من تعتبرهم الدولة العبرية خصوما لها من خلال ثقافة إسرائيلية جري تدعيمها تشريعيا في الكنيست بالحق في ملاحقة من تشاء وفي أي زمان ومكان. وبغير حاجة إلي العودة للتقليب في الدفاتر القديمة وحصر عمليات الإرهاب التي مارستها المنظمات الصهيونية قبل قيام الدولة العبرية عام1948 تجنبا للتبريرات القائلة بأن هذه كانت تنظيمات منفلتة يصعب إخضاعها للحساب والمراقبة يمكن فقط العودة إلي اللحظة الأولي التي جاهرت فيها إسرائيل علانية بأنه يحق لها أن تمارس إرهاب الدولة المنظم بغطاء قانوني يوفره لها الكنيست. ولعلنا نتذكر أن حكومة جولدا مائير تقدمت إلي الكنيست الإسرائيلي في أكتوبر عام1973 بمشروع قانون تم إقراره بسرعة مذهلة وبموافقة تقترب من درجة الأغلبية المطلقة... وهذا القانون ينص علي إنزال العقوبات بحق أي شخص يتهم بالعمل ضد إسرائيل بغض النظر عن الزمان والمكان. وتحت غطاء هذا السند القانوني والتشريعي الذي وفره الكنيست جري توزيع لوائح الاغتيالات وأعمال الإرهاب التي تقرها القيادة السياسية الإسرائيلية المجلس الوزاري المصغر للشئون الأمنية بين الأجهزة الأمنية الرئيسية, وهي جهاز الأمن الداخلي الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية وجهاز الموساد الذي يشكل الجهاز الأم والمرجعية الرئيسية لجميع الأجهزة الأمنية. وليس سرا أن هذه الأجهزة الثلاثة هي التي نفذت- وباعترافات رسمية إسرائيلية- جميع عمليات الاغتيال السياسي ضد قادة وكوادر النضال الوطني الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها, وأن هذه الاغتيالات لاحقت هؤلاء الفلسطينيين في كل مكان من العالم, علي مدي العقود الأخيرة. بل إن هذه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية شكلت فرقا خاصة مهمتها تنفيذ العمليات الاستفزازية القذرة مثل إطلاق النار علي منازل اليهود في عواصم أوروبية مختلفة أو ضرب الأهداف والمصالح الأمريكية في أي دولة ثم العمل علي إلصاق التهم بالفلسطينيين باستخدام عملاء يعملون لصالح الموساد. وما لم تتخل إسرائيل عن هذه الثقافة الاستعلائية فإن أية أحاديث عن السلام والتعايش تظل فارغة من أي مضمون وأيضا فإنه ما لم تتخل الأمة العربية عن أوهام القدرة علي بلوغ السلام دون توافر أدوات القوة التفاوضية فسوف تظل كل الجهود نوعا من الحرث في البحر. وما أصدق القول إنه ليس هناك خطر علي أي أمة يوازي خطر فقدان الذاكرة أو خطر العجز عن قراءة الواقع بأمانة ودقة وبمنتهي الموضوعية.
خير الكلام: ** إذا أردت الصعود فلا تتشبث بأغصان الزهور وإنما عليك أن تتشبث بأغصان الشجر! [email protected]